إنّ الحوادث التی مرّت على مریم فی هذه المدّة القصیرة، والمشاهد والمواقف التی تثیر الإعجاب، والتی حدثت لها بلطف الله، کانت تهیّؤها وتعدّها من أجل تربیة نبی من أولی العزم، ولتستطیع أن تؤدّی وظیفة الاُمومة من خلال هذا الأمر الخطیر على أحسن وجه.
إنّ سیر الأحداث صاحبها حتى آخر مرحلة، بحیث لم یبق بینها وبین الموت إلاّ خطوة واحدة، لکن فجأة یرجع کلّ شیء إلى وضعه، ویهب کلّ شیء لمساعدتها، وتخطو فی محیط هادىء مطمئن من کلّ الجهات.
جملة (وهزی إلیک بجذع النخلة ) التی تأمر مریم بتحریک النخلة لتستفید من ثمرها، أعطت درساً لها ولکلّ البشر، بأن لا یکفّوا عن الجد والسعی حتی فی أشدّ لحظات الحیاة وأصعبها.
إنّه جواب لأولئک الذین یسألون عن مریم التی وضعت حملها لتوّها لماذا تقوم وتهزّ النخلة، ألم یکن من الاُولى أن یرسل الله ـ الذی بعث عین الماء العذب قرب مریم ـ نسمة وریحاً تهزّ النخلة وتسقط الثمر قرب مریم؟ فما الذی حدث، حیث إنّ مریم عندما کانت سالمة صحیحة کانت تحضر الفاکهة جنب محرابها، أمّا الآن وقد ابتلیت بکلّ هذه المشاکل فإنّ علیها أن تقطف الثمر بنفسها؟
أجل، إنّ هذا الأمر الإلهی لمریم یوضّح أنّه لا برکة بدون حرکة، وبتعبیر آخر، فإنّ على کلّ إنسان أن یبذل قصارى جهده عند ظهور المشاکل، وما وراء ذلک فعلى الله.