الریاح تحت إمرة سلیمان:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة الأنبیاء / الآیة 81 ـ 82 سورة الأنبیاء / الآیة 83 ـ 84

تشیر هاتان الآیتان إلى جانب من المواهب التی منحها الله لنبی آخر من الأنبیاء ـ أی سلیمان (علیه السلام) ـ فتقول الآیة الاُولى منهما: (ولسلیمان الریح عاصفةً تجری بأمره إلى الأرض التی بارکنا فیها) وهذا الأمر لیس عجیباً، لأنّنا عارفون به (وکنّا بکلّ شیء عالمین) فنحن مطّلعون على أسرار عالم الوجود، والقوانین والأنظمة الحاکمة علیه، ونعلم کیفیة السیطرة علیها، ونعلم کذلک نتیجة وعاقبة هذا العمل، وعلى کلّ حال فإنّ کلّ شیء خاضع ومسلّم أمام علمنا وقدرتنا.

إنّ جملة (ولسلیمان...) معطوفة على جملة (وسخّرنا مع داود الجبال) أی إنّ قدرتنا عظیمة نقدر معها على أن نسخّر الجبال لعبد من عبادنا أحیاناً لتسبّح معه، وأحیاناً نجعل الریح تحت إمرة أحد عبادنا لیرسلها حیث شاء.

إنّ لفظة (العاصفة) تعنی الریاح القویّة أو الهائجة، فی حین یستفاد من بعض آیات القرآن الاُخرى أنّ الریاح الهادئة أیضاً کانت تحت إمرة سلیمان، کما تصوّر ذلک الآیة 36 من سورة ص: (فسخّرنا له الریح تجری بأمره رخاءً حیث أصاب).

إنّ التصریح بالعاصفة هنا یمکن أن تکون من باب بیان الفرد الأهمّ، أی لیست الریاح الهادئة لوحدها تحت إمرته، بل حتى العواصف الشدیدة کانت رهن إشارته أیضاً، لأنّ الثّانیة أعجب.

ثمّ إنّ هذه الریاح القویّة المتوجهة فی مسیر الأرض المبارکة (الشام) ـ حیث کان مقرّ سلیمان (علیه السلام) ـ لم تکن مسخّرة فقط فی هذا الاتجاه، بل إنّها کانت تتحرّک حیث أراد، وإلى جمیع الأمکنة حسب الآیة 36 من سورة ص، وعلى هذا فإنّ التصریح باسم الأرض المبارکة لأنّها کانت مرکزاً لحکومة سلیمان.

أمّا کیف کانت الریح تحت إمرته وتصرّفه؟

وبأیّة سرعة کانت تتحرّک؟

وعلى أىّ شیء کان یجلس سلیمان وأصحابه ویتحرّکون؟

وأىّ عامل کان یحفظ هؤلاء عند حرکتهم من السقوط أو ضغط الهواء أو المصاعب الاُخرى؟

والخلاصة: أیّة قوّة خفیّة کانت تعطیه القدرة على إمکانیة التحرّک بمثل هذه الحرکة السریعة فی ذلک العصر والزمان(1)؟

إنّ هذه مسائل لم تتّضح لنا جزئیاتها، والذی نعلمه هو أنّها کانت موهبة إلهیّة خارقة وضعت تحت تصرّف هذا النّبی العظیم، وما أکثر المسائل التی نعلم بوجودها الإجمالی، ونجهل تفصیلها؟! إنّ معلوماتنا فی مقابل ما نجهله کالقطرة من البحر المحیط، أو کالذرّة مقابل الجبل العظیم.

والخلاصة: فإنّ من وجهة نظر وإعتقاد إنسان موحّد یعبد الله، لا یوجد شیء صعب ومستحیل أمام قدرة الله سبحانه، فهو قادر على کلّ شیء، وعالم بکلّ شیء.

لقد کتبت حول هذه الفترة من حیاة سلیمان ـ کالفترات الاُخرى من حیاته العجیبة ـ أساطیر کاذبة أو مشکوکة کثیرة لا نقبلها مطلقاً، فنحن نکتفی بهذا المقدار الذی بیّنه القرآن هنا.

ویلزم ذکر هذه اللطیفة أیضاً، وهی أنّ بعض الکتّاب المتأخرین یعتقدون بأنّ القرآن لیس فیه شیء صریح عن حرکة سلیمان والبساط، بل أورد الکلام عن تسخیر الریاح لسلیمان فقط، فربّما کان ذلک إشارة إلى إستغلال سلیمان لقوّة الهواء فی المسائل المرتبطة بالزراعة، وتلقیح النباتات، وتنقیة الحنطة والشعیر، وحرکة السفن، خاصّةً وأنّ أرض سلیمان (الشام) کانت أرضاً زراعیة من جهة، ومن جهة اُخرى فإنّ جانباً مهمّاً منها کان على سواحل البحر الأبیض المتوسط، وکان یُنتفع منها فی حرکة الملاحة(2).

إلاّ أنّ هذا التّفسیر لا یتناسب کثیراً وآیات سورة سبأ وسورة ص وبعض الرّوایات الواردة فی هذا الباب.

ثمّ تذکر الآیة التالیة أحد المواهب الخاصّة بسلیمان (علیه السلام) فتقول: (ومن الشیاطین من یغوصون له) لإستخراج الجواهر والأشیاء الثمینة الاُخرى (ویعملون عملا دون ذلک وکنّا لهم حافظین) من التمرّد والطغیان على أوامر سلیمان (علیه السلام).

إنّ ما ورد فی الآیة آنفة الذکر باسم «الشیاطین»، جاء فی آیات سورة «سبأ» باسم الجن ـ الآیة 12 و13 من سورة سبأ ـ ومن الواضح أنّ هذین اللفظین  لا منافاة بینهما، لأنّا نعلم أنّ الشیاطین من طائفة الجنّ.

وعلى کلّ حال، فقد ذکرنا أنّ الجنّ نوع من المخلوقات التی لها عقل وشعور واستعداد، وعلیها تکلیف، وهی محجوبة عن أنظارنا نحن البشر، ولذلک سمّیت بالجنّ، وهم ـ کما یستفاد من آیات سورة الجنّ ـ کالبشر منهم المؤمنون الصالحون، ومنهم الکافرون العصاة، ولا نمتلک أىّ دلیل على نفی مثل هذه الموجودات، ولأنّ المخبر الصادق (القرآن) قد أخبر عنها فنحن نؤمن بها.

ویستفاد من آیات سورة سبأ وسورة ص ـ وکذلک من الآیة محلّ البحث ـ جیّداً أنّ هذه الجماعة من الجنّ التی سخّرت لسلیمان، کانوا أفراداً أذکیاء نشطین فنّانین صنّاعاً ماهرین فی مجالات مختلفة، وجملة (ویعملون عملا دون ذلک) تبیّن إجمالا ما جاء تفصیله فی الآیة 13 من سورة سبأ من أنّهم کانوا (یعملون له ما یشاء من محاریب وتماثیل وجفان کالجواب وقدور راسیات).

ویستفاد من جزء من الآیات المتعلّقة بسلیمان أنّ جماعة من الشیاطین العصاة کانوا موجودین أیضاً، وکان سلیمان (علیه السلام) قد أوثقهم: (وآخرین مقرّنین فی الأصفاد)(3)، وربّما کانت جملة (وکنّا لهم حافظین) إشارة إلى هذا المعنى بأنّا کنّا نحفظ تلک المجموعة التی کانت تخدم سلیمان من التمرّد والعصیان. وستطالعون تفصیلا أکثر فی هذا الباب فی تفسیر سورة سبأ وسورة ص إن شاء الله تعالى.

ونذکر مرّة اُخرى أنّ هناک أساطیر کاذبة أو مشکوکاً فیها کثیرة حول حیاة سلیمان وجنوده، یجب أن لا تُمزج مع ما فی متن القرآن، لئلاّ تکون حربة فی ید المتصیّدین فی الماء العکر.


1. یظهر من الآیة 12 من سورة سبأ: (ولسلیمان الریح غدوّها شهر ورواحها شهر) بصورة مجملة أنّهم کانوا یسیرون صباحاً مسافةً أمدها شهر ویسیرون عصراً مسافة أمدها شهر «بمقیاس الحرکة فی ذلک الزمان».
2. قصص القرآن، ص 185; أعلام القرآن، ص 386.
3. ص، 38.
سورة الأنبیاء / الآیة 81 ـ 82 سورة الأنبیاء / الآیة 83 ـ 84
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma