المقام الرابع: الولایة على الأمر بالمعروف والنهى عن المنکر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الفقاهة - کتاب البیع
بقی هنا اُمورالمقام الخامس: الولایة على الحکومة

لا شک أنّ وجوبهما فی الجملة من ضروریات الدین، ورد التصریح به فی الکتاب والسنة المتواترة، وقد ذکر الأصحاب أنّ له مراتب ثلاث: «بالقلب» و«باللسان» و«بالید» وقد صرّح بعضهم بأنّ وجوب انکار الأوّل مطلق غیر مشروط بشیء، ومعناه أنّ وجوب الآخرین مشروط بالشروط الاربعة التی ذکروها، وهو العلم بالمنکر والمعروف، واحتمال التأثیر، وکون الفاعل مصراً على الاستمرار والأمن من الضرر.

وکل ذلک موکول إلى محله، إنّما الکلام فی أنّ الإنکار بالید أیضاً له مراتب:

1 ـ العمل بالمعروف وترک المنکر بحیث یکون سبباً لدعوة غیره إلى ذلک.

2 ـ الضرب من دون جرح.

3 ـ الضرب مع الجرح إذا لم یکن الضرر مقصوداً، شبه المدافعة والممانعة التی قد یتولد منهما الضرر.

4 ـ الضرب مع الجرح وإن کان الضرر مقصوداً.

5 ـ الإنکار بالید ولو بالقتل.

إذا عرفت ذلک فاعلم أنّ الکلام فیها «تارة» یکون فی أصل وجوب هذه المراتب، و«اُخرى» فی ترتبها، ووجوب الاقتصار على الأیسر فالأیسر.

و«ثالثة» على اشتراط إذن الإمام(علیه السلام) فی المراتب الأربعة الأخیرة، دون المرتبة الاُولى أی العمل بأحکام الله فانّه فرض على الجمیع مطلقاً من دون حاجة إلى الاستیذان، ولنعم ما قال صاحب الجواهر(قدس سره) فی هذا المقام حیث قال:

«من أعظم أفراد الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر وأعلاها واتقنها وأشدها تأثیراً خصوصاً بالنسبة إلى رؤوساء الدین أن یلبس رداء المعروف واجبه ومندوبه، وینزع رداء المنکر محرمه ومکروهه، ویستکمل نفسه بالأخلاق الکریمة، وینزهها عن الأخلاق الذمیمة، فانّ ذلک منه سبب تام الفعل الناس المعروف ونزعهم المنکر خصوصاً إذا أکمل ذلک بالمواعظ الحسنة المرغبة والمرهبة، فانّ لکل مقام مقالاً ولکل داء دواء، وطب النفوس والعقول أشد من طب الأبدان بمراتب کثیرة، وحینئذ یکون قد جاء بأعلى أفراد الأمر

بالمعروف نسأل الله التوفیق لهذه المراتب (انتهى)(1).

و«رابعة» فی أنّ نائب الغیبة یقوم مقام الإمام(علیه السلام) فی جواز الاستیذان منه فی المراتب الأربع.

وقبل التکلم فی هذه المقامات لابدّ من ذکر روایات الباب، لیعلم أحکام الجزئیات منها فنقول ومنه سبحانه نستمد التوفیق والهدایة:

1 ـ منها ما رواه جابر عن الباقر(علیه السلام) (فی الحدیث) قال: «فانکروا بقلوبکم والفظوا بالسنتکم، وصکوا بها جباههم ولا تخافوا فى الله لومة لائم» الحدیث(2).

2 ـ ومنها ما رواه الرضی: وقد قال(علیه السلام) فی کلام له یجرى هذا المجرى: «فمنهم المنکر للمنکر بقلبه ولسانه ویده فذلک المستکمل لخصال الخیر، ومنهم المنکر بلسانه وقلبه، التارک بیده، فذلک متمسک بخصلتین من خصال الخیر ومضیع خصلة» الحدیث(3).

3 ـ ومنها ما رواه الطبری مرسلاً فی تاریخه عن عبدالرحمن ابن أبی لیلی عن علی(علیه السلام)قال: «أنّى سمعت علیاً(علیه السلام) یقول یوم لقینا أهل الشام: أیّها المؤمنون أنّه من رأى عدواناً یعمل به ومنکراً یدعى إلیه فأنکره بقلبه، فقد سلم وبرىء، ومن أنکره بلسانه فقد أجر، وهو أفضل من صاحبه، ومن أنکره بالسیف لتکون کلمة الله العلیا وکلمة الظالمین السفلى فذلک الذى أصاب سبیل الهدى وقام على الطریق ونور فى قلبه الیقین»(4).

4 ـ ومنها ما عن أبی حجیفة عن علی(علیه السلام): یقول «إن أول ما تغلبون علیه من الجهاد، والجهاد بأیدیکم، ثم بألسنتکم، ثم بقلوبکم، فمن لم یعرف بقلبه معروفاً ولم ینکر منکراً قلب، فجعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه»(5).

5 ـ ومنها ما عن تفسیر الإمام الحسن العسکری(علیه السلام) فقد صرح فی ذیله بهذه المراتب الثلات(6).

6ـ ومنها ما دل على قسمین منها «الید» و«اللسان» الذی یعلم منهما الثالث أیضاً، وهو ما رواه یحیى الطویل عن الصادق(علیه السلام) قال: «ما جعل الله بسط اللسان وکف الید ولکن جعلهما معاً ویکفان معاً»(7).

وضعف اسنادها بالارسال والجهالة غیر مضر بعد تضافرها وعمل الأصحاب بها، بل یمکن الاستدلال على مضمونها فی الجملة بدلیل العقل.

توضیح ذلک: إنّ الأصحاب (رضوان الله علیهم) اختلفوا فی کون الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر واجبین بحکم العقل مضافاً إلى حکم الشرع، فعن الشیخ والعلاّمة والشهیدین (قدس الله اسرارهم) وغیرهم استقلال العقل بوجوبهما، ولکن عن المحقق الثانی وفخر المحققین(قدس سرهما)بل نسب إلى جمهور المتکلمین والفقهاء عدم استقلاله به، وإنّهما یجبان بحکم الشرع فقط.

قال العلاّمة(قدس سره) فی القواعد على ما حکاه عنه فی الایضاح: لا خلاف فی وجوبهما إنّما الخلاف فی مقامین:

أحدهما: إنّهما واجبان على الکفایة أو على الأعیان؟

والثانی: إنّهما واجبان عقلاً أو سمعاً؟

والأوّل فی المقامین أقوى، وقال ولده فی شرح کلام والده(قدس سرهما) ذهب السید المرتضى وأبو الصلاح وابن ادریس (قدس الله اسرارهم) إلى وجوبهما سمعاً وإلاّ لم یرتفع معروف ولم یقع منکر، أو یکون الله مخلاً بالواجب، واللازم بقسمیه باطل فالملزوم مثله(8).

ومراده من هذا الاستدلال هو أنّه لو وجبا بالعقل فوجبا على الله تعالى أیضاً لاتحاد الملاک.

وفیه: منع ظاهر لأنّ وجوب شیء عقلاً على العباد لا یستلزم وجوبه على الله کما أن حفظ النفس واجب علینا ولا یجب علیه تعالى بل یعمل فی ذلک بما یقتضیه مشیئته البالغة وحکمة العالیة، کیف ونحن فی بوتقة الامتحان، وقد جعلنا الله مختارین حتى نستکمل بالبلوى!!

وقال فی اللمعة: «وهما واجبان عقلاً فی أصح القولین، ونقلاً اجماعاً».

وقال فی المختلف بعد نفی الخلاف عن وجوبهما: «إنّما الخلاف فی مقامین الأوّل: هل هما واجبان عقلاً أو سمعاً؟ فقال السید المرتضى وأبو الصلاح والأکثر بالثانی، وقواه الشیخ فی کتاب الاقتصاد، ثم عدل إلى اختیاره الأوّل، والأقرب ما اختاره الشیخ (أی وجوبها عقلاً)»(9).

ولکن الانصاف أنّ وجوبهما فی الجملة بحکم العقل ممّا لا سبیل لنا إلى انکاره، وقد أرشدنا الإمام الباقر(علیه السلام) إلى دلیله العقلی، بقوله(علیه السلام) فیما روى عنه: «إنّ الأمر بالمعروف سبیل الأنبیاء ومنهاج الصلحاء فریضة عظیمة بها تقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحل المکاسب، وترد المظالم، وتعمر الأرض، وینتصف من الاعداء ویستقیم الأمر»(10).

وقد أشار إلیه قبل ذلک مولانا أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی بعض کلماته مشیراً إلى هذه الفریضة «إذا أدّیت واقیمت استقامت الفرائض کلها هیّنها وصعبها» الى آخر الحدیث.

وإن شئت قلت: ترکهما یؤدی إلى فساد المجتمع کله واشاعة الفحشاء والمنکر فیجبان من باب المقدمة للواجب، هذا ولکن القدر المتیقن منه هو وجوب الانکار والأمر باللسان والید، أمّا بالقلب، فلا یمکن إثباته بدلیل العقل، اللّهم إلاّ أن یقال: لو لم ینکر بقلبه اثّر ذلک فی عمله بیده ولسانه، فوجوبه أیضاً من باب المقدمة فتأمل.

هذا وقد یقال: «إنّ المراد من الانکار بالقلب ما یظهر آثاره فی الوجه» ووجوبه حینئذ ظاهر.

هذا ولکن الأمر سهل بعد کون الکلام فی الانکار أو الأمر بالید، والظاهر أن وجوبهما بدلیل العقل ثابت فی جمیع مراتبه حتى القتل فی الجملة، فلو لم یرتدع الفاعل للمنکر وکان وجوده منشأ لفساد عظیم فی المجتمع جاز قتله بحکم العقل، ودخل فی عنوان المفسد فی الأرض فی الجملة.

ومن هنا یظهر الحال فی «المقام الأوّل» وأنّ وجوب هذه المراتب باجمعها من الانکار بالقلب إلى آخر مراتب الإنکار بالید واجب باطلاق ما عرفت من الروایات الشارحة لمراتب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، بل باطلاق ما دّل على وجوب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر أیضاً.

إن قلت: ما الفائدة فی ترک المنکر بالاجبار، وکذا فعل المعروف کذلک؟ ووجود الاجبار فی بعض المراتب المذکورة ممّا لا یکاد ینکر؟ أو لیس المقصود من تشریع الشرائع تکمیل النفوس ودعوتها إلى فعل المعروف وترک المنکر اختیاراً، وقیام الناس بالقسط والعدل؟ وأی فائدة فی الجمیل الاضطراری؟

قلت: العمل بهذه الوظیفة وإن أدّى إلى الاجبار فی کثیر من الموارد بالنسبة إلى بعض الناس، لکنه لطف بالنسبة إلى غیرهم ممن یعیش فی ذلک المجتمع، فان نشر آثار الفساد وإشاعة الفحشاء ممّا یوجب ترغیب النفوس نحوه بلا ریب، بل قد یکون لطفاً أیضاً فی حق فاعله فی الوقائع المستقبلة (إذا لم یکن النهی بقتله) وإن هو إلاّ کإجراء الحدود والتعزیرات التی لا یمکن إنکار تأثیرها فی تربیة النفوس.

إن قلت: فوجوب هذه المراتب ثابت فی أی أمر؟ فهل یجوز قتل من لا یرتدع من شرب الخمر والقمار مثلاً، کما لعله ظاهر اطلاق کلماتهم.

قلت: کلاّ، بل اللازم مراعات الأهم فی البین واطلاقات الآیات والروایات منصرفة إلیه کاطلاق کلماتهم، فلا یجوز الضرب والجرح أو الکسر والقتل فی کل مورد من موارد ترک المعروف وفعل المنکر بل لابدّ من ملاحظة الأهم والمهم.

وإن شئت قلت: یقع التعارض بین أدلة وجوبهما وأدلة حرمة ایذاء المؤمن وجرحه وقتله، بل هو من قبیل التزاحم، ومن المعلوم أن مقتضى القاعدة فی المتزاحمین الأخذ بالأهم.

ومن هنا یظهر الحال فی «المقام الثانی»، وأنّه یجب الأیسر، فما دام المواعظ الحسنة مؤثرة لا یجوز الانکار بالکلمات الخشنة، وما فیه هتک وتحقیر وایذاء، وما دامت هذه مؤثرة لا تصل النوبة إلى الضرب، وقد یکون الضرب، وقد یکون الضرب أهون من بعض الکمات الخشنة، وهکذا الحال فی الاقدام على الجروح أو الکسر أو قتل، ویتفاوت جمیع ذلک بحسب الأشخاص والمقامات.

والدلیل علیه (وإن کان بعض کلماتهم مطلقة وظاهرة فی عدم الترتب) وما عرفت من التزاحم بین أدلة وجوبهما وأدلة حرمة الایذاء، واللازم الأخذ بالأهم، وکذا بالأیسر ثم الأیسر.

مضافاً إلى ما یظهر من الآیة الشریفة فی قتال طائفتین من المؤمنین فقد قال سبحانه: (وإنْ طَائفَتانِ مِنَ المُؤمِنِیْنَ اقْتَتَلُوا فَاصْلِحُوا بینهُمَا فَإنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلى الاُخْرى فَقَاتِلُوا التی تَبْغِی حَتّى تَفِیىءَ إلى أمْرِ اللهِ)(11).

فقد ذکر فیها الإصلاح أولاً، ثم الاقتتال إذا لم ینفع الإصلاح.

وکذا ما یظهر من بعض الروایات السابقة الظاهرة فی الترتب.

والعجب من بعض أعاظم العصر حیث ذکر فی بعض کلماته أنّ الترتیب غیر مذکورة فی الروایات الباب، وما اُفید من أنّ النسبة بینها وبین أدلة حرمة الایذاء عموم من وجه، منظور فیه، فان انحاء الأمر والنهی ذکر فیها بالواو الظاهرة فی عدم الترتیب، ولیس من قبیل العموم، وأمّا الاستشهاد بالآیة الشریفة فیشکل لأنّه راجع إلى المقاتلة بخلاف المقام(12).

وفیه مواقع للنظر، اما أولاً: فلانّ المقام لیس من قبیل التعارض، بل من قبیل التزاحم کما عرفت، لأنّ الملاک محرز من الجانبین، فاللازم الأخذ بأقوى الملاکین وأهم المصلحتین لا الرجوع إلى قواعد باب التعارض کما هو ظاهر.

وثانیاً: العطف بالواو لا یدل على التساوی لا سیما بعد وجود القرینة ومناسبة الحکم والموضوع، وهی هنا موجودة مع قطع النظر عن أدلة حرمة الایذاء، فإذا کان هناک رجل مشغول بشرب الخمر یرتدع بأدنى کلمة، فأی فقیه یجوّز ضربه أو جرحه أو قتله أخذاً باطلاق أدلة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر؟

وثالثاً: دلالة الآیة ممّا لا ینبغی أن ینکر، فانّه لا فرق بین المقاتلة والقتل لأنّ القتل فی المقام أعم من أن یکون من طریق المقاتلة أو غیرها.

وممّا ذکرنا یظهر أنّه لا یجوز الضرب أو الجرح أو القتل فی جمیع موارد المنکر أو ترک المعروف بل لابدّ من ملاحظة الأهم والمهم فی کل مورد.

اما المقام الثالث: ففیه خلاف بینهم.

فالمحکی عن نهایة الشیخ(قدس سره) أنّ الأمر بالمعروف بالید، بمعنى حمل الناس علیه، أمّا القتل وضرب من الجراحات فهو لا یجوز إلاّ باذن سلطان الوقت المنصوب للرئاسة العامة (أی الإمام(علیه السلام))، فالمراد بالید فی الأخبار هو الجری العملی على المعروف لیتأسى به الناس.

وقد یقال: إنّ الضرب جائز، ولکن الجرح أو القتل لا یجوز إلاّ باذن الإمام(علیه السلام)کما عن الفخر والشهید والمحقق الثانی والمقداد.

بل فی المسالک أنّه الأشهر بین الأصحاب.

وهنا قول ثالث، وهو أن إذن الإمام شرط فیما کان الضرر مقصود، أمّا إذا کان شبه المدافعة أو الممانعة التی قد یحصل منها ضرر غیر مقصود فلا، ویظهر ذلک من المرتضى(قدس سره)فیما رواه فی المختلف عنه(13).

وقول رابع، وهو التفصیل بین الجرح والقتل وأنّ الأوّل جائز (بغیر اذن الإمام(علیه السلام)) دون الثانی، حکاه فی الجواهر عن الشهید الثانی(14).

وقد یظهر من بعض الکلمات قول خامس وهو عدم حاجة القتل أیضاً على اذنه(علیه السلام)، وأنّه إذا وجب على الإمام(علیه السلام) وجب على غیره بحکم التأسی(15).

هذا ولکن الانصاف عدم جواز شیء من الضرب والجرح والکسر والقتل إلاّ بإذن الإمام(علیه السلام)، لما فی جواز ذلک على آحاد الناس من المفاسد العظیمة التی قد توجب اخلال النظام والهرج والمرج، لا سیما إذا کان فیهم جهال لا یقفون على شیء ولا یدرون مواقع الاُمور ومقادیرها ـ والجاهل إمّا مفرط أو مفرّط ـ فتفویض هذه الاُمور إلیهم یکون ضررها أکثر من نفعها، «کان ما یفسده أکثر ممّا یصلحه» (کما ورد فی الحدیث) بل قد یکون دخول آحاد الناس فی ذلک سبباً لأعمال البغضاء والشحناء من هذا الطریق، والتطرق إلى المقاصد السیئة تحت عنوان الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، کما لا یخفى على من له خبرة بهذه الاُمور، فلابدّ فی جمیع ذلک من الاستیذان من «ولی الأمر» وهو کما اشتهر فی الألسن أنّ الید التی یقطعها الحاکم لا دم له!

والتمسک باطلاقات الباب کالتمسک باطلاق آیة «حدّ الزنا والسارق» ممنوع بقرینة المقام.

وإن شئت قلت: هناک اُمور تقف على اذن الحاکم فی جمیع الجوامع البشریة فإذا اذن الشارع المقدس فی شیء منها انصرف إلیه، وما نحن فیه من هذا القبیل، فلا اطلاق فی الآیات والروایات بعد وجود هذه القرینة الواضحة الظاهرة.

وإن هو إلاّ نظیر إجراء الحدود والتعزیرات، فقد عرفت أنّه لا ینبغی الشک فی کونها من وظیفة الحاکم الشرعی، بل إجرائها من مصادیق الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر کما لا یخفى على اللبیب.

فقد ظهر من جمیع ذلک أنّ الأظهر بحسب القرائن العقلیة والنقلیة عدم جواز شیء من هذه المراتب الأخیرة بغیر إذن الإمام(علیه السلام) أو نائبه.

نعم الانکار بالقلب، سواء کان بمعنى تنفره فی قلبه عن المنکر ویکون ذلک لنفسه، أو کان المراد ظهوره فی صفحات وجهه بحیث ینتفع به غیره من دون تکلم، فقد یکون لسان الحال أبلغ من لسان المقال، فهذا غیر متوقف على شیء، وکذا القول باللسان فی جمیع مراتبه، فادلتها مطلقة لا وجه لتخصیصها بشیء، وکذا العمل بالید بمعنى کونه «اُسوة» لفعل المعروف والانتهاء عن المنکر، إنّما الکلام فی سائر مراتب الید.

وأمّا «المقام الرابع» من مقامات ولایة الفقیه، أعنی کفایة اذن نائب الغیبة وقیامه مقام الإمام المعصوم(علیه السلام) فقد صرّح بعضهم بذلک، قال العلاّمة(قدس سره) فی المختلف حاکیاً عن سلار بن عبدالعزیز: «أمّا القتل والجرح فی الانکار فإلى السلطان ومن یأمره، فان تعذر الأمر لمانع فقد فوضو(علیهم السلام) إلى الفقهاء إقامة الحدود والأحکام بین الناس، بعد أن لا یتعدوا «واجباً» ولا یتجاوزوا «أحداً»، وأمر عامة الشیعة بمعاونة الفقهاء على ذلک ما استقاموا على الطریقة.

ثم قال العلاّمة(قدس سره): «والأقرب عندی جواز ذلک للفقهاء، ثم استدل بأن تعطیل الحدود یقتضی إلى نشر الفساد وارتکاب المحارم، وبما رواه عمر بن حنظلة وغیر ذلک من الأحادیث الشاملة لإقامة الحدود وغیرها»(16).

والظاهر أنّهم ینظرون إلى إقامة الحدود کأحد مصادیق الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، وهو کذلک، وقال الفقیه الماهر صاحب الجواهر(قدس سره): «فی جواز ذلک (أی الأمر بالمعروف والنهى عن المنکر إذا أدى إلى جرح أو قتل) لنائب الغیبة مع فرض حصول شرائطه أجمع، التی منها عدم الضرر والفتنة والفساد: لعموم ولایته عنهم قوّة، خصوصاً مع القول بجواز إقامة الحدود له، وإن کان ذلک فرض نادر بل معدوم فی مثل هذا الزمان»(17).

أقول: الحق ما ذکره هؤلاء الأعلام، لما سیأتی إن شاء الله من الأدلة العامة الدالة على ولایته فی أمثال ذلک، مضافاً إلى ما عرفت من الأدلة الدالة على جواز إجراء الحدود له، الشاملة لما نحن بصدده، بطریق أولى (وقدّ مر الکلام فیه آنفا فی المقام الثالث).

ولیعلم أنّ المراد بالجواز فی جمیع هذه المقامات هو الجواز بالمعنى الأعم الشامل للوجوب، بل مصداقه هنا هو الوجوب، لوجوب الوظیفتین کما لا یخفى.


1. جواهر الکلام، ج 21 ، ص 382.
2. وسائل الشیعة، ج 11، الباب 3 من أبواب الأمر بالمعروف، ح 1.
3. المصدر السابق، ح 9.
4. المصدر السابق، ح 8.
5. نهج البلاغة، الحکمة 375.
6. راجع وسائل الشیعة، ج 11، الباب 3 من أبواب الأمر بالمعروف، ح 12.
7. راجع وسائل الشیعة، ج 11، الباب 3 من أبواب الأمر بالمعروف، ح 2.
8. ایضاح القواعد، ج 1 ، ص 397.
9. مختلف الشیعة، ج 1 ، ص 158.
10. وسائل الشیعة، ج11، الباب 6 من أبواب الأمر بالمعروف، ح 1.
11. سورة الحجرات، الآیة 9.
12. جامع المدارک للمحقق الخوانساری(قدس سره)، ج 5 ، ص 409.
13. المختلف، ص 159.
14. الجواهر، ج 21 ، ص 284 و 285.
15. المصدر السابق.
16. مختلف الشیعة، ج 1 ، ص 159.
17. جواهر الکلام، ج 21 ، ص 385 ـ وما أفاده من أنه فرض نادر فی زمانه عجیب، یدل على غلبة أهل الأهواء فی عصره بحیث لم یمکن إقامة الحدود فیه أصلاً ولیس کذلک فی عصرنا بحمدلله تعالى.

 

بقی هنا اُمورالمقام الخامس: الولایة على الحکومة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma