بقی هنا شیء: وهو أنّ بیع الفاسد (بعنوان المثال) یتصور على وجوه:
«أحدها»: أن یکون البایع والمشتری کلاهما عالمین بالفساد ومع ذلک أقداما علیه.
«ثانیها»: أن یکونا جاهلین.
«ثالثها»: أن یکون أحدهما عالماً والآخر جاهلا.
أمّا صورة جهلهما فالحکم فیه واضح.
وأمّا فی صورة علمهما فقد یتوهّم عدم ضمانهما، لأنّهما سلطا غیرهما على مالهما مع علمهما بفساد العقد وعدم تأثیر، فهل هذا إلاّ التسلیط المجانی؟ فلو بقیت العین کان له أخذها، أمّا لو تلفت فی ید أحدهما لم یکن ضامناً نظرا إلى هذا التسلیط المجانی، ولکن إشکاله واضح، لأن التسلیط المجانی غیر معقول بل التسلیط یتحقّق منهما بناءً على الصحة لعدم المبالاة بحکم الشارع فیکتفیا بالصحة عند العقلاء أو عندهما فقط، ولذا لا یرضیان بأی نقص فی مقدار الثمن والمتاع ولو درهما أو مثقالاً، فکیف یکون تسلیطهما مجانیاً؟
وتوهّم کونه من قبیل ضمان الأمین کما ترى، لأنّه لم یعطه المال بعنوان الأمانة بل بعنوان الوفاء بالعقد المبنی على الصحة غیر مبال بالفساد کما هو ظاهر.
وأمّا فی صورة علم أحدهما وجهل الآخر، ففیه إشکال الغرور، فان الجاهل أقدم على المعاملة بزعم أنّ الضمان بقیمة المسمى ـ وکانت قیمة المثل أکثر منه بأضعاف مثلا ـ فتسلیط البایع العالم له على المال مع علمه بالفساد هو الذی أوجب غروره ووقوعه فی هذا الضرر، فلو قلنا بضمانه جاز وجوعه إلى البایع الغار بتفاوت ما بین المسمى والمثل لا أقل، ووقع التهاتر بین دینه من ناحیة الضمان وحقه من ناحیة الغرور، أو بالنسبة إلى الجمیع لأنّه مغرور فی الکل.
هذا ولکن غروره فی الکل واضح الفساد، لعدم کونه مغروراً بالنسبة إلى المسمى، لأنّ المفروض دخوله فی المعاملة لا على نحو المجانیة.
وأمّا بالنسبة إلى التفاوت فهو إنّما یصح إذا کان البایع هو الباعث له فی إلقائه فی هذا الضرر، مثل ما إذا قال البایع له: تعال واشتر هذا المتاع منی والبیع صحیح شرعاً، ولا نلتزم بغیر المسمى.
أمّا إذا جاءه المشتری ولم یسأله عن صحة المعاملة شرعاً وفسادها، وأقدم هو بنفسه على المعاملة فکونه مصداقاً لقاعدة الغرور محل إشکال ظاهر.
