نور الإیمان فی قلب الملکة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة النّمل / الآیة 41 ـ 44 1ـ عاقبة أمر ملکة سبأ

نواجه فی هذه الآیات مشهداً آخر، ممّا جرى بین سلیمان(علیه السلام) وملکة سبأ فسلیمان من أجل أن یختبر عقل ملکة سبأ ودرایتها، ویهیء الجوّ لإیمانها بالله، أمر أن یغیروا عرشها وینکّروه فـ (قال نکّروا لها عرشها ننظر أتهتدی أم تکون من الّذین لا یهتدون).

وبالرغم من أنّ المجیء بعرشها من سبأ إلى الشام کان کافیاً لأن لا تعرفه ببساطة.. ولکن مع ذلک فإنّ سلیمان أمر أن یوجدوا تغییرات فیه، من قبیل تبدیل بعض علاماته، أو تغییر ألوانه ومواضع مجوهراته، ولکن هذا السؤال: ما الهدف الذی کان سلیمان(علیه السلام) یتوخّاه من اختبار عقل (ودرایة) ملکة سبأ وذکائها؟

لعل هذا الاختبار کان لمعرفة أی منطق یواجهها به؟ وکیف یأتی لها بدلیل لإثبات المبانی العقائدیة؟

أو کان یفکر أن یتزوجها، وکان یرید أن یعرف هل هی جدیرة بأن تکون زوجة له، أم لا؟... أو أراد ـ واقعاً ـ أن یعهد لها بمسؤولیة بعد إیمانها... فلابدّ من معرفة مقدار استعدادها لقبول المسؤولیة!

وهناک تفسیران لجملة (أتهتدی) فقال بعضهم: المراد منها معرفة عرشها، وقال بعضهم: المراد من هذه الجملة أنّها هل تهتدی إلى الله برؤیة المعجزة، أو لا؟!

إلاّ أنّ الظاهر هو المعنى الأوّل، وإن کان المعنى الأوّل بنفسه مقدمة للمعنى الثّانی.

وعلى کل حال... فلمّا جاءت (قیل أهکذا عرشک) والظاهر أنّ القائل لها لم یکن سلیمان نفسه، وإلاّ فلا یناسب التعبیر بـ «قیل»، لأنّ اسم سلیمان ورد قبل هذه الجملة وبعدها، وعُبّر عن کلامه بـ «قال».

أضف إلى ذلک أنّه لا یناسب مقام سلیمان(علیه السلام) أن یبادرها بمثل هذا الکلام.

وعلى أی حال. فإنّ ملکة سبأ أجابت جواباً دقیقاً و(قالت کأنّه هو).

فلو قالت: یشبه، لأخطأت... ولو قالت: هو نفسه، لخالفت الاحتیاط، لأنّ مجیء عرشها إلى أرض سلیمان لم یکن مسألة ممکنة بالطرق الاعتیادیة، إلاّ أنّ تکون معجزةً.

وقد جاء فی التواریخ أنّ ملکة سبأ کانت قد أودعت عرشها الثمین فی مکان محفوظ، وفی قصر مخصوص فیه غرفة علیها حرس کثیر!

ومع کل ذلک فإنّ ملکة سبأ استطاعت أن تعرف عرشها رغم کل ما حصل له من تغییرات... فقالت مباشرة: (وأوتینا العلم من قبلها وکنّا مسلمین).

أی، إذا کان مراد سلیمان(علیه السلام) من هذه المقدمات هو اطلاعنا على معجزته لکی نؤمن به، فإنّنا کنّا نعرف حقانیته بعلائم أخر... کنّا مؤمنین به حتى قبل رؤیة هذا الأمر الخارق للعادة فلم تکن حاجة إلى هذا الأمر.

وهکذا فأنّ سلیمان(علیه السلام) منعها (وصدّها ما کانت تعبد من دون الله)(1) بالرغم من (إنّها کانت من قوم کافرین).

أجل، إنّها ودعت ماضیها الأسود برؤیة هذه العلائم المنیرة، وخَطت نحو مرحلة جدیدة من الحیاة المملوءة بنور الإیمان والیقین.

وفی آخر آیة من الآیات محل البحث یجری الکلام عن مشهد آخر من هذه القصّة، وهو دخول ملکة سبأ قصر سلیمان الخاص.

وکان سلیمان(علیه السلام) قد أمر أن تصنع إحدى ساحات قصوره من قواریر، وأن یجری الماء من تحتها.

فلمّا وصلت مَلکة سبأ إلى ذلک المکان (قیل لها ادخلی الصّرح)(2) فلما رأته

ظنته نهراً جاریاً فرفعت ثوبها لتمر وسط الماء وهی متعجبة عن سبب وجود هذا الماء الجاری، وکما یقول القرآن: (فلمّا رأته حسبته لجّةً وکشفت عن ساقیه)(3).

إلاّ أنّ سلیمان(علیه السلام) التفت إلیها وقال: (إنّه صرح ممرّد من قواریر)(4). فلاحاجة إلى الکشف عن ساقیک فلا یمس الماء قدمیک.

وهنا ینقدح سؤال هام، وهو أنّ سلیمان نبیّ کبیر، فلم کان لدیه هذا البناء الفائق والتزیّن الرائق... والصرح الممرد والبساط الممهّد!.. وصحیح أنّه کان حاکماً مبسوط الید، إلاّ أنّ الأنسب أن یکون له بساط مألوف کسائر الأنبیاء.

إلاّ أنّه، ما یمنع أن یُری سلیمان مَلکة سبأ التی کانت ترى قدرتها وعظمتها بالعرش والتاج والقصر العظیم والزینة.. یریها هذا المشهد لتذعن لأمره، ولتحتقر ما عندها؟! وهذه نقطة انعطاف فی حیاتها لتعید النظر فی میزان القیم ومعیار الشخصیة!

ما یمنعه ـ بدلاً من أن یغیر على مدینتها بجیش عظیم فیسفک الدماء ـ أن یجعل فکر ملکة سبأ حائراً مبهوتاً بحیث لم تکن تتوقع ذلک أصلا... خاصة أنّها کانت امرأة تهتم بهذه الاُمور والتشریفات!.

ولا سیما أنّ أغلب المفسّرین صرحوا بأنّ سلیمان أمر أن یبنى مثل هذا الصرح والقصر قبل أن تصل ملکة سبأ إلى الشام، وکان هدفه أن یُریها قدرته لتذعن لأمره وتسلم له... وهذا الأمر یدلّ على أنّ سلیمان(علیه السلام) کان یتمتع فی سلطانه بقدرة عظیمة من حیث القوّة الظاهریة وُفق بها للقیام بمثل هذا العمل!.

وبتعبیر آخر: إنّ هذه النفقات المالیة إزاء أمن منطقة واسعة، وقبول دین الحق، والوقایة عن الإنفاق المفرط للحرب ـ لم تکن أمراً مسرفاً.

ولذلک حین رأت مَلکة سبأ هذا المشهد الرائع (قالت ربّ إنّی ظلمت نفسی وأسلمت مع سلیمان لله ربّ العالمین).

لقد کنت فی ما مضى أسجد للشمس وأعبد الأصنام، وکنت غارقة فی الزینة والتجمیل، وکنت أتصور أنّی أعلى الناس فی الدنیا.

أمّا الآن فإنّنی أفهم أنّنی ضعیفة جدّاً وهذه الزخارف والزبارج لا تروی ظمأ الإنسان ولا تبلّ غلیل روحه!.

ربّاه... أتیت إلیک مسلمة مع سلیمان نادمة عن سالف عمری ، خاضعة عنقی إلیک، الطریف هنا أنّها تقول: أسلمت مع سلیمان، فتستعمل کلمة (مع) لیتجلّى أنّ الجمیع إخوة فی السبیل إلى الله! لا کما یعتاده الجبابرة إذ یتسلط بعضهم على رقاب بعض، وترى جماعة أسیرة فی قبضة آخر.

فهنا لا یوجد غالب ومغلوب، بل الجمیع ـ بعد قبول الحق ـ فی صف واحد!.

صحیح أنّ ملکة سبأ کانت قد أعلنت إیمانها قبل ذلک أیضاً، لأنّنا سمعنا عن لسانها فی الآیات آنفة الذکر (وأوتینا العلم من قبلها وکنّا مسلمین).

إلاّ أنّ إسلام الملکة هنا وصل إلى أوجه، لذلک أکّدت إسلامها مرّة اُخرى.

إنها رأت دلائل متعددة على حقانیة دعوة سلیمان.

فمجیء الهدهد بتلک الحالة الخاصّة!

وعدم قبول سلیمان الهدیة الثمینة المرسلة من قبلها.

وإحضار عرشها فی فترة قصیرة من مدى بعید.

وأخیراً مشاهدة قدرة سلیمان الاعجازیة، وما لمسته فیه من أخلاق دمثة لا تشبه أخلاق الملوک!


1. للمفسّرین أقوال مختلفة فی فاعل (صدّ) وأنّ (م) هل هی موصولة أو مصدریة، فقال جماعة من المفسّرین. إنّ الفاعل هو سلیمان کما بیّناه فی المتن، وبعضهم قال: بل هو الله، والنتیجة تکاد تکون واحدة وطبقاً لهذین التّفسیرین تکون «ها» مفعولا أوّلا و(ما کانت) مکان المفعول الثّانی، وإن کان أصلها جاراً ومجروراً، أی وصدها سلیمان أو الله عما کانت تعبد من دون الله. إلاّ أنّ جماعة ذهبوا إلى أنّ فاعل صدّ، هو (ما کانت)، لکن حیث إنّ الکلام عن إیمانها لا کفرها فالتّفسیر الأوّل أنسب.. وأمّا کلمة (م) فقد تکون موصولة.. أو مصدریة.
2. «صَرْحُ» معناه الفضاء الواسع، وقد یأتی بمعنى البناء العالی والقصر وفی الآیة المشار إلیها آنفاً معناه ساحة القصر أی فضاءه الواسع ظاهراً.
3. «اللّجة» فی الاصل مأخوذة من اللجاج، ومعناه الشدّة، ثمّ أطلق على ذهاب الصوت وإیابه فی الحنجرة تعبیر (لجة) على وزن (ضجة)، أمّا الأمواج المتلاطمة فىُ البحر فتسمى (لُجة) على وزن (جُبة) وهی هنا فی الآیة بهذا المعنى الأخیر.
4. «الممرد» معناه الصافی... و«القواریر» جمع قارورة وهی الزجاجة.
سورة النّمل / الآیة 41 ـ 44 1ـ عاقبة أمر ملکة سبأ
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma