وممّا استدل به لقاعدة اللزوم قوله تعالى: (یا أیّها الّذینَ آمَنُوا أوفُوا بَالعقُودِ)(1).
والعقد بأی معنى فُسّر یشمل جمیع المعاملات من البیع وغیرها، سواء قلنا أنّه «العهد» أو «العهد المشدد».
قال الراغب: العقد الجمع بین أطراف الشیء وذلک فی الأجسام الصلبة کعقد الحبل، ثم یستعار ذلک للمعانی نحو عقد البیع والعهد... وقال تعالى: (بِما عَقَدتُم الأَیمانَ)ومنه قیل لفلان عقیدة، وقیل للقلادة عقد... والعقدة اسم لما یعقد من نکاح.
ولا یخفى على من راجع موارد استعمال هذه الکلمة فی الکتاب العزیز أنّها غیر شاملة للمعاملة الاذنیة التی تتبع اذن صاحبها و تبقى مادام الاذن موجوداً.
والأمر بالوفاء وإن کان حکماً تکلیفیاً فی بدء النظر إلاّ أنّه فی أمثال المقام ظاهر فی الحکم الوضعی، فان وجوب الوفاء بالعقد دلیل على اعتباره ولزومه وضعاً، کما هو ظاهر.
نعم، قد یقال بعدم إمکان الأخذ بعمومها وإن کان الجمع المحلّى باللام ظاهراً فی العموم لا سیما مع کونه فی مقام البیان والاطلاق، وذلک للزوم تخصیص الأکثر بعد خروج المعاملات الجائزة، وهی کثیرة، وخروج البیع وشبهه بأنواع الخیارات.
ولکن الانصاف عدم وجود مانع من هذه الناحیة، فان العقد الذی هو متحد مفهوماً مع العهد بل المعاهدة، لا تشمل العقود الجائزة الاذنیة إلاّ مجازاً، وإن شئت قلت: مفهومه التزام فی مقابل التزام، وهذا المعنى غیر موجود فی مثل الهبة والعاریة والودیعة وشبهها، فهی خارجة عن الآیة رأساً، وأمّا اشتمال البیع وشبهه على کثیر من الخیارات، فهی وإن کانت کذلک، ولکن زمان تزلزل البیع بالخیار فی مقابل زمان لزومه قصیر جدّاً، فأکثر البیوع فی أکثر الأوقات لازمة، وإنّما الجواز یقع فی فترات یسیرة کما لا یخفى.
1. سورة المائدة، الآیة 1.
