وإذ عرفت الأصل الکلی فی هذا المقام، فلنعد إلى عدّ ما ذکروه من الألفاظ الخاصة لإنشاء البیع أو الشراء فنقول (ومنه سبحانه نستمد التوفیق والهدایة): قبل کلّ شیء لابدّ من التنبیه على أمر، وهو أنّ الظاهر فی بادی النظر عدم کون تعیین هذه الألفاظ من وظائف الفقیه، لأنّ ذلک من الموضوعات، ووظیفة الفقیه بیان أحکام الشرع.
وإن شئت قلت: إنّه بعد کون الحکم الشرعی هنا، الإکتفاء بکل ما هو ظاهر فی أداء المقصود من الألفاظ، یرجع إلى العرف فی تشخیصها، وهذا أمر یفهمه المقلدون ولیس الفقیه بأعرف من المقلد فیها، فلماذا وقع هذا الکلام الطویل فی تعیین هذه الألفاظ؟
ولعله لهذه الجهة حکی عن الشیخ والدیلمی والقاضی والحلبی وغیرهم الاقتصار على الایجاب والقبول من دون ذکر لفظ أصلاً.
وحکی عن جمع آخرین کالعلاّمة(قدس سره) فی غیر واحد من کتبه، والشهید الأول والثانی(قدس سرهما) ذکر بعض الألفاظ بعنوان المثال، حتى أن «المحقق» فی «الشرایع» و«الشهید الثانی» فی «المسالک» لم یحوما حول هذه المباحث، بل أو کلوا أمرها إلى العرف عملاً.
هذا ولکن یمکن أن یکون عذر المتأخرین فی طرح هذه المباحث أنّ أهل العرف کثیراً ما یحصل لهم الشک فی هذا الأمر، ولا یتبیّن لهم حال هذه الألفاظ، ولیس لجمیعهم دقّة تسلط على هذه الاُمور کما لا یخفى على من راجع کثیراً من الناس، لا سیما الاُمیین منهم، فلذا ینوب عنهم الفقیه فی تشخیص هذه الموضوعات بأخذها من أعماق أذهانهم ویردها إلیهم بوضوح وصراحة ولا غرو فی ذلک.
فاذن لا فرق فی مسألة رجوع الجاهل إلى العالم، والمقلّد إلى المجتهد، بین الأحکام والموضوعات المشکلة لاتحاد الدلیل.
مضافاً إلى استقرار سیرة فقهائن(رضوان الله علیهم) على ذلک، فکم من موضوع تصدوا لبیانه وشرحه فی کتب الفقه، مثل ما عرفت فی صدق عنوان البیع والتجارة على المعاطاة، بل التعاطی من جانب واحد، وکذا فی صدق عنوان «الاعانة» فی أبواب بیع العنب ممن یعمله خمراً، والتولی من قبل الظالم، وفی صدق المال على بعض الأشیاء، وصدق «المأکول» و «الملبوس» فی أبواب ما یسجد علیه، على کثیر من الأشیاء، إلى غیر ذلک ممّا لا یحصى کثرة فی جمیع الأبواب، وفرعوا علیها فروعاً کثیرة کما لا یخفى.
وإذا تبین لک هذا فاعلم: أن الألفاظ التی ذکروها فی باب إیجاب البیع اُمور:
