3 ـ دور العناوین الثانویة فی حیاة الفقه الإسلامی وإزدهاره

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الفقاهة - کتاب البیع
8 و 9 و 10 ـ النذر والعهد والقسم4 ـ النسبة بین العناوین الثانویة والأولیة

هناک أصلان یعدان من الاُصول المسلمة فی الإسلام:

«أبدیّة الإسلام» و«عالمیته»، فالإسلام لا ینحصر بزمان دون زمان، وبمکان دون مکان ولا قوم دون قوم، بل یجری مجرى الشمس والقمر، مدى الدهور والأعصار، وفی مختلف أنحاء العالم، یضیىء ویشرق على الجمیع إلى آخر الدنیا وفی جمیع الأقطار.

یدلّ علیهما ما ورد فی القرآن من التعبیر بقوله تعالى: (یا أَیُّهَا النَّاسُ...)، (وَیا بَنی آدَمَ...)، (وَیا أَیُّهَا الّذِینَ آمَنُوا...)، (وَیا أَیُّهَا الإِنْسانُ...)، (وَیا عِبادِی...)فی کثیر من الآیات، تدلّ على أنّ المخاطب بها جمیع البشر من لدن نزولها إلى آخر الدنیا، وفی کلّ مکان من الأمکنة، وکلّ بقعة من بقاع الأرض.

ویدلّ على الثانی بالخصوص آیة الخاتمیة: (ما کَانَ مُحمّدٌ أَبَا أَحَد مِنْ رِجالِکُمْ وَلَکِنْ رَسُولُ اللهِ وَخَاتمُ النَبِیِّینَ)،(1) وغیر ذلک ممّا ورد فی القرآن الکریم من قوله تعالى: (وَما أَرسَلناکَ إِلاَّ رَحمَةً لِلْعَالَمِینَ)(2) وشبهه.

وفی السنّة روایات کثیرة لیس المقام مقام بیانها، وقد صار هذا الأصلان من الواضحات یعرفه کل من له إلمام بالإسلام.

ثمّ إذا کان الإسلام دیناً عالمیاً أبدیاً لنوع البشر، مع أنّ المجتمعات لا تزال فی تطور وتغییر، ولا تزال حوائجهم تختلف وتزاد وتتنوع وتتشعب، مع کون قوانین الإسلام ثابتة ومؤیدة، یقع السؤال أنّه کیف ینطبق ذاک الأمر المتغیر دائماً، على هذه القوانین الثابتة دائماً؟ وهل یمکن الجمع بینهما؟ مع أنا نرى القوانین فی الجوامع الإنسانیّة ـ أی القوانین الموضوعة من ناحیة العقول البشریة ـ تتغیر دائماً کی تنطبق على متطلباتهم، فالإسلام یجعل قوانینه ثابتة ومع ذلک یقضی بها حوائج الناس فی جمیع أقطار العالم وجمیع الأعصار، وهذا مسألة مهمّة وعجیبة.

وقد فاز الإسلام فی هذا المیدان فوزاً عظیماً، والسرّ فیه مضافاً إلى أن واضع القانون هنا هو الله جلّ شأنه، العالم بالسرائر، والوقف على الضمائر، وهو الخالق للإنسان الخبیر بحاجاته المادیة والمعنویة، فانّ فی الإسلام اُصولاً کلیة، وقوانین جامعة، لها شمول کثیر،ودوائر واسعة، وخطوط عریضة، وتزدهر زماناً بعد زمان، وتتغیر مصادیقها وتبقى ذواتها، مثل (أوفوا بالعقود) و«المؤمنون عند شروطهم»، و«ما حکم به العقل حکم به الشرع» وغیرها من أشباهها.

أضف إلى ذلک، القواعد الکثیرة المشتملة على العناوین الثانویة مثل «قاعدة لا ضرر» و«قاعدة لا حرج»، و«الضرورة» و«لزوم ما یتوقف علیه حفظ النظام»، و«قاعدة الاهم والمهم عند تزاحم المصالح» وأشباهها.

فکم من مشکلة عظیمة انحلت بمعونتها، وکم من عویصة غامضة مظلمة انکشفت فی ضوء أنوارها، فالحکام العناوین الثانویة من أهم أسباب الحکومة الإسلامیة لحل المعضلات.

ولکن هنا أمران یجب التنبیه علیهما، والتحذیر منهما کل الحذر:

الأوّل: أنّه لیس معنى هذا الکلام، اتباع الاهواء والجرى وفق المذاق والتلاعب بالأحکام الأولیة کما یشاء، بل لابدّ من الدقة، وکمال الدقة یکون فی کشف مصادیقها والأخذ بما هو مقتضى الحزم والاحتیاط فیها، فانّ الأمر هنا صعب مستصعب، وقد خفی على بعض من لا خبرة له بالفقه حتى أصبحت أحکام الله تعالى تابعة لمیولهم، رغم حکم

الإسلام بتبعیة المیول لأحکام الله تعالى، وقوله تعالى: (فَلاَ وَرَبِّکَ لاَ یُؤْمِنُونَ حَتَّى یُحَکِّمُوکَ فِیَما شَجَرَ بَیْنَهُمْ ثُمَّ لاَ یَجِدُونَ فِی أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَیْتَ وَیُسَلِّمُوا تَسْلِیماً)(3).

وقد سمعنا أنّه أتت بعض النساء من بعض العوام إلى القضاة تدعى العسر والحرج فی البقاء مع زوجها وتطلب الطلاق بهذا العنوان بأدنى ذریعة (مثل أن زوجها له عادة سیئة عند الأکل والشرب أو فی الملبس والمشرب أو غیر ذلک) وإن لم یعتن القاضی بقولها.

فلابدّ للفقیه أن یتصدى لمثل هذه الموارد التی قد تجعل الأحکام فارغة من محتواها، فالافراط باطل، کما أنّ التفریط وترک التمسک بهذه العناوین لحل المشاکل المختلفة الاجتماعیة بدعوى التقدس ومراعات جانب الاحتیاط أیضاً من أهواء الشیطان ومکائده.

الثانی: إنّ عدة من العناوین الثانویة من الاُمور التی تختص بحالة الضرورة وشبهها ولا یمکن الأخذ بها فی کل حال وجعلها کقانون مستمر فی حال الاختیار، ولا یمکن بناء أکثر أحکام الشرع علیها وحل جل المشکلات بها.

بل لابدّ من المصیر إلى العناوین الأولیة والقوانین المتخذة منها، فانّها العمدة فی حل المعضلات الاجتماعیة، ولو بذلنا الجهد فی هذا السبیل لظفرنا بالمقصود قطعاً، ثم نأخذ من العناوین الثانویة لحالات خاصة وظروف معینة.

والحاصل: أنّ القول بأنّه لا یدور رحى المجتمعات البشریة الیوم إلاّ مدار عناوین الضرورة والاضطرار، والضرر والضرار، قول فاسد، ومفهومه أنّ حیاة الإسلام وقوانینه (نعوذ بالله) قد انقضت، وفائدتها قد انتهت، فیکون کالمریض الذی لا یمکن حفظ حیاته إلاّ بالتغذیة من طریق وریده فقط.

نعم لا شک أنّه قد یکون فی عمر الإنسان ساعات لا یمکن التحفظ على حیاته إلاّ بهذا الطریق، ولکن لو أن إنساناً لا یعیش أبداً إلاّ بهذا، ولا یقدر مدى حیاته على التغذیة على وفق التعارف، ففی الحقیقة قد تمّت حیاته وانقضت أیّامه، ولم یبق له شیء، وکذلک قد تقع فی البلاد اضطرابات لا یمکن الغلبة علیها إلاّ من طریق التوصل إلى الحکومة العسکریة،

ولکن هذا خاص ببرهة من الزمان، فلو أنّ بلداً من البلاد وحکومة من الحکومات لا یقوم أمرها إلاّ بهذا النحو من الحکومة کان ذلک دلیلاً على اضمحلالها من الأصل، وعلى أنّ دورها قد انتهى: وهکذا الإسلام لو قلنا أنّه لم یبق منه شیء إلاّ من طریق الأحکام الثانویة الاضطراریة، وهذا أمر ظاهر لا سترة علیه.

وخلاصة الکلام أنّ لیس دور هذا القسم من العناوین الثانویة الاضطراریة إلاّ حل المشکلات الناشئة عن الأزمات الاجتماعیة والاقتصادیة، ولا یمکن الأخذ بها فی جمیع الحالات وجمیع الظروف.

وبعبارة أوضح: لو قلنا إنّ نظام الاُمة الإسلامیة فی زماننا هذا لا یتم إلاّ بالأخذ بالعناوین الثانویة الاضطراریة فی جمیع الاُمور، فقد اعترفنا بنقص قوانین الإسلام وعدم استیعابها لمصالح البشر فی عصرنا هذا، وإلاّ کانت العناوین الأولیة من أحکامه تعالى کافلة لهذه المهمة.

وهذا الاعتراف العملی، خطأ عظیم وذنب لا یغفر، ونعوذ بالله منه.


1. سورة الأحزاب، الآیة 40.
2. سورة الأنبیاء، الآیة 107.
3. سورة النساء، الآیة 65.

 

8 و 9 و 10 ـ النذر والعهد والقسم4 ـ النسبة بین العناوین الثانویة والأولیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma