حرکة الظلال:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة الفرقان / الآیة 45 ـ 50 بحوث

فی هذه الآیات کلام فی أقسام مهمّة من النعم الإلهیة، على سبیل بیان أسرار التوحید ومعرفة الله، الاُمور التی یزیدنا التفکر فیها معرفة بخالقنا وقرباً منه، ومع الإلتفات إلى أنّ المحاورات الکثیرة فی الآیات الماضیة کانت مع المشرکین، تتّضح صلة وإرتباط هذه الآیات بالآیات السابقة.

فی هذه الآیات، کلام فی نعمة «الظلال» ثمّ فی آثار وبرکات «اللیل» و«النوم والإستراحة» و«ضیاء» النهار و«هبوب الریاح» و«نزول المطر» و«إحیاء الأراضی الموات» و«سقایة» الأنعام والناس.

یقول تعالى أولا: (ألم تر إلى ربّک کیف مدّ الظّلّ، ولو شاء لجعله ساکن).

لا شک أنّ هذا الجزء من الآیة إشارة إلى أهمّیة نعمة الظلال الممتدة والمتحرکة.

الظِلال التی لا تثبت على حال، بل هی فی حرکة وانتقال.

ولکن أی ظل هو المقصود بالآیة؟ ثمّة أقوال فی أوساط المفسّرین:

بعضهم یقول: هذا الظل الممتد والمنتشر هو ذلک الظل المنتشر على الأرض بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس، وأهنأ الظلال والساعات هی تلک، هذا النور الشفاف، والظل المنبسط، یبدأ عند طلوع الفجر، یتلاشى عند طلوع الشمس حیث یأخذ مکانه الضیاء.

و یرى البعض الآخر أنّ المقصود هو ظل اللیل بأجمعه، الذی یبدأ من لحظة الغروب وینتهی عند لحظة طلوع الشمس، لأنّنا نعلم أنّ اللیل فی الحقیقة هو ظل نصف الکرة الأرضیة المواجه للشمس، وهو ظل مخروطی یکون فی الطرف الآخر ومنتشراً فی الفضاء الواسع، وهذا الظل المخروطی فی حرکة دائمة ومع طلوع الشمس على منطقة یزول عنها لیتشکل فی اُخرى.

وقال آخرون: المقصود هو الظل الذی یظهر للأجسام بعد الظهر فینبسط شیئاً فشیئاً بالتدریج.

طبیعی، أنّه لو لم تکن الجمل الآتیة، لکنّا نفهم من هذه الجملة معنىً واسعاً یشمل جمیع الظلال الشاسعة، لکن سائر القرائن التی وردت على أثرها تدل على أن التّفسیر الأوّل أکثر تناسباً، لأنّه تعالى یقول على أثر ذلک: (ثمّ جعلنا الشّمس علیه دلیل).

إشارة إلى أنّ مفهوم الظل لم یکن لیتّضح لو لم تکن الشمس، فالظل من حیث الأصل یخلق بسبب ضیاء الشمس، لأنّ «الظل» یطلق عادة على الظلمة الخفیفة اللون التی تظهر الأشیاء فیها، وهذا فی حالة ما إذا أضاء النور جسماً مانعاً لنفوذ النور، فإن الظل یبدو فی الجهة المقابلة. بناءً على هذا فلیس تشخیص الظل یتم بواسطة النور طبقاً لقاعدة «تعرف الأشیاء بأضدادها» فقط، بل إنّ وجوده أیضاً من برکة النور.

بعد ذلک یبیّن تعالى: ثمّ إنّنا نجمعه جمعاً ویئداً (ثمّ قبضناه إلینا قبضاً یسیر).

من المعلوم أنّ الشمس حینما تطلع فإنّ الظلال تزول تدریجیاً، حتى یحین وقت الظهر حیث ینعدم الظل تماماً فی بعض المناطق، لأنّ الشمس آنئذ تستقر تماماً فوق رأس کل موجود، وفی مناطق اُخرى یصل إلى أقل من طول الشاخص، ولهذا فالظل لا یظهر ولا یختفی دفعةً واحدةً، وهذا نفسه حکمة الخالق، ذلک لأنّ الإنتقال من النور إلى الظلمة بشکل فجائی یکون ضاراً بجمیع المخلوقات، لکن هذا النظام المتدرج فی هذه الحالة الإنتقالیة له أکبر المنفعة بالنسبة إلى الموجودات، دون أن یکون له أی ضرر.

التعبیر بـ «یسیراً» إشارة إلى انقباض الظل التدریجی، أو إشارة إلى أنّ نظام النور

والظلمة الخاص، شیء یسیر هین بالنسبة إلى قدرة الخالق، وکلمة (إلینا) تأکید على هذه القدرة أیضاً.

على أیة حال، لا شک أنّ الإنسان کما یحتاج إلى أشعة «النور» فی حیاته، فهو کذلک یحتاج إلى «الظل» لتعدیل ومنع «النور» أوقات اشتداده، فکما أنّ أشعة النور المستدیمة تربک الحیاة، کذلک فإنّ الظل الدائم الساکن مهلک أیضاً.

فی الحالة الاُولى تحترق جمیع الموجودات، وفی الحالة الثّانیة تنجمد جمیعاً، ولکن هذا النظام المتناوب من «النور» و«الظل» هو الذی یجعل الحیاة ممکنة وسائغة للإنسان.

لذا فإنّ آیات قرآنیة اُخرى تعدُّ وجود اللیل والنهار، الواحد تلو الآخر، من النعم الإلهیة العظیمة، ففی موضع یقول تعالى: (قل أرأیتم إن جعل الله علیکم اللیل سرمداً إلى یوم القیامة من إله غیر الله یأتیکم بضیاء أفلا تسمعون). ویضیف مباشرة: (قل أرأیتم إن جعل الله علیکم النّهار سرمداً إلى یوم القیامة من إله غیر الله یأتیکم بلیل تسکنون فیه أفلا تبصرون).(1)

و یستنتج من هذا القول أنّ هذا النظام من رحمة الله الذی جعل لکم اللیل والنهار لتسکنوا وتستریحوا فیهما، ولتستفیدوا فی تحصیل المعاش من فضله، ولعلکم تشکرون (و من رحمته جعل لکم اللیل والنهار لتسکنوا فیه ولتبتغوا من فضله ولعلّکم تشکرون).(2)

ولهذا یعدّ القرآن «الظل الممدود» إحدى نعم الجنّة، حیث لا نورَ مُعش مرهق، ولا ظلمة موحشة.

بعد ذکر نعمة الظلال، تناول القرآن الکریم بالشرح نعمتین اُخریین متناسبتین معها تناسباً تاماً، فیکشف جانباً آخر من أسرار نظام الوجود الدالة على وجود الله، یقول تعالى: (وهو الّذی جعل لکم اللیل لباس).

کم هو تعبیر جمیل ورائع (جعل لکم اللیل لباس)... هذا الحجاب الظلامی الذی لا یستر الناس فقط، بل کل الموجودات على الأرض ویحفظها کاللباس، ویلتحفه الإنسان کالغطاء الذی یستفید منه أثناء النوم، أو لإیجاد الظلام.

ثمّ یشیر تعالى إلى نعمة النوم (و النّوم سبات).

«السبات» فی اللغة من «سبت» (على وزن وقت) بمعنى القطع، ثمّ جاء بمعنى تعطیل العمل للإستراحة، ولذا فإنّ أوّل أیّام الأسبوع یسمّونه فی لغة العرب «یوم السبت» وهی تسمیة اُخذت من طریقة الیهود، لأنّه یوم تعطیلهم.

هذا التعبیر ـ فی الحقیقة ـ إشارة إلى تعطیل جمیع الفعالیات الجسمانیة أثناء النوم، لأنّنا نعلم أنّ قسماً مهماً من الأفعال البدنیة یتوقف کلیاً فی حال النوم، وقسماً آخر مثل عمل القلب وجهاز التنفس یؤدّی عمله بصورة وئیدة جدّاً، ویستمر بصورة أکثر هدوءً کیما یرتفع التعب وتتجدد القوى.

النوم فی وقته وبحسب الحاجة إلیه، مجدد لجمیع طاقات البدن، وباعث للنشاط والقوّة، وأفضل وسیلة لهدوء الأعصاب، بعکس الأرق خصوصاً لفترة طویلة ـ فهو ضارٌ جدّاً وقد یؤدّی إلى الموت أیضاً، ولهذا فإنّ قطع برنامج النوم واحد من أهم أسالیب التعذیب حیث یحطم کل مقاومة الإنسان بسرعة.

وفی ختام الآیة، أشار تعالى إلى نعمة «النهار» فقال تعالى: (وجعل النّهار نشور).

کلمة «النشور» فی الأصل من النشر بمعنى البسط، فی مقابل الطی وربّما کان هذا التعبیر إشارة إلى انتشار الروح فی أنحاء البدن، حین الیقظة التی تشبه الحیاة بعد الموت، أو إشارة إلى انتشار الناس فی ساحة المجتمع، والحرکة للمعاش على وجه الأرض، نقرأ فی حدیث عن النّبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) أنّه کان یقول کل صباح: «الحمد لله الذی أحیاناً بعد ما أماتنا وإلیه النشور».(3)

فضیاء النهار من حیث روح وجسم الإنسان باعث على الحرکة حقّاً، کما أنّ الظلام باعث على النوم والهدوء.

فی عالم الطبیعة أیضاً، فإنّ الحرکة والنشاط تشمل جمیع الموجودات الحیة و یستجد انبعاثٌ فیها بمجرّد سطوع أوّل اشعة للشمس، فینطلق کل واحد منها إلى سبیله، وحتى النباتات تتنفس وتتغذى وتنموا وتنضج أمام النور، أمّا عند مغیب الشمس، فکأن الطبیعة تنفخ فی صور انتهاء العمل والسکون، الطیور تؤوب إلى أوکارها، الموجودات الحیة تفیء إلى الإستراحة والنوم، حتى النباتات تغطُّ فی نوع من النوم.

بعد بیان هذه المواهب العظیمة ـ التی هی أهم رکائز الحیاة الإنسانیة ـ یتناول القرآن الکریم موهبة اُخرى مهمّة جدّاً فیقول: (وهو الّذی أرسل الرّیاح بشراً بین یدی رحمته وأنزلنا من السّماء ماءً طهور).

لا یخفى أن دور الریاح هو أنّها الطلائع المتقدمة لنزول الرحمة الإلهیّة، وإلاّ فلن تنزل قطرة مطر على الأرض العطشى أبداً.

صحیح أن ضیاء الشمس یبخر ماء البحار فیتصاعد فی الفضاء، وتراکم هذه الأبخرة فی طبقة عالیة باردة یشکل الغیوم الممطرة، ولکن إذا لم تحمل الریاح هذه الغیوم المثقلة من أعالی المحیطات باتجاه الأراضی الیابسة، فستتحول هذه الغیوم إلى مطر وستهطل على نفس ذلک البحر.

والخلاصة أن وجود بشائر الرحمة هذه، التی تتحرک بشکل دائم فی کل أرجاء الأرض، سبب رواء الجفاف على الأرض، ونزول المطر الباعث على الحیاة وتشکیل الأنهار والعیون والآبار، ونمو أنواع النباتات.

إنّ قسماً من هذه الریاح المتقدمة لقطعات الغیوم، فی حرکتها وامتزاجها برطوبة ملائمة، تبعث النسیم المنعش الذی تشم منه رائحة المطر، هذه الریاح مثل البشیر الذی یُنبىء عن قدوم مسافر عزیز.

التعبیر بـ «الریاح» بصیغة الجمع لعله إشارة إلى أنواع مختلفة منها، فبعض شمالی، وبعض جنوبی، وبعض یهب من الشرق إلى الغرب، ومنها ما یهب من الغرب إلى الشرق، فتکون سبباً فی انتشار الغیوم فی کل الآفاق.(4)

المهم هنا هو أنّ «الماء» قد وصف بـ «الطهور» التی هی صیغة مبالغة من الطهارة والنقاء ولهذا فمفهوم الطهارة والتطهیر یعنی أنّ الماء طاهر بذاته، ویطهر الأشیاء الملوثة... ثمّة أشیاء کثیرة غیر الماء طاهرة، ولکنّها لا تستطیع أن تکون مطهرة لغیرها!

وعلى أیة حال، فمضافاً إلى خاصیة الإحیاء، فإنّ للماء خاصیة کبیرة الأهمیّة هی التطهیر، فلولا الماء فإنّ أجسامنا ونفوسنا وحیاتنا تتسخ وتتلوث فی ظرف یوم واحد والماء وإن لم یکن قاتلا للمیکروب عادة، ولکنّه یستطیع ازالتها وطردها بسبب خاصیته الفذة (الإذابة)، ومن هذه الناحیة فإنّه یقدم مساعدة مؤثرة جدّاً فی مسألة سلامة الإنسان ومکافحة أنواع الأمراض.

مضافاً إلى أن تنقیة الروح من التلوث بواسطة الغسل والوضوء تکون بالماء، إذن فالماء مطهر للروح والجسم معاً.

لکن خاصیة التطهیر هذه مع ما لها من الأهمیّة، اعتبرت فی الدرجة الثّانیة، لذا یضیف القرآن الکریم فی الآیة التی بعدها بأنّ الهدف من نزول المطر هو الإحیاء: (لنحیی به بلدة میت)(5).

وأیضاً (ونسقیه ممّا خلقنا أنعاماً وأناسیَّ کثیر).


1. القصص، 71 و72.
2. القصص، 73.
3. تفسیر القرطبی، ج 7، ص 4455.
4. یجب الإنتباه إلى أن «بُشْراً» ـ بسکون الشین مخفف ـ «بُشُراً» ـ بضم الشین ـ الذی هو جمع «بشور» (على وزن قبول) بمعنى مبشر وبشیر.
5. ینبغی الإلتفات إلى أن «بلدة» هنا بمعنى الصحراء، ومع أنّ هذا اللفظ مؤنث، فصفته التی هی «میتاً» وردت بصیغة المذکر، ذلک لأنّ المراد بالمعنى «المکان» وهو مذکر.
سورة الفرقان / الآیة 45 ـ 50 بحوث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma