ومن أقوى ما یدل على أصالة اللزوم (فی خصوص البیع دون غیره من المعاملات) الأخبار الکثیرة الواردة فی أبواب خیار المجلس (بل وخیار الحیوان أیضاً) وهی روایات کثیرة متضافرة عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) وعن علی(علیه السلام) وعن الصادق(علیه السلام) وعن الامام على بن موسى الرض(علیه السلام)، حتى أنّ شیخنا الأعظم(قدس سره) ذکر فی بعض کلماته أنّها متواترة، وإن ذکر فی غیره أنّها مستفیضة(1).
وقد رواها الجمهور أیضاً فی صحاحهم المعتبرة عندهم بطرق شتى، وقد عقد له «ابن ماجه» فی سننه باباً، روى فیه عدّة روایات(2).
ومن هنا لا یبعد دعوى التواتر فیها بملاحظة مجموع ما رواه الخاصة والعامة. وأمّا دلالتها فظاهرة، لأنّ صدق البیع على المعاطاة بناء على القول بالملکیة (کما هو الأقوى) واضح، فبعد انقضاء المجلس یجب البیع ولا یجوز فسخه.
ومن محاسن هذا الدلیل أنّه لا یجری فیه إشکال التمسک بعموم العام فی الشبهات المصداقیة فان الحکم هنا ثابت بعنوان البیّعان، وهذا المعنى ثابت لهما لا یزول، فانه بمعنى أحداث البیع بلا إشکال.
ولکن قد یورد علیه: بأنّ المراد منها الحکم باللزوم من ناحیة خیار المجلس بعد افتراقهما، فهی ناظرة إلى خیار المجلس إثباتاً ونفیاً، ولا دلالة لها على لزوم البیع من سائر النواحی.
وهذا الإشکال ممنوع جدّاً بعد اطلاق الأحادیث وعدم وجود أی قرینة فیها على اختصاصها بهذا الخیار، اللّهم إلاّ أن یقال: إنّ عدم ذکر سائر الخیارات فیها من العیب والشرط والغبن و... قرینة علیه.
وفیه: إنّ کل عام ومطلق قابل للتخصیص والتقیید، فلماذا لا تسقط سائر العمومات والمطلقات عن العموم والاطلاق فی سائر المقامات بورود ذلک علیه؟
وبالجملة هذا الإیراد ممّا لا نجد له وجهاً، نعم الإشکال الوحید علیها أنّها أخص من المدعى لو کان المدعى هو أصالة اللزوم کقاعدة کلیة، ولو کان الکلام مقصوراً على البیع تمّت دلالتها وقامت حجتها ولا غبار علیها.