بلادکم فی خطر:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة الشّعراء / الآیة 30 ـ 37 سورة الشّعراء / الآیة 38 ـ 42

رأینا فی الآیات المتقدمة کیف حافظ موسى(علیه السلام) على تفوّقه ـ من حیث المنطق ـ على فرعون، وبیّن للحاضرین إلى أیّة درجة یعوّل مبدؤه على منطقه وعقله، وأنّ إدعاء فرعون واه وضعیف، فتارة یسخر من موسى، وتارةً یرمیه بالجنون، وأخیراً یلجأ إلى التهدید بالسجن والإعدام!.

وهنا یقلب موسى(علیه السلام) صفحة جدیدة، فعلیه أن یسلک طریقةً اُخرى یخذل فیها فرعون ویعجزه. علیه أن یلجأ إلى القوّة أیضاً، القوّة الإلهیة التی تنبع من الإعجاز، فالتفت إلى فرعون متحدّیاً و(قال أو لوجئتک بشىء مبین).

وهنا وجد فرعون نفسه فی طریق مغلق مسدود... لأنّ موسى(علیه السلام) أشارَ إلى خطّة جدیدة! ولفت انظار الحاضرین نحوه، إذ لو أراد فرعون أن لا یعتدّ بکلامه، لإعترض علیه الجمیع ولقالوا: دعه لیرینا عمله المهم، فلو کان قادراً على ذلک فلنرى، ونعلم حینئذ أنّه لا یمکن الوقوف أمامه، وإلاّ فستنکشف مهزلته!! وعلى کل حال لیس من الیسیر تجاوز کلام موسى ببساطة.

فاضطر فرعون إلى الإستجابة لا قتراح موسى(علیه السلام) و(قال فأت به إن کنت من الصّادقین).

(فألقى عصاه فإذا هی ثعبان مبین) «بأمر الله».

ثمّ أظهر إعجازاً آخر حیث أدخل یده فی جیبه (أعلى الثوب) وأخرجها فاذا هی بیضاء منیرة: (ونزع یده فإذا هی بیضاء للنّاظرین).

فی الحقیقة إن هاتین المعجزتین الکبیرتین، إحداهما کانت مظهر الخوف، والاُخرى مظهر الأمل، فالاُولى تناسب مقام الإنذار، والثّانیة للبشارة! والاُولى تبیّن عذاب الله، والاُخرى نورٌ وآیة رحمة! لأنّ المعجزة ینبغی أن تکون منسجمةً مع دعوة النّبی(علیه السلام).

«الثعبان» معناه الحیة العظیمة، ویحتمل الراغب فی مفرداته أنّ «الثعبان» من مادة (ثعب) المأخوذ معناه من جریان الماء، لأنّ حرکة هذا الحیوان تشبه الأنهار المتحرکة!

والتعبیر بـ «المبین» لعله إشارة إلى هذه الحقیقة! وهی أنّ عصا موسى(علیه السلام) تبدلت إلى ثعبان عظیم فعلا، ولم یکن فی الأمر من إیهام أو سحر.

ولا بأس بذکر هذه اللطیفة الدقیقة هنا، وهی أنّ الآیة محل البحث عبرت ]عن تبدل العصا[ بـ «ثعبان». أمّا الآیة العاشرة من سورة النمل، والآیة الحادیة والثلاثون من سورة القصص، فقد عبرت عنها بـ «جان» «ما تجنّه(1)الأرض وما یمشی علیها من الأفاعی الصغار بسرعة وقفز». أمّا الآیة العشرون من سورة طه فقد عبّرت عنها بأنّها «حیة» «المشتقّة من الحیاة».

وهذا التفاوت أو الإختلاف فی التعابیر مثیر للسؤال فی بدو النظر، إلاّ أنّ الاختلاف أو التفاوت إنّما هو لبیان واحد من أمرین:

لعله إشارة إلى حالات ذلک الثعبان المتباینة، ففی البدایة تبدلت العصا إلى جانّ أو حیة صغیرة، ثمّ بدأت تکبر حتى صارت ثعباناً مبیناً!.

أو أنّ هذه الألفاظ الثلاثة «الثعبان، والجان، والحیة» کلٌّ منها یرمز إلى بعض الخصائص الموجودة فی تلک العصا المتبدلة إلى حالة جدیدة! فالثعبان إشارة إلى عظمتها، والجان إشارة إلى سرعتها، والحیة إشارة إلى حیاتها!

غیر أن فرعون اضطرب لهذا المشهد المهول وغرق فی وحشة عمیقة ولکی یحافظ على قدرته الشیطانیة التی أحدق بها الخطر بظهور موسى(علیه السلام)، وکذلک من أجل أن یرفع من معنویات أصحابه والملأ من حوله فی توجیه معاجز موسى ولفت نظرهم عنها، فقد (قال للملإ حوله إنّ هذا لساحر علیم).

ذلک الإنسان الذی کان یدعوه مجنوناً إلى لحظات آنفة، وإذا هو الآن یعبر عنه بالعلیم، وهکذا هی طریقة الجبابرة وأسلوبهم، حیث تتبدل کلماتهم فی مجلس واحد عدّة مرّات، ویحاولون التشبث بأی شیء للوصول إلى هدفهم.

وکان فرعون یعتقد أن اتهام موسى بالسحر ألصق به وأکثر قبولا عند السامعین، لأنّ ذلک العصر کان عصر السحر، فإذا أظهر موسى(علیه السلام) معاجزه فمن الیسیر توجیهها بالسحر.

ومن أجل أن یعبّىء الملأ ویُثیرَ حفیظتهم ضد موسى(علیه السلام)، قال لهم: (یرید أن یخرجکم من أرضکم بسحره فماذا تأمرون).

والغریب فی الأمر أنّ فرعون الذی قال هذا الکلام هو الذی کان یقول من قبل: (ألیس لی ملکُ مصر)(2)؟!

والآن حیث یرى عرشه متزعزعاً ینسى مالکیته المطلقة لهذه الأرض، ویعدّها ملکَ الناس، فیقول لهم: أرضکم فی خطر، إنّ موسى یرید أن یخرجکم من أرضکم، ففکروا فی حیلة!...

فرعون هذا لم یکن قبل ساعة مستعداً لأن یصغی لأحد، کان الآمر بلا منازع، أمّا الآن فهو فی حرج شدید یقول لمن حوله: «ماذا تأمرون»؟! إنّها استشارة عاجزة ومن موقف الضعف فحسب!.

ویستفاد من الآیة 110 من سورة الأعراف أنّ أتباع فرعون ومن حوله ائتمروا فیما بینهم وتشاوروا فی الأمر، وکانوا فی حالة من الاضطراب النفسی بحیث کان کلُّ منهم یسأل الآخر قائلا: وأنت ما تقول؟ وماذا تأمرون؟!

أجل هذه سُنّةُ الجبابرة فی کل عصر وزمان... فحین یسیطرون على الأوضاع یزعمون أنّ کل شیء لهم، ویعدون الجمیع عبیدهم، ولا یفهمون شیئاً سوى منطق الاستبداد. إلاّ أنّهم حین تهتزّ عروشهم الظالمة ویرون حکوماتهم فی خطر، ینزلون مؤقتاً عن استبدادهم ویلجأون إلى الناس ویتحدثون باسم الناس، فالأرض أرض الشعب، والحکومة تمثل الشعب ویحترمون آراء الشعب، ولکن حین یستقر الطوفان ویهدأ التیار، فاذا هم أصحاب الأمس و«عادت حلیمة إلى عادتها القدیمة».

ورأینا فی عصرنا بقایا السلاطین القدامى کیف یحسبون أنّ الدولة ملکهم المطلق حین تُقبل الدنیا علیهم، ویأمرون من یرفض إتباعهم بالخروج عن تلک البلاد قائلین له: اذهب فی أرض الله العریضة الواسعة، ففی هذا البلد لابدّ من تنفیذ ما نقول لا غیر. ورأینا هذه الحالة عندما بدأت هبّت ریاح الثورة الإسلامیة کیف أنّ الطواغیت أخذوا باحترام الشعب وتعظیمه، وحتى أنّهم أقروا بذنوبهم وطلبوا العفو، ولکن الناس الذین عرفوا سجیّتهم طوال سنین مدیدة لم ینخدعوا بذلک.

وبعد المشاورة فیما بینهم التفت الملأ من قوم فرعون إلیه و(قالوا أرجه وأخاه وابعث فی المدائن حاشرین).(3) أی أمهلهما وابعث رسلک إلى جمیع المناطق والأمصار.

(یأتوک بکلّ سحّار علیم).

وفی الواقع أن رهط فرعون إمّا أنّهم غفلوا، وإمّا أنّهم قبلوا اتهامه لموسى واعین للأمر. فهیأوا خطةً على أنّه ساحر، ولابدّ من مواجهته بسحرة أعظم منه وأکثر مهارة!...

وقالوا: لحسن الحظّ إنّ فی بلادنا العریضة سحرةً کثیرین، فلابدّ من جمع السحرة لإحباط سحر موسى(علیه السلام).

وکلمة (حاشرین) مأخوذه من مادة (الحشر) ومعناه التعبئة والسوق لمیدان الحرب وأمثال ذلک، وهکذا فینبغی على المأمورین أن یعبئوا السحرة لمواجهة موسى(علیه السلام) بأیّ ثمن کان!...


1. جنّ یجن «من الأضداد فی اللغة» والضدّ فی الألفاظ ما یحمل معنیین متضادین، مثل الجون یطلق على الأسود والأبیض، وجنّ بمعنى ستره وأظهره.
2. الزخرف، 51.
3. «أرجه» مشتقّة من «الإرجاء»، ومعناها التأخیر وعدم الاستعجال فی القضاء، والضمیر فی (أرجه) یعود على موسى، وأصل الکلمة کان (أرجئه) وحذفت الهمزة للتخفیف!
سورة الشّعراء / الآیة 30 ـ 37 سورة الشّعراء / الآیة 38 ـ 42
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma