موسى یتوجّه إلى مدین خُفیةً:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة القصص / الآیة 18 ـ 22 سورة القصص / الآیة 23 ـ 25

نواجه فی هذه الآیات المقطع الرّابع من هذه القصّة ذات المحتوى الکبیر.

حیث إنّ مقتل الفرعونی فی مصر انتشر بسرعة، والقرائن المتعددة تدلّ على أنّ القاتل من بنی إسرائیل، ولعل اسم موسى(علیه السلام) کان مذکوراً من بین بنی إسرائیل المشتبه فیهم.

وبالطبع فإنّ هذا القتل لم یکن قتلا عادیاً، بل کان یعدّ شرارة لانفجار ثورة مقدمة للثورة.. ولا شک أنّ جهاز الحکومة لا یستطیع تجاوز هذه الحالة ببساطة لیعرّض أرواح الفرعونیین للقتل على أیدی عبیدهم من بنی إسرائیل.

لذلک یقول القرآن فی بدایة هذا المقطع (فأصبح فی المدینة خائفاً یترقب)(1).

وهو على حال من الترقب والحذر، فوجیء فی الیوم التالی بالرجل الإسرائیلی الذی آزره موسى بالأمس یتنازع مع قبطی آخر وطلب من موسى أن ینصره (فإذا الذی استنصره بالأمس یستصرخه)(2).

ولکن موسى تعجب منه واستنکر فعله و(قال له موسى إنّک لغوی مبین) إذ تحدث کل یوم نزاعاً ومشادة مع الآخرین، وتخلق مشاکل لیس أوانها الآن، إذ نحن نتوقع أن تصیبنا تبعات ما جرى بالأمس، وأنت الیوم فی صراع جدید أیضاً!!

ولکنّه کان على کل حال مظلوماً فی قبضة الظالمین (وسواء کان مقصراً فی المقدمات أم لا) فعلى موسى(علیه السلام) أن یعینه وینصره ولا یترکه وحیداً فی المیدان، فلمّا أراد أن یبطش بالذی هو عدوّ لهما صاح ذلک القبطی: (یاموسى أترید أن تقتلنی کما قتلت نفساً بالأمس)ویبدو من عملک هذا أنّک لست إنساناً منصفاً (إن ترید إلاّ أن تکون جبّاراً فی الأرض وما ترید أن تکون من المصلحین)(3).

وهذه العبارة تدلّ بوضوح على أنّ موسى(علیه السلام) کان فی نیّته الإصلاح من قبل، سواءً فی قصر فرعون أو خارجه، ونقرأ فی بعض الرّوایات أنّ موسى(علیه السلام) کانت له مشادات کلامیة مع فرعون فی هذا الصدد، لذا فإن القبطی یقول لموسى: أنت کل یوم ترید أن تقتل إنساناً، فأىّ إصلاح هذا الذی تریده أنت؟! فی حین أنّ موسى(علیه السلام) لو کان یقتل هذا الجبار، لکان یخطو خطوة اُخرى فی طریق الإصلاح.

وعلى کل حال فإنّ موسى التفت إلى أن ما حدث بالأمس قد انتشر خبره، ومن أجل أن لا تتسع دائرة المشاکل لموسى فإنّه أمسک عن قتل الفرعونی فی هذا الیوم.

ومن جهة اُخرى فإنّ الأخبار وصلت إلى قصر فرعون فأحسّ فرعون ومن معه فی القصر أنّ تکرار مثل هذه الحوادث ینذره بالخطر، فعقد جلسة شورى مع وزرائه وانتهى «مؤتمرهم» إلى أن یقتلوا موسى، وکان فی القصر رجل له علاقة بموسى فمضى إلیه وأخبره بالمؤامرة.. وکما یقول القرآن الکریم: (وجاء رجل من أقصا المدینة یسعى قال یا موسى إنّ الملأ یأتمرون بک لیقتلوک فاخرج إنّی لک من الناصحین).

ویبدو أنّ هذا الرجل هو «مؤمن آل فرعون» الذی کان یکتم إیمانه ویدعى «حزقیل» وکان من أسرة فرعون، وکانت علاقته بفرعون وثیقة بحیث یشترک معه فی مثل هذه الجلسات.

وکان هذا الرجل متألماً من جرائم فرعون، وینتظر أن تقوم ثورة «إلهیّة» ضده فیشترک معها.

ویبدو أنّه کان له أمل کبیر بموسى(علیه السلام) إذ کان یتوسم فی وجهه رجلا ربّانیاً صالحاً ثوریّاً، ولذلک فحین أحسّ بأنّ الخطر محدق بموسى أوصل نفسه بسرعة إلیه وانقذه من مخالب الخطر، وسنرى بعدئذ أنّ هذا الرجل لم یکن فی هذا الموقف فحسب سنداً وظهیراً لموسى، بل کان یعدّ عیناً لبنی إسرائیل فی قصر فرعون فی کثیر من المواقف والأحداث.

أمّا موسى(علیه السلام) فقد تلقى الخبر من هذا الرجل بجدّیة وقبل نصحه ووصیته فی مغادرة المدینة (فخرج منها خائفاً یترقب).

وتضرع إلى الله بإخلاص وصفاء قلب لیدفع عنه شرّ القوم و(قال ربّ نجّنی من القوم الظالمین).

فأنا أعلم یاربّ أنّهم ظلمة ولا یرحمون، وقد نهضت ـ دفاعاً عن المحرومین ـ بوجه الظالمین، ولم آل جهداً ووسعاً فی ردع الأشرار عن الاضرار بالطیبین، فأسألک ـ یا ربّی العظیم ـ أن تدفع عنّی أذاهم وشرّهم.

ثمّ قرر موسى(علیه السلام) أن یتوجه إلى مدینة «مدین» التی کانت تقع جنوب الشام وشمال الحجاز، وکانت بعیدة عن سیطرة مصر والفراعنة.. ولکنه شاب تربّى فی نعمة ورفاه ویتّجه إلى سفر لم یسبق له فی عمره أن یسافر إلیه، فلا زاد ولا متاع ولا صدیق ولا راحلة ولا دلیل، وکان قلقاً خائفاً على نفسه، فلعل أصحاب فرعون سیدرکونه قبل أن یصل إلى هدفه «مدین» ویأسرونه ثمّ یقتلونه.. فلا عجب أن یظل مضطرب البال!

أجل، إنّ على موسى(علیه السلام) أن یجتاز مرحلة صعبة جدّاً، وأن یتخلص من الفخ الذی ضربه فرعون وجماعته حوله لیصطادوه، لیستقرّ أخیراً إلى جانب المستضعفین ویشاطرهم آلامهم بأحاسیسه وعواطفه، وأن یتهیأ لنهضة إلهیة لصالحهم وضد المستکبرین.

إلاّ أنّه کان لدیه فی هذا الطریق وعواطفه رأس مال کبیر وکثیر لا ینفد أبداً، وهو الإیمان بالله والتوکل علیه، لذا لم یکترث بأی شیء وواصل السیر... (ولمّا توجّه تلقاء مدین قال عسى ربّی أن یهدینی سواء السبیل)(4).


1. «یترقب» مأخوذة من «الترقب»، ومعناه الإنتظار، وموسى هنا فی انتظار نتائج هذه الحادثة، ومورد الجملة إعراباً ـ خبر بعد خبر، وإن قیل أنّها حال، إلاّ أنّ هذا القول ضعیف.
2. «یستصرخ» مشتقة من مادة «الإستصراخ»، ومعناها الإستغاثة، ولکنّها فی الأصل تعنی الصیاح أو طلب الصیاح من الآخر، وهذا عادةً ملازم للإعانة.
3. یعتقد جماعة من المفسّرین أنّ هذه الجملة قالها الإسرائیلی لموسى، لأنّه ظن أنّ موسى یرید قتله، ولکن القرائن الکثیرة فی الآیة تنفی هذا الاحتمال!
4. «تلقاء» مصدر أو اسم مکان، ومعناه هنا: الجهة والصوب الذی قصده.
سورة القصص / الآیة 18 ـ 22 سورة القصص / الآیة 23 ـ 25
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma