وقد یستدل له أیضاً بقوله (عجل الله تعالى له الفرج): «لا یحلّ لأحد أن یتصرف فى مال غیره بغیر إذنه» الوارد فی التوقیع المعروف الذی وصل إلى الشیخ محمد بن عثمان العمری(رضی الله عنه)، وکیل الناحیة المقدسة، فیما رواه الصدوق(قدس سره) فی اکمال الدین باسناده عنه(1).
ونفی الحلیة هنا إنّما هو عن التصرف فی الأموال بدون الاذن، ولکن فی روایة «زید الشحام» و «سماعة» عن الصادق(علیه السلام) عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) فی حدیث حجة الوداع: «أنّه لا یحل دم أمرىء مسلم ولا ماله إلاّ بطیب نفسه»(2).
ونفی الحلیة هنا عن نفس المال والدم لا عن خصوص التصرف فیهما.
ومثله ما رواه محمد بن زید الطبری ممّا کتبه مولانا أبوالحسن الرض(علیه السلام) فی جواب رجل من تجار فارس یسأله الاذن فی الخمس، وفیه: «لا یحل مال إلاّ من وجه أحله الله»(3).
وقریب من هذه الروایات، روایات مرسلة عن غوالی اللئالی وتحف العقول وبعض اسناد هذه الأحادیث مثل الروایة الثانیة معتبرة مضافاً إلى تظافرها، وشهرتها روایة وفتوى.
وأمّا وجه الاستدلال بها: فهو أنّ أصل الحل فی اللغة هو حل العقدة، قال الراغب فی «المفردات»: أصل الحل حل العقدة... وحللت نزلت، أصله من حل الاحمال عند النزول (بالمکان) ثم جرد استعماله للنزول... عن حل العقدة استعیر قولهم «حل الشیء حلاً».
وقال ابن فارس فی «مقاییس اللغة»: «أصلها کلها عندی فتح الشیء لا یشذ عنه شیء» ثم ارجع جمیع معانیه من حل العقدة والحلول بالمکان والإحلیل والمحلة وتحله الیمین والحل مقابل الحرم والحل بمعنى الحلال، إلیه.
هذا و «الحلیة» فی مقابل «الحرمة» فی الأحکام قد تستعمل فی الحکم الوضعی، مثل (أحَلَّ اللهُ البیعَ)، وقد تستعمل فی الحکم التکلیفی مثل (اُحِلَّتْ لَکُم بَهِیمَةُ الأَنعَامِ)واُخرى فی کلیهما مثل (أحَلَّ اللهُ البَیْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَ) على احتمال آخر.
ومن المعلوم ولو بقرینة ما ورد فی الأحادیث السابقة أنّ المراد منها هنا الأعم من الوضع والتکلیف، فان من یسأل الإمام(علیه السلام) أن یجعله فی حل من الخمس لا یرید الحلیة التکلیفیة فقط، بل یرید افراغ ذمته وأن یعامل مع الخمس معاملة سائر أمواله (وهکذا غیره).
وما قد یظهر من بعض، أنّه فرق بین قوله: «لا یحل لأحد أن یتصرف فى مال غیره» وبین قوله: «لا یحل مال أمرىء إلاّ بطیب نفسه» فان الأول معلق على التصرف، والثانی على المال، فالأول ناظر إلى الحکم التکلیفی دون الثانی، تفصیل غیر صحیح، فان التصرف أیضاً له معنى عام یشمل التصرفات الناقلة وغیرها فیشمل الوضع والتکلیف.