معبودات أضعف من ذبابة!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة الحجّ / الآیة 71 ـ 74 مثال واضح لبیان نقاط الضعف:

تابعت هذه الآیات الأبحاث السابقة عن التوحید والشرک، فتحدّثت ثانیة عن المشرکین وأفعالهم الخاطئة، فتقول الآیة الاُولى: (ویعبدون من دون الله ما لم ینزل به سلطان) وهذا یبیّن بطلان عقیدة الوثنیین الذین کانوا یرون أنّ الله سمح لهم بعبادة الأوثان وأنّها تشفع لهم عند الله. وتضیف الآیة (وما لیس لهم به علم) أی یعبدون عبادةً لا یملکون دلیلا على صحّتها لا من طریق الوحی الإلهی، ولا من طریق الاستدلال العقلی، ومن لا یعمل بدلیل یظلم نفسه وغیره، ولا أحد یدافع عنه یوم الحساب، لهذا تقول الآیة فی ختامها: (وما للظالمین من نصیر).

قال بعض المفسّرین: إنّ النصیر هنا الدلیل والبرهان، لأنّ المعین الحقیقی هو الدلیل ذاته(1).

کما یحتمل أن یکون النصیر مرشداً ومکمّلا للبحث السابق، أی إنّ المشرکین لا یدعمهم دلیل إلهی ولا عقلی، ولیس لهم قائد ولا مرشد ولا معلّم یهدیهم ویسدّدهم للحقّ الذی فقدوا حمایته والإستنارة به، بظلمهم أنفسهم، ولا خلاف بین هذه التفاسیر الثلاثة التی یبدو أنّ أوّلها أکثر وضوحاً من غیره.

وتشیر الآیة الثّانیة ـ موضع البحث ـ إلى عناد الوثنیین وإستکبارهم عن الإستجابة لآیات الله تعالى، فی جملة وجیزة لکنّها ذات دلالات کبیرة: (وإذا تتلى علیهم آیاتنا بیّنات تعرف فی وجوه الذین کفروا المنکر)(2).

وهنا یسفر التناقض بین المنطق القرآنی القویم وتعصّب الجاهلیة الذی  لا یرضخ للحقّ ولا یفتح قلبه لندائه الرحیم، فما تلیت علیهم آیات ربّهم إلاّ ظهرت علائم الإستکبار عنها فی وجوههم حتى إنّهم (یکادون یسطون بالذین یتلون علیهم آیاتن) أی کأنّهم یریدون مهاجمة الذین یتلون علیهم آیات الله عزّوجلّ وضربهم بقبضات أیدیهم، تنفیساً عن التکبّر البغیض فی قرارة أنفسهم.

کلمة «یسطون» مشتقّة من «السطوة» أی رفع الید ومهاجمة الطرف الآخر، وهی فی الأصل ـ کما قال الراغب الإصفهانی فی مفرداته ـ قیام الفرس على رجلیه ورفع یدیه، ثمّ إستعملت بالمعنى الذی ذکرناه.

ولو فکّر الإنسان منطقیّاً لما أغضبه حدیث لا یرضاه، ولما ثار مقطّباً متهیّئاً للهجوم على محدّثه مهما خالفه. بل یحاول ردّه ببیان منطقی.

وإنفعال المشرکین على النحو المتقدّم دلیل على انهیار تفکیرهم وغلبة الجهل والباطل علیهم.

وعبارة (یکادون یسطون) التی تتألّف من فعلین مضارعین، دلیل على استمرار حالة الهجوم والسباب فی ذات المشرکین وتأصّلها فیهم، فتارةً یفعلونه، واُخرى تبدو علائمه على وجوههم حین لا تسمح به الأحوال.

وقد أمر القرآن المجید الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) أن یجیب هؤلاء المتغطرسین هاتفاً (قل أفأنبئکم بشرّ من ذلکم النّار)(3).

أی إن زعمتم أنّ هذه الآیات البیّنات شرّ، لأنّها لا تنسجم مع أفکارکم المنحرفة، فإنّنی اُخبرکم بما هو شرّ منها، ألا وهو عقاب الله الألیم، النّار التی أعدّها الله جزاءً (وعدها الله الذین کفروا وبئس المصیر). أجل، إنّ النّار المحرقة لأسوأ مکان للمتشدّدین الحادّی المزاج الذین أحرقت نار عصبیّتهم ولجاجهم قلوبهم، لأنّ العقاب الإلهی یتناسب دائماً مع کیفیة الذنب والعصیان.

وترسم الآیة الآتیة صورة معبّرة لما کان علیه الوثنیون، وما یعبدونه من أشیاء ضعیفة هزیلة تکشف عن بطلان آراء المشرکین وعقیدتهم، مخاطبةً للناس جمیعاً خطاباً هادیاً أن (یاأیّها الناس ضرب مثل فاستمعوا له) وتدبّروا فیه جیّداً (إنّ الذین تدعون من دون الله لن یخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له).

أجل، لو إجتمعت الأوثان کلّها، وحتى العلماء والمفکّرین والمخترعین جمیعاً، لما استطاعوا خلق ذبابة. فکیف تجعلون أوثانکم شرکاء لخالق السموات والأرض وما فیهنّ من آلاف مؤلّفة من أنواع المخلوقات فی البرّ والبحر، فی الصحاری والغابات، وفی أعماق الأرض؟ الله الذی خلق الحیاة فی أشکال مختلفة وصور بدیعة ومتنوّعة بحیث إنّ کلّ مخلوق من المخلوقات یثیر فی الإنسان کلّ الإعجاب والتقدیر، فأین هذه الآلهة الضعیفة من اللّه الخالق القادر الحکیم المتعال؟

وتستکمل الآیة البیان عن ضعف الأوثان وعجزها المطلق وأنّها لیست غیر قادرة على خلق ذبابة فحسب، بل (وإن یسلبهم الذباب شیئاً لا یستنقذوه منه) کأنّ الآیة تهتف فیهم: ما الدافع لجعل موجود ضعیف تهزمه الذبابة حاکماً علیکم وحلاّلا لمشاکلکم؟!

ویعلو صدى الحقّ فی تقریر ضعف الوثن وعبدته فی قوله تعالى: (ضعف الطالب والمطلوب).

وقد ورد فی الرّوایات أنّ الوثنیین من قریش نصبوا أوثانهم حول الکعبة، وأغرقوها بالمسک والعنبر وأحیاناً بالزعفران والعسل، وطافوا حولها وهم یردّدون (لبّیک اللهمّ لبّیک، لبّیک لا شریک لک، إلاّ شریک هو لک تملکه وما ملک)! والإنحیاز عن التوحید واضح فی هذه التلبیة، والشرک مؤکّد فیها، فقد جعلوا هذه الموجودات التافهة شرکاء لله الواحد الأحد، وهم یرون الذباب یحوم علیها ویسرق منها العسل والزعفران والمسک دون أن تستطیع إعادة ما سلب منها!

وقد عرض القرآن المجید هذه الصورة لیکشف عن ضعف هذه الأوثان، وتفاهة منطق المشرکین فی تسویغ عبادتهم لهذه الأوثان، وذکّرهم بعجز آلهتهم عن إستعادة ما سرقه الذباب منها وعدم قدرتها على الدفاع عن نفسها لعلّهم ینتبهون على تفاهة ما یعبدون من دون الله تعالى.

أمّا ما المراد من «الطالب» و«المطلوب»؟

الصحیح هو ما سبق أن قلناه من أنّ الطالب هو عبدة الأوثان، والمطلوب هو الأوثان ذاتها، وکلاهما لا یقدر على شیء.

وقال البعض: إنّ الطالب هو الذباب، والمطلوب الأصنام (لأنّ الذباب یجتمع علیها لیسلب منها غذاءه).

وقال الآخرون: الطالب هو الأصنام، والمطلوب هو الذباب (لأنّه لو فکّرت الأصنام فی خلق ذبابة واحدة لما استطاعت ذلک) وأصحّ هذه التفاسیر هو الأوّل.

وبعد أن عرض القرآن الکریم هذا المثال الواضح، قرّر حقیقة مهمّة، وهی (ما قدّروا الله حقّ قدره).

فالمشرکون لو کانوا على أدنى معرفة بالله تعالى لما أنزلوا قدره إلى مستوى هذه الآلهة الضعیفة العاجزة ولما جعلوا مصنوعاتهم شرکاء له، تعالى عمّا یفعلون علوّاً کبیراً، ولو کان لدیهم أدنى معرفة بقدرة الله لضحکوا من أنفسهم وسخروا من أفکارهم، وتقول الآیة فی النهایة: (إنّ الله لقوی عزیز).

أجل، إنّ الله قادر على کلّ شیء ولا مثیل لقدرته ولا حدّ، فهو لیس کآلهة المشرکین التی لو إجتمعت لما تمکّنت من خلق ذبابة، بل لیس لها القدرة على إعادة ما سلبه الذباب منها.


1. تفسیر المیزان، وتفسیر الکبیر، ج 23، ص 66 ذیل الآیة مورد البحث.
2.«المنکر» مصدر میمی یعنی «الإنکار»، وبما أنّ الإنکار أمر باطنی لا یمکن مشاهدته، فالمراد هنا علائمه ونتائجه.
3. إنّ «النّار» هنا خبر لمبتدأ محذوف تقدیره: (هی النّار)، واحتمل البعض أنّ النّار مبتدأ وجملة «وعدها الله» خبر لها، إلاّ أنّ القول الأوّل هو الأصوب.
وفعل «وعد» أخذ هنا مفعولین، الأوّل «الذین کفروا» الذی تأخّر والثّانی «الهاء» التی تقدّمت ذلک للتخصیص.
سورة الحجّ / الآیة 71 ـ 74 مثال واضح لبیان نقاط الضعف:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma