وهی على قسمین: قسم منها ظاهرة واضحة یقدر المقلد على معرفتها کالماء المطلق والمضاف والدم والبول وأشباهها، ولا شک أنّ معرفة حالها بید المقلد الذی هو من أهل العرف، وحتى لو خالف علمه علم المرجع والمفتی یعمل بعمله، ولا یعتنی بقوله، والوجه فیه أنّه لا فرق فی ذلک بینه وبین مرجعه، فإذا خالفه فی علمه بالموضوع لزمه العمل بعلم نفسه فقط.
وقسم آخر الموضوعات العرفیة الخفیة ممّا تحتاج فی فهمها وفهم مصادیقها إلى دقّة النظر، وسلامة الذوق، والممارسة والأحاطة بهذه الاُمور، فهذا أیضاً یرجع المقلد فیه إلى مجتهده، وکثیر من المسائل الفرعیة فی الکتب الفقهیة والرسائل العملیة من هذا القبیل، فلیس فیها کشفاً لحکم شرعی، واستنباطاً من الأدلة الشرعیة بل یکون من قبیل تطبیق الکلی على أفراده وتعیین الموضوعات الخفیة، ولو لم یجز التقلید فی أمثالها کان ذکر هذه الفرع فی الرسائل العملیة لغواً بل اغراء بالجهل.
مثلاً ورد غیر واحد من الأحادیث أن السجود جائز على الأرض وما أنبتت الأرض إلاّ ما أکل ولبس(1).
والحکم مطلق واللفظ عام شامل ومفهومه ظاهر، ولکن مع ذلک فقد وقع الشک فی شمولها لبعض الأمر کقشر الفواکه والأدویة والعقاقیر والشای قبل أن یطبخ وما یکون مأکولاً فی بلد دون بلد، أو ملبوساً کذلک، وکذا فی ما لیس کذلک بالفعل ولکن یکون مأکولاً أو ملبوساً بالقوة، إلى غیر ذلک من الفروع الکثیرة التی أوردوها فی الکتب، ولا یقدر العامی على استنباط أحکامها، فعلى الفقیه ملاحظة حال هذه الفروع وصدق هذین العنوانین علیها وعدمه، فان غالب العوام غیر قادرین على الدقة فی هذه الاُمور، ولکن الفقیه لمزاولته هذه الفروع وأمثالها قادر على استجلاء حقیقة هذه الاُمور من أعماق أذهان أهل العرف وردّها إلیهم، ولا عجب فی ذلک، فتدبّر جیداً.
وکذلک لا شک أنّ مسافة القصر ثمانیة فراسخ کما دلت علیه النصوص، ولکن فی صدقها على الثمانیة الدوریة أو المرتفع فی الجو أو فی أعماق الأرض غموضاً یتصدى لرفعه الفقیة.
وکذا یظهر من بعض الروایات کفایة المحاذاة للمواقیت وقد أفتى به الأصحاب، ولکن وقع الکلام فی أنّ المواقیت الخمسة (مسجد الشجرة والجحفة وقرن المنازل ویلملم والعقیق) محیطة بالحرم بحیث ینتهى کل طریق إلى أحدها، أو ما یحاذیها، أو لا تکون کذلک، حتى یقع الکلام فی حکم مثل هذا الشخص وأنّه هل یجب علیه الاحرام من أدنى الحل أو غیرها؟ فهذه وإن کان من الموضوعات الخارجیة ولکن أدراکها لأکثر العوام مشکل، فعلى الفقیه بذل الجهد فیها ولو بالرجوع إلى أهل الخبرة ثم الفتوى بما تقتضیه الأدلة بعد احراز الموضوع، إلى غیر ذلک ممّا هو کثیر.
1. راجع وسائل الشیعة، ج 3، الباب 1 من أبواب ما یسجد علیه، ص 591.
