حکومة داود وسُلیمان(علیهما السلام):

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة النّمل / الآیة 15 ـ 16 1ـ علاقةُ الدین بالسیّاسة

بعد الکلام عن جانب من قصّة موسى(علیه السلام) فی هذه السورة، یتحدّث القرآن الکریم عن نبیّین آخرین من الأنبیاء العظام، وهما «داود» و«سلیمان»... والکلام على داود  لا یتجاوز الإشارة العابرة، إلاّ أنّ الکلام على سلیمان أکثر استیعاباً.

وذکر هذا المقطع من قصّة هذین النبیّین بعد قصّة موسى(علیه السلام)، لأنّهما کانا من أنبیاء بنی إسرائیل أیضاً، وما نجده من اختلاف بین تاریخهما وتاریخ الأنبیاء الآخرین، هو أنّهما ـ ونتیجة للإستعداد الفکری وملائمة المحیط الاجتماعی فی عهدهما ـ قد وفّقا إلى تأسیس حکومة عظیمة، وأن ینشرا بالإستعانة والإفادة من حکومتهما دین الله، لذلک لا نجد هنا أثراً أو خبراً عمّا عهدناه من أسلوب فی تلک الآیات التی کانت تتکلم عن الأنبیاء الآخرین، وهم یواجهون قومهم المعاندین، وربّما نالوا منهم الأذى والطرد والاخراج من مدنهم وقراهم.. فالتعابیر هنا تختلف عن تلکم التعابیر تماماً.

ویدلّ هذا بوضوح أنّه لو کان المصلحون والدعاة إلى الله یوفقون إلى تشکیل حکومة لما بقیت معضلة ولغدى طریقهم معبداً سالکاً.

وعلى کل حال، فالکلام هنا عن العلم والقدرة والعظمة، وعن طاعة الآخرین حتى الجن والشیاطین لحکومة الله وعن تسلیم الطیر فی الهواء والموجودات الأخر لحکومة الله!.

وأخیراً، فإنّ الکلام عن مکافحة عبادة الأصنام عن طریق الدعوة المنطقیة، ثمّ الإفادة من قدرة الحکومة!.

وهذه الاُمور هی التی میّزت قصّة هذین النبیّین عن الأنبیاء الآخرین.

الطریف، أنّ القرآن یبدأ من مسألة «موهبة العلم» التی هی أساس الحکومة الصالحة القویة، فیقول: (ولقد آتینا داوود وسلیمان علم).

وبالرغم من أنّ کثیراً من المفسّرین أجهدوا أنفسهم وأتعبوها لیعرفوا هذا العلم الذی أوتیه سلیمانُ وداودُ، لأنّه جاء فی الآیة بصورة مغلقة.. فقال بعضهم: هو علم القضاء، بقرینة الآیة 20 من سورة ص: (وآتیناه الحکمة وفصل الخطاب) والآیة 79 من سورة الأنبیاء: (وکلاًّ آتینا حکماً وعلم).

وقال بعضهم: إنّ هذا العلم هو معرفة منطق الطیر بقرینة الآیة (عُلّمنا منطق الطیر).

وقال بعضهم: إنّ المراد من هذا العلم هو صنعة الدروع، بقرینة الآیة 80 من سورة الأنبیاء (صنعة لبوس لکم لتحصنکم من بأسکم).

إلاّ أنّ من الواضح أنّ العلم هنا له مفهوم واسع، بحیث یحمل فی نفسه علم التوحید والإعتقادات المذهبیة والقوانین الدینیة، وکذلک علم القضاء، وجمیع العلوم التی ینبغی توفرها لمثل هذه الحکومة الواسعة القویة... لأنّ تأسیس حکومة إلهیّة على أساس العدل... وحضارة عامرة حرّة... دون الإفادة من علم واسع غیر ممکن... وهکذا فإنّ القرآن یعدُّ مقام العلم لتشکیل حکومة صالحة أوّل حجر أساس لها!.

وبعد هذه الجملة ینقل القرآن ما قاله داود وسلیمان من ثناء لله: (وقالا الحمدلله الّذی فضّلنا على کثیر من عباده المؤمنین).

والذی یجلب النظر هو أنّه بعد بیان هذه الموهبة الکبیرة «العلم» یجری الکلام عن «الشکر» مباشرة... لیکون واضحاً أنّ کل نعمة لابدّ لها من شکر، وحقیقة الشکر هو أن یستفاد من النعمة فی طریقها الذی خلقت من أجله.

وهذان النبیّان العظیمان(علیهما السلام) استفادا من نعمة علمهما الاستفادة القصوى فی تنظیم حکومة إلهیّة.

وقد جعل داود وسلیمان معیار تفضیلهما على الآخرین «العلم» لا القدرة  ولا الحکومة، وعدّا الشکر للعلم لا لغیره من المواهب، لأنّ کلّ قیمة هی من أجل العلم، وکلّ قدرة تعتمد أساساً على العلم.

والجدیر بالذکر أنّهما یشکران اللّه ویحمدانه لتفضیلهما ولحکومتهما على اُمّة مؤمنة.. لأنّ الحکومة على اُمّة فاسدة غیر مؤمنة لیست مدعاة للفخر!

وهنا ینقدح هذا السؤال، وهو: لم قال داود وسلیمان (الحمد لله الّذی فضّلنا على کثیر من عباده المؤمنین) ولم یقولا على عباده المؤمنین جمیعاً، مع أنّهما کانا نبیّین، وهما أفضل أهل عصرهما؟

ولعلّ هذا التعبیر رعایة لأصول الأدب والتواضع، إذ على الإنسان أن  لا یرى نفسه أفضل من الجمیع فی أی مقام کان!

أو لأنّهما کانا ینظران إلى جمیع الأزمنة، ولم ینظرا إلى مقطع زمنىّ خاص، ونعرف أنّ على مدى التاریخ یوجد أنبیاء کانوا أفضل منهما.

والآیة التالیة تتکلم على إرث سلیمان أباه داود أولا، فتقول: (وورث سلیمانُ داوود).

وهناک کلام بین المفسّرین فی المراد من الإرث هنا، ما هو؟

فقال بعضهم: هو میراث العلم فحسب... لأنّ فی تصورهم أنّ الأنبیاء  لا  یورثون.

وقال بعضهم: هو میراث المال والحکومة، لأنّ هذا المفهوم یتداعى إلى الذهن قبل أی مفهوم آخر.

وقال بعضهم: هو منطق الطیر.

ولکن مع الإلتفات إلى أنّ الآیة مطلقة، وقد جاء فی الجمل التالیة الکلام على العلم وعن جمیع المواهب (أوتینا من کل شیء)فلا دلیل على حصر مفهوم الآیة وجعله محدوداً، فبناءً على ذلک فإنّ سلیمان ورث کل شیء عن أبیه.

وفی الرّوایات الواردة عن أهل البیت (علیهم السلام) أنّهم کانوا یستدلون بهذه الآیة على عدم صحة ما نسب إلى النّبی صلّى الله علیه وآله وسلّم من حدیث «نحن معاشر الأنبیاء لا نورث وما ترکناه صدقة» وأنّه ساقط من الاعتبار لمخالفته کتاب الله.

وفی بعض الأحادیث عن أهل البیت(علیهم السلام) أنّه لما أجمع أبوبکر على أخذ فدک من فاطمة(علیها السلام)، محتجّاً بالحدیث آنف الذکر، جاءته فاطمة(علیها السلام) فقالت: یا أبابکر، أفی کتاب الله أن ترث أباک ولا أرث أبی؟! لقد جئت شیئاً فریّاً، فعلى عمد ترکتم کتاب الله ونبذتموه وراء ظهورکم، إذ یقول: (وورث سلیمان داود)(1).

ثمّ تضیف الآیة حَاکیةً عن لسان سلیمان (وقال یا أیّها النّاس علّمنا منطق الطّیر وأوتینا من کلّ شیء إنّ هذا لهو الفضل المبین).

وبالرغم من ادّعاء بعضهم أنّ تعبیر النطق والکلام فی شأن غیر الناس لا یمکن إلاّ على نحو المجاز... إلاّ أنّه إذا أظهر غیر الإنسان أصواتاً من فمه کاشفاً عن مطلب ما، فلا دلیل على عدم تسمیته نطقاً، لأنّ النطق کل لفظ مبین للحقیقة والمفهوم(2).

ولانرید أن نقول أنّ ما یظهر من أصوات الحیوانات عند الغضب أو الرضا أو الألم أو إظهار الشوق لأطفالها هو نطق، کلاّ فهی أصوات تقترن بحالات الحیوان... إلاّ أنّنا ـ کما سیأتی فی الآیات التالیة ـ سنرى بتفصیل أنّ سلیمان تکلم مع الهدهد فی مسائل وحمّله رسالة... وطلب منه أن یتحرّى جوابها.

وهذا الأمر یدلّ على أنّ الحیوانات بالإضافة إلى أصواتها الکاشفة عن حالاتها الخاصة... لها القدرة على النطق فی ظروف خاصة بأمر الله، کما سیأتی الکلام فی شأن تکلم النمل فی الآیات المقبلة إن شاء الله.

وبالطبع فإنّ النطق استعمل فی القرآن بمعناه الوسیع،حیث یبیّن حقیقة النطق ونتیجته، وهو بیان ما فی الضمیر، سواءً کان ذلک عن طریق الألفاظ أو عن طریق الحالات الأخر، کما فی قوله تعالى: (هذا کتابنا ینطق علیکم بالحقّ).(3) إلاّ أنّه  لا حاجة إلى تفسیر کلام سلیمان ومنطق الطیر بهذا المعنى... بل طبقاً لظاهر الآیات، فإنّ سلیمان کان بإمکانه أن یعرف ألفاظ الطیر الخاصة الدالة على مسائل معیّنة فیشخّصها، أو أنّه کان یتکلم معها فعلا.

وسنتکلم فی هذا الشأن فی البحوث إن شاء الله تعالى.

أمّا جملة (اُوتینا من کلّ شیء) فهی على خلاف ما حدده جماعة من المفسّرین، لها مفهوم واسع شامل... فهی تشمل جمیع الأسباب اللازمة لإقامة حکومة الله فی ذلک الحین... وأساساً فإنّ الکلام سیقع ناقصاً بدونها، ولا یکون له إرتباط واضح بما سبق.

وهنا یثیر الفخر الرازی سؤالا فیقول: ألیس التعبیر بـ (علمنا) و(أوتینا) من قبیل کلام المتکبرین؟!

ثمّ یجیب على سؤاله هذا بالقول: إنّ المراد من ضمیر الجمع هنا هو سلیمان وأبوه، أو هو ومعاونوه فی الحکومة.. وهذا التعبیر مستعمل حین یکون الشخص فی رأس هیئة ما، أن یتکلم عن نفسه بضمیر الجمع!.


1. راجع کتاب الإحتجاج للطبرسی طبقاً لما جاء فی تفسیر نور الثقلین، ج 4، ص 75.
2. یقول ابن منظور فی لسان العرب: «النطق» هو التکلم، ثمّ یضیف «وکلام کل شیء منطقه». ومنه قوله تعالى:(علّمنا منطق الطّیر) ثمّ ینقل عن بعض علماء العرب ـ وهو ابن سیده ـ أنّه «خلافاً لما قال بعضهم: إنّ النطق خاص بالإنسان. فقد یستعمل النطق فی غیر الإنسان». وینبغى الإلتفات إلى أنّ الفلاسفة وعلماء المنطق أطلقوا النطق على القدرة على التفکیر الذی یعطی الإنسان التمکن من الکلام.
3. الجاثیة، 29.
سورة النّمل / الآیة 15 ـ 16 1ـ علاقةُ الدین بالسیّاسة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma