بما أنّ الآیات السابقة تحدّثت عن قضیّة المعاد، واستعرضت الصفات الإلهیّة، فانّ الآیة الأُولى أعلاه تناولت التوحید نافیةً الشرک مؤکّدة للمبدأ والمعاد. فی قوله تعالى: (ومن یدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنّما حسابه عند ربّه)(1).
أجل، إنّ المشرکین یستندون إلى الأوهام، فلا دلیل على ما یدّعون سوى أنّهم کالببغاء یقلّدون آباءهم فی التمسّک بالخرافات والأساطیر ـ التی لا أساس لها من الصحّة ـ ومن هنا ینکرون المعاد على الرغم من وضوح أدلّته وإشراق حقیقته، ویقبلون الشرک من غیر دلیل صحیح علیه، ومن الطبیعی أن یعاقب مثل هؤلاء الذین داسوا حکم العقل بأقدامهم، واتّجهوا فی دروب الکفر والشرک المظلمة بوعی منهم.
وفی النهایة تقول الآیة: (إنّه لا یفلح الکافرون) ما أجمل بدایة هذه السورة (قد أفلح المؤمنون)! وما أجمل نهایتها المؤکّدة لبدایتها: (لا یفلح الکافرون)! هذه هی صورة جامعة لحیاة المؤمنین والکافرین من البدایة إلى النهایة.
وختمت السورة بهذه الآیة الشریفة کاستنتاج عام بأن وجّهت الکلام إلى الرّسول(صلى الله علیه وآله): (وقل ربّ اغفر وارحم وأنت خیر الراحمین).
والآن وقد إختارت فئة الشرک سبیلا، وجارت فئة أُخرى وظلمت، فأنت أیّها الرسول ومن معک تدعون الله ربّکم أن یغفر لکم ویرحمکم بلطفه الواسع الکریم.
ولا شکّ فی أنّ الأمر بالدعاء هنا شامل لجمیع المؤمنین، رغم کون المخاطب به هو النّبی بذاته.
وروی «إنّ أوّل سورة (قد أفلح المؤمنون) وآخرها من کنوز العرش، ومن عمل بثلاث آیات من أوّلها، واتّعظ بأربع من آخرها فقد نجا وأفلح»(2).
ویحتمل أنّه یقصد الآیات الثلاث التی تلت عبارة (قد أفلح المؤمنون) والتی تدعو إحداها إلى الخشوع فی الصلاة، وتدعو الاُخرى إلى اجتناب اللغو وتدعو الثّالثة إلى الزکاة، فإحداها تنظّم علاقة الإنسان بربّه، والاُخرى تنظّم هذه العلاقة مع الناس، والثّالثة مع النفس.
والقصد من الآیات الأربع الأخیرة، هی الآیة 115 وما یلیها التی تحدّثت عن غائیّة الخلق، والمعاد، والتوحید، وأخیراً الإنقطاع إلى الله والتوجّه إلیه.
ربّاه! ندعوک بحقّ المؤمنین الذین وعدتهم فی هذه السورة بالفلاح، وفی طلیعتهم الرّسول(صلى الله علیه وآله) وأهل بیته(علیهم السلام) أن تحشرنا مع هذه الفئة الصالحة وأن تکتبنا من المفلحین.
ربّاه! مُنَّ علینا برحمتک وغفرانک إنّک أرحم الراحمین.
إلهی! اجعل خاتمة أعمالنا خیراً، واحفظنا من کلّ خطأ وانحراف، إنّک على کلّ شیء قدیر.
آمین یا ربّ العالمین
نهایة سورة المؤمنون