کان الکلام فی الآیات السابقة عن أنّ عالم الوجود لیس عبثیّاً لا هدف من ورائه، فلا مزاح ولا عبث، ولا لهو ولا لعب، بل له هدف تکاملی دقیق للبشر.
ولمّا کان من الممکن أن یوجد هذا التوهّم، وهو: ما حاجة الله إلى إیماننا وعبادتنا؟
فإنّ الآیات التی نبحثها تجیب أوّلا عن هذا التوهّم، وتقول: (وله من فی السماوات والأرض، ومن عنده (أی الملائکة) لا یستکبرون عن عبادته ولایستحسرون(1) * یسبّحون اللیل والنهار لا یفترون).
ومع هذا الحال فأىّ حاجة لطاعتکم وعبادتکم؟ فکلّ هؤلاء الملائکة المقرّبین مشغولون بالتسبیح لیلا ونهاراً، وهو تعالى لا یحتاج حتى لعبادة هؤلاء، فإذا کنتم قد اُمرتم بالإیمان والعمل الصالح والعبودیة فإنّ کلّ ذلک سیعود بالنفع علیکم.
وهنا نقطة تلفت الإنتباه أیضاً، وهی أنّه فی نظام العبید والموالی الظاهری، کلّما تقرّب العبد من مولاه یقلّ خضوعه أمامه، لأنّه یختصّ به أکثر، فیحتاجه المولى أکثر. أمّا فی نظام عبودیّة الخلق والخالق فالأمر على العکس، فکلّما إقتربت الملائکة وأولیاء الله من الله سبحانه زادت عبودیتهم(2).
وبعد أن نفت فی الآیات السابقة عبثیّة ولا هدفیّة عالم الوجود، وأصبح من المسلّم أنّ لهذا العالم هدفاً مقدّساً، فإنّ هذه الآیات تتطرّق إلى بحث مسألة وحدة المعبود ومدبّر هذا العالم، فتقول: (أم اتّخذوا آلهة من الأرض هم ینشرون)(3).
وهذه الجملة فی الحقیقة إشارة إلى أنّ المعبود یجب أن یکون خالقاً، وخاصّة خلق الحیاة، لأنّها أوضح مظاهر الخلق ومصادیقه. وهذا فی الحقیقة یشبه ما نقرؤه فی الآیة 73 من سورة الحجّ: (إنّ الذین تدعون من دون الله لن یخلقوا ذباباً ولو إجتمعوا له) ومع هذا الحال کیف یکون هؤلاء أهلا للعبادة؟
التعبیر ب(آلهة من الأرض) إشارة إلى الأصنام والمعبودات التی کانوا یصنعونها من الحجارة والخشب، وکانوا یظنّونها حاکمة على السماوات.
وتبیّن الآیة التالیة أحد الأدلّة الواضحة على نفی آلهة وأرباب المشرکین، فتقول: (لو کان فیهما آلهة إلاّ الله لفسدتا فسبحان الله ربّ العرش عمّا یصفون).
هذه الإدّعاءات غیر الصحیحة وهذه الأرباب المصنوعة والآلهة المظنونة لیست إلاّ أوهاماً، وساحة کبریاء ذاته المقدّسة لا تتلوّث بهذه النسب المغلوطة.