الثانی: إن البیعة الوارد ذکرها فی کتاب والسنة بمعنى انتخاب الاُمة أحداً للرئاسة والزعامة، فهل تنطبق على مسألة الانتخاب المعمول فی عصرنا، أو هو أمر آخر وراءه؟
والجواب على هذا السؤال یحتاج إلى شرح حقیقة البیعة ومغزاها، ثم بیان أحکامها.
فنقول: إنّ البیعة مأخوذة من البیع، کما صرّح به أرباب اللغة، فکما أنّ البایع یبیع سلعته من آخر، فالذی یبایع، یبیع طاعته لغیره ویبذلها له، وفی مقابله یتعهد هو له ببذل النصح والحمایة وتدبیر أمره، ولذا یقال «المبایعة» من باب المفاعلة.
وبناء علیه تکون البیعة من قبیل العقود المشتملة على الایجاب والقبول، ویمکن أن یقال: هی کالایقاعات فی کثیر من الأوقاف، لأنّ العهد والالتزام بالطاعة وبذل الأموال والأنفس یکون من طریق واحد فتأمل (فراجع لسان العرب والصحاح والمفردات وغیره).
والتصافق بالأیدی فیها کالتصافق بها فی البیوع والمعاملات المتداولة، هذا هو حقیقتها.
ویستفاد من الروایات والتواریخ أنّه کان لها مراتب مختلفة، فتارة البیعة على عدم الفرار، واُخرى على المال والولد، وثالثة على بذل الأنفس، فإذا أعطى شیئاً من ذلک لولی الأمر فلابدّ له من الوفاء به، بناء على شمول أدلة الوفاء بالعقد أو العهد أو المؤمنون عند شروطهم، لها.
إذا عرفت ذلک فاعلم أنّه لا یتمّ هذا البحث إلاّ بالتامل فی الاُمور التالیة: