یمکن اعتبار هذه السورة خاصّة بالطهارة والعفة، وکفاح الإنحطاط الخلقی، لأنّ محور تعالیمها ینصب على تطهیر المجتمع بطرق مختلفة مِن الرذائل والفواحش، والقرآن الکریم یحقق هذا الهدف عبر مراحل، هی:
المرحلة الاُولى: بیان العقاب الشدید للمرأة الزانیة والرجل الزانی، وهو ما ورد حاسماً فی الآیة الثّانیة من هذه السورة.
المرحلة الثّانیة: بیان حدّ الزنا الذی لا تنبغی إقامته إلاّ بشروط مشدّدة للغایة، إذ لابدَّ من أربعة شهود یشهدون أنّهم رأوا بامِّ أعینهم رجلا غریباً یزنی بأمرأة غریبة عنه، یفعل بها فعل الزوج بزوجه ساعة مباشرته إیَّاها.
وَلو شهدَ الرجلُ على زوجتِه بالزّنا للاعَنَ القاضِی بینهما، أو یُقرُّ أحدُهما أو کلاهما بالحق.
ومن إتَّهم محصنةً ولم یأتِ بَأربعةِ شهود جلدَهُ القاضی أربعة أخماسِ حدّ الزِّنا، أی ثمانین جلدة، لِئلاّ یتصوَّرَ أحَدٌ أنَّ بإمکانه الطَّعْنَ على الناسِ وَهَتک حُرُماتِهِم وهو فی منجىَّ عن العقاب.
ثمّ طرحت الآیة بهذه المناسبة الحدیث المعروف باسم الإفک، وما فیه من إتّهام إحدى نساء النّبی(صلى الله علیه وآله)، فعقّب القرآن المجید على هذه المسألة مُوضِّحاً للمسلمین مَدَى بشاعة الإفتراء والتهمةِ، وَفظاعَةِ إشاعةِ الفاحِشة عُدواناً على الناس، وکاشفاً عمّا ینتظر القائم بذلک من عقوبات إلهیة.
وفی المرحلة الثّالثة: تناولت الآیة أحد السبل المهمّة لاجتناب التدهور الأخلاقیّ، من أجل ألا یُتصوَّرَ أنَّ الإسلام یهتم فقط بمعاقبة المذنبین.
فطرحت الآیة نظر الرجال إلى النساء بشهوة أو بالعکس، وحجاب المرأة المسلمة، لأنَّ أحد أسباب الانحراف الجنسی المهمّة ناجم عن هاتین المسألتین، وإذا لم تحل هاتان المسألتان جذریاً، لا یمکنُ القضاءُ على الإنحطاط والتفسخ.
وفی المرحلة الرّابعة: کخطوة للنجاة من التلوث بما یُخِلُّ بالشرف ـ دعا القرآن المجید إلى الزواج الیسیر التکالیف، لیحارب الإشباع الجنسی غیرالمشروع باشباع مشروع.
وفی المرحلة الخامسة: بیّنت الآیات جانباً من آداب المعاملة، ومبادىء تربیة الأولاد وعدم دخول الأبناء الغرفة المخصصة للوالدین فی ساعات الخلوة والاستراحة إلاَّ بإذن منهما، بغیة المحافظة على أفکارهم من الانحراف، کما بیّنت آداب الحیاةِ الاُسریّة عامّة.
وفی المرحلة السادسة: جاء ذکر مسائل خاصّة بالتوحید والمبدأ والمعاد والإمتثال لتعالیم النّبیّ(صلى الله علیه وآله). کلّ ذلک خلال البحوث المطروحة، ومن المعلوم أنّ الإعتقاد بالوحدانیة والنّبوة والمبدأ والمعاد، یدعم مناهج التربیة الأخلاقیة فی الفردِ والجماعة، فذلک الإعتقاد هو الأصل، وما عداهُ مِنْ أمور فروع عَلَیْه، تورق وتثمر إذا قویَ الأصْلُ واشتَدَّ.
وتطرقت بحوث هذه الآیات إلى حکومة المؤمنین الصالحین العالمیة، وأشارت إلى تعالیم إسلامیة اُخرى، وهی تشکل ـ بمجموعها ـ وحدة متکاملة شاملة.
