أقول: هذه الروایات فی الحقیقة على طوائف:

1 ـ کثیر منها مطلقة تشمل الشخصی والکلی، مثل ما رود من طرق العامة(1).

2 ـ ما دّل على الشخصی فقط، مثل روایة خالد بن الحجاج(2) ویحیى بن الحجاج(3).

3 ـ وبعضها فی خصوص الکلی، وهو ظاهر أکثرها کما مّر.

4ـ ما یکون ظاهر فی الوکالة فی الاشتراء لصاحب المال ثم شراؤه منه بعد ذلک مثل ما رواه منصور(4).

5 ـ وهناک طائفة اُخرى تدل على جواز بیع ما لیس عنده إذا کان کلیاً، مثل ما رواه اسحاق بن عمار وعبدالرحمن ابن الحجاج عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی الصحیح(5). وفیه التصریح بجواز البیع حالاً کلیاً، وکونه أولى من بیع السلف، وکذلک ذیل روایة اُخرى من عبد الرحمن بن الحجاج وهی أیضاً صحیحة قال: «قلت لأبى عبدالله(علیه السلام) الرجل یجیئنى یطلب المتاع فأقاوله على الربح ثم أشتریه فأبیعه منه، فقال: ألیس إن شاء أخذ وإن شاء ترک؟ قلت: بلى قال: لا بأس به» الحدیث(6) ولکنها متهافتة صدراً وذیلاً وکأن ذیلها من روایة اُخرى منه، وقع بینها وبین روایة اُخرى من ناحیة الراوی، فراجع وتأمل فیها.

وما رواه أبو الصباح الکنانی(7) وظاهره وقوع البیع من قبل.

والجمع بین هذه الروایات یمکن بأحد وجوه:

1 ـ الحمل على الکراهة بالنسبة إلى الجمیع.

2 ـ الحمل على التقیة بالنسبة إلى الجمیع.

3 ـ التفصیل بین الشخصی والکلی فیحرم فی الشخصی ویکره فی الکلی.

4 ـ الحمل على عدم الإجازة.

والأقوى هو التفصیل لا سیما أنّ البیع الشخصی کذلک غیر متعارف بین أهل العرف والعقلاء ومناف لحقیقة المعاوضة، لأنّ بیع المتاع الخاص الذی هو ملک غیره لنفسه ـ مع أنّه لیس بغاصب ـ غیر معمول إلاّ بظن الملکیة، فشمول ادلة الصحة له غیر معلوم من أصله، مضافاً إلى أنّ القدرة على التسلیم الذی هو من شرائط الصحة غیر حاصل غالباً.

اللّهم إلاّ أن یقال: إنّما یکون ذلک فی مورد یعلم أو یظن على قدرته على اشترائه وتسلیمه إلى المشتری الأوّل، أو یقال: إن القدرة على التسلیم ناظرة إلى نفی صحة بیع الطیر فی الهواء والسمک فی الماء وشبه ذلک، لا مثل ما نحن فیه.

هذا ولکن لا ینبغی ترک الاحتیاط فی البیع الکلی أیضاً إذا لم یکن مصداقه عنده لکثرة الروایات الدالة على منعه من طرق الفریقین کما لا یخفى.

والعجب من السید(قدس سره) فی تعلیقاته، حیث قال: إن غالب هذه الروایات وإن کانت واردة فی البیع الکلی، إلاّ أنّ الظاهر منها صورة کون المبیع هو الشخص الذی یشتریه بعد ذلک کما یظهر من قوله(علیه السلام): «أرأیت لو وجد هو بیعاً أحب إلیه...» ومثل هذه الصورة لیس المذهب جوازه...بل هو یرجع فی الحقیقة إلى الشخصی لا الکلی فی الذمة(8).

قلت: هذا أمر غیر متعارف جدّاً لا داعی إلیه بوجه، بل الأمر دائر بین بیع العین الشخصیة ممّا یتعلق به الرغبة، أو الکلی فی الذمّة ویکون ما یعطیه بعد ذلک من قبیل المصداق له، وما ذکره من الشاهد لا دلالة فیه على مقصوده.

والعجب أیضاً من المحقق النائینی(قدس سره) حیث أنکر ظهور أکثر هذه الإخبار فی البیع الکلی إلاّ خصوص صحیحة معاویة بن عمار، الواردة فی بیع الحریر(9) مع أن ظهورها فیه ممّا لا ینبغی أن ینکر.

هذا ولو قلنا بالجواز أمکن القول بعدم الحاجة إلى الإجازة، لأنّ البیع قائم بین شخصین کل منهما أصیل ولیس فضولیاً من قبل مالکه حتى یحتاج إلى اجازته، فلو قلنا بمعقولیة مثل هذه المعاملة وکان عالما بحقیقة الحال، لا الجاهل الذی یظن أنّ مال الغیر ماله، تمّت المعاقدة من الجانبین، فتدبّر جیداً.

1. راجع وسائل الشیعة، ج 12، الباب 7 من أبواب أحکام العقود، ح 5.
2. المصدر السابق، الباب 8 من أبوا بأحکام العقود، ح 4.
3. المصدر السابق، ح 13.
4. المصدر السابق، ح 12.
5. المصدر السابق، الباب 7 من أبواب أحکام العقود، ح 1.
6. راجع وسائل الشیعة، ج 12، الباب 7 من أبواب أحکام العقود، ح 3.
7. المصدر السابق، ح 4.
8. حاشیة المکاسب، للسید الطباطبائی الیزدی(قدس سره)، ص 359.
9. وسائل الشیعة، ج 12، الباب 8 من أبواب أحکام العقود، ح 7.