ذکر فی الشرائع اعتبار العقل فی المتعاقدین بعد ذکر البلوغ وأدعى فی الجواهر الإجماع علیه بقسمیه، ثم قال: لا لعدم القصد فانّه قد یفرض فی بعض أفراد المجنون بل لعدم اعتبار قصده، وکون لفظه لفظ النائم.
أقول: المسألة إجماعیة قطعاً ویدل علیه مضافاً إلى ذلک اُمور:
1 ـ بناء العقلاء من غیر نکیر وقد أمضاه الشارع المقدس لا بعدم الردع بل بالامضاء أیضاً، فهم قائلون بخروج المجنون کالصبی عن دائرة الأحکام والقوانین والمعاقدات ولا یرون لعقدهم وعهدهم وتصرفاتهم المالیة اعتباراً.
2 ـ ما دلّ على عدم جواز ایتاء الأموال للسفهاء سواء الیتامى وغیرهم مثل قوله تعالى: (وَابْتَلُوا الیَتَامى حَتَّى إذا بَلَغُوا النِّکاحَ فَإنْ آنَسْتُمْ مِنْهُم رُشْداً فَادْفَعُوا إلیهم أمْوَالَهُمْ)(1).
وقوله تعالى: (ولا تُوْتُوا السُفَهاءَ أمْوَالَکُمْ الَّتِى جَعَلَ اللهُ لَکُم قِیامَاً وارْزُقُوهُمْ فِیها واکسُوهُمْ)(2).
وقوله تعالى: (وإنْ کَانَ الَّذِى عَلَیْهِ الحَقُّ سَفِیهاً أو ضَعِیفاً أوْ لا یَسْتَطِیعُ أن یَمِلَّ هُوَ فَلْیُمْلِلْ وَلِیُّهُ)(3). فإذا لم یجز العقود بالنسبة إلى السفهاء ففی المجانین بطریق أولى.
فاللازم «الرشد» مضافاً إلى «العقل» ومن الواضح أنّ المدار على الرشد المالی لا الرشد فی سائر الاُمور، فربّ رشید فی غیر الأموال غیر رشید فیه.
3 ـ ما دلّ على رفع القلم عن المجنون حتى یفیق، فان رفع القلم إشارة إلى خروجه عن حکم العقلاء الذین هم مشمولون للأحکام الإلزامیة مطلقاً حتى الناشئة عن العقود والإیقاعات، بل هم خارجون عن دائرة شمول أمثال هذه القوانین بحکمهم، فهذا إمضاء له، ولا فرق بین المجنون المطلق والإدواری فی دور جنونه، کما هو واضح.
ولعل وضوح هذه المعانی دعى شیخنا الأعظم(قدس سره) على ترک البحث عنه فی مکاسبه، ولکن الصبی أیضاً کذلک فی کثیر من أحکامه، هذا ولا یأتی فی المجنون ما مرّ فی الصبی من وکالته فی أنشاء العقد فقط أو وکالته عن غیره وإن کان یجرى بالنسبة إلى السفیه.
1. سورة النساء، الآیة 6.
2. سورة النساء، الآیة 5.
3. سورة البقرة، الآیة 282.
