التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة طه / الآیة 131 ـ 135 فضیلة سورة الأنبیاء:

لقد أصدرت فی هذه الآیات أوامر وتوجیهات للنّبی(صلى الله علیه وآله)، والمراد منها والمخاطب فیها عموم المسلمین، وهی تتمّة للبحث الذی قرأناه آنفاً حول الصبر والتحمّل.

فتقول أوّلا: (ولا تمدّن عینیک إلى ما متّعنا به أزواجاً منهم) فإنّ هذه النعم المتزلزلة الزائلة ما هی إلاّ (زهرة الحیاة الدنیا)، تلک الأزهار التی تُقطع بسرعة وتذبل وتتناثر على الأرض، ولا تبقى إلاّ أیّاماً معدودات.

فی الوقت الذی أمددناهم بها (لنفتنهم فیه ورزق ربّک خیر وأبقى) فإنّ الله سبحانه وهب لک مواهب ونعماً متنوّعة، فأعطاک الإیمان والإسلام، والقرآن والآیات الإلهیّة والرزق الحلال الطاهر، وأخیراً نعم الآخرة الخالدة، هذه الهبات والعطایا المستمرّة الدائمة.

وتقول الآیة التالیة تلطیفاً لنفس النّبی (صلى الله علیه وآله) وتقویة لروحه: (وأمر أهلک بالصلاة واصطبر علیها) لأنّ هذه الصلاة بالنسبة لک ولأهلک أساس العفّة والطهارة وصفاء القلب وسموّ الروح ودوام ذکر الله.

لا شکّ أنّ ظاهر (أهلک) هنا هو اُسرة النّبی (صلى الله علیه وآله) بصورة عامّة، إلاّ أنّ هذه السورة لمّا

کانت قد نزلت فی مکّة، فإنّ مصداق الأهل فی ذلک الزمان کان (خدیجة وعلی(علیهما السلام)) وربّما شملت بعضاً من أقارب النّبی الآخرین، إلاّ أنّ مصطلح أهل بیت النّبی(صلى الله علیه وآله) أصبح واسع الدلالة بمرور الزمن.

ثمّ تضیف بأنّه إذا کان قد صدر الأمر لک ولأهلک بالصلاة فإنّ نفعها وبرکاتها إنّما یعود کلّ ذلک علیکم، فإنّا (لا نسألک رزقاً نحن نرزقک) فإنّ هذه الصلاة  لا تزید شیئاً من عظمة الله، بل هی رأس مال عظیم لتکامل البشر وإرتقائهم ودرس تعلیمی وتربوی عال، إنّ الله سبحانه لیس کباقی الملوک والاُمراء الذین یأخذون الضرائب من شعوبهم لیدیروا بها حیاتهم وحیاة مقرّبیهم، فإنّ الله غنی عن الجمیع ویحتاجه الجمیع ویفتقرون إلیه.

إنّ هذا التعبیر فی الحقیقة یشبه ما ورد فی سورة الذاریات الآیة 56 ـ 58: (وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ لیعبدون . وما اُرید منهم من رزق وما اُرید أن یطعمون . إنّ الله هو الرزّاق ذو القوّة المتین) وعلى هذا، فإنّ نتیجة العبادات ترجع مباشرةً إلى نفس العابدین.

وتضیف الآیة فی النهایة: (والعاقبة للتقوى) فإنّ ما یبقى ویفید فی نهایة الأمر هو التقوى، والمتّقون هم الفائزون فی النهایة، أمّا الذین لا تقوى لهم فهم محکومون بالهزیمة والإنکسار.

ویحتمل أیضاً فی تفسیر هذه الآیة أنّ هدفها هو التأکید فی مجال الروح والتقوى والإخلاص فی العبادات، لأنّ هذا أساس العبادة، وفی الآیة 37 من سورة الحجّ نقرأ: (لن ینال الله لحومها ولا دماؤها ولکن یناله التقوى منکم) فلیس ظاهر الأعمال وقشورها هو الذی یوصلکم إلى مقام القرب من الله، بل إنّ الواقع والإخلاص والباطن الذی فیها هو الذی یفتح الطریق إلى مقام القرب منه.

ثمّ أشارت الآیة التالیة إلى واحدة من حجج الکفّار الواهیة فقالت: (وقالوا لولا یأتینا بآیة من ربّه) واجابتهم مباشرة: (أو لم تأتهم بیّنة ما فی الصحف الاُولى) حیث کانوا یشکّکون ویطلبون الأعذار بصورة متلاحقة من أجل الإتیان بالمعجزات، وبعد رؤیة ومشاهدة تلک المعاجز إستمرّوا فی کفرهم وإنکارهم، فحاق بهم العذاب الإلهی، أفلا یعلمون بأنّهم إذا ساروا فی نفس الطریق فسینتظرهم المصیر نفسه؟

ویحتمل أیضاً فی تفسیر هذه الآیة أنّ المراد من «البیّنة» نفس القرآن الذی یبیّن حقائق الکتب السماویة السابقة على مستوى أعلى، فالآیة تقول: لماذا یطلب هؤلاء معجزة،

ویتذرّعون بالأعذار الواهیة؟ ألیس هذا القرآن مع هذه الإمتیازات الکبیرة التی تحتوی على حقائق الکتب السماویة السابقة کافیاً لهؤلاء؟

وقد ذکر تفسیر آخر لهذه الآیة، وهو: إنّ الرّسول الأعظم(صلى الله علیه وآله) ـ مع أنّه لم یکن قد درس وتعلّم ـ فقد جاء بکتاب واضح جلی ینسجم مع ما کان فی متون الکتب السماویة، وهذا بنفسه دلیل على الإعجاز، إضافةً إلى أنّ صفات النّبی وصفات کتابه تنطبق تماماً على العلامات التی جاءت فی الکتب السماویة السابقة، وهذا دلیل أحقّیته(1).

وعلى کلّ حال، فإنّ هؤلاء المتذّرعین لیسوا اُناساً طلاّب حقّ، بل إنّهم دائماً فی صدد إیجاد أعذار وتبریرات جدیدة، فحتّى (ولو أنّا أهلکناهم بعذاب من قبله لقالوا ربّنا لولا أرسلت إلینا رسولا فنتّبع آیاتک من قبل أن نذلّ ونخزى) إلاّ أنّهم الآن وقد جاءهم هذا النّبی الکریم بهذا الکتاب العظیم، یقولون کلّ یوم کلاماً، ویختلقون الأعذار للفرار من الحقّ.

وقالت الآیة التالیة: أنذر هؤلاء و(قل کلّ متربّص) فنحن بإنتظار الوعود الإلهیّة فی حقّکم، وأنتم بإنتظار أن تحیط بنا المشاکل والمصائب (فتربّصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوی ومن اهتدى) وبهذه الجملة الحاسمة العمیقة المعنى تنتهی المحاورة مع هؤلاء المنکرین العنودین المتذّرعین.

وخلاصة القول: فإنّ هذه السورة لمّا کانت قد نزلت فی مکّة، وکان النّبی(صلى الله علیه وآله) والمسلمون تحت ضغط شدید من قبل الأعداء، فإنّ الله قد واساهم وسرّى عن نفوسهم فی نهایة هذه السورة، فتارةً ینهاهم عن أن تأخذهم وتبهرهم أموال المنکرین الزائلة وثرواتهم، إذ هی للإمتحان والإبتلاء، وتارةً یأمرهم بالصلاة والاستقامة لتقوى قواهم المعنویة أمام کثرة الأعداء. وأخیراً یبشّر المسلمین بأنّ هؤلاء إن لم یؤمنوا فإنّ لهم مصیراً أسود مشؤوماً یجب أن یکونوا فی إنتظاره.

اللهمّ اجعلنا من المهتدین وأصحاب الصراط المستقیم.

اللهم ألهمنا تلک الشهامة التی لا نرهب معها کثرة الأعداء، ولا نضعف عند الحوادث الصعبة.

واخلع عنّا أطمار العناد واللجاجة، ووفّقنا لقبول الحقّ.

آمین یا ربّ العالمین

نهایة سورة طه


1. التّفسیر الأوّل فی تفسیر مجمع البیان، والثّانی فی تفسیر فی ظلال القرآن، والثّالث ذکره الفخر الرازی فی التّفسیر الکبیر، وهذه التفاسیر وإن إختلفت إلاّ أنّها لا تتضارب فیما بینها، وخاصّة التّفسیر الثّانی والثّالث.
سورة طه / الآیة 131 ـ 135 فضیلة سورة الأنبیاء:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma