الواقف على حافّة وادی الکفر:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة الحجّ / الآیة 11 ـ 14 سورة الحجّ / الآیة 15 ـ 17

تحدّثت الآیات السابقة عن مجموعتین: الأتباع الضالّین، والقادة المضلّین، أمّا هذه الآیات، فتتحدّث عن مجموعة ثالثة هم ضعاف الإیمان، قال القرآن المجید عن هذه المجموعة: (ومن الناس من یعبد الله على حرف ) أی إنّ بعض الناس یعبد الله بلقلقة لسان، وإنّ إیمانه ضعیف جدّاً، ولم یدخل الإیمان إلى قلبه.

وعبارة «على حرف» ربّما تکون إشارة إلى أنّ إیمانهم باللسان فقط، وأنّ قلوبهم لم تر بصیصاً من نوره إلاّ قلیلا، وقد تکون إشارة إلى أنّ هذه المجموعة تحیا على هامش الإیمان والإسلام ولیس فی عمقه، فأحد معانی «الحرف» هو حافّة الجبل والأشیاء الاُخرى، والذی یقف على الحافّة لا یمکنه أن یستقرّ، فهو قلق فی موقفه هذا، یمکن أن یقع بهزّة خفیفة، وهکذا ضعاف الإیمان الذین یفقدون إیمانهم بأدنى سبب.

ثمّ تناول القرآن الکریم عدم ثبات الإیمان لدى هؤلاء الأشخاص (فإن أصابه خیر

اطمأنّ به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه ) (1) إنّهم یطمئنون إذا ضحکت لهم الدنیا وغمرتهم بخیراتها! ویعتبرون ذلک دلیلا على أحقّیة الإسلام، إلاّ أنّهم یتغیّرون ویتّجهون إلى الکفر إن امتحنوا بالمشاکل والقلق والفقر، فالدین والإیمان لدیهم وسیلة للحصول على ما یبتغون فی هذه الدنیا، فإن تمّ ما یبغونه کان الدین حقّاً، وإلاّ فلا.

وذکر «ابن عبّاس» ومفسّرون قدماء سبب نزول هذه الآیة: «أنّها نزلت فی أعراب کانوا یقدمون على النّبی (صلى الله علیه وآله) بالمدینة مهاجرین من بادیتهم، فکان أحدهم إذا صحّ بها جسمه ونتجت فرسه مهراً حسناً، وولدت امرأته غلاماً وکثر ماله وماشیته، رضی به واطمأنّ إلیه، وإن أصابه وجع وولدت امرأته اُنثى أو أجهضت فرسه أو ذهب ماله أو تأخّرت عنه الصدقة، أتاه الشیطان وقال له: ما جاءتک هذه الشرور إلاّ بسبب هذا الدین. فینقلب عن دینه» (2).

وممّا یلفت النظر أنّ القرآن الکریم یعبّر عن إقبال الدنیا على هؤلاء الأشخاص بالخیر. وعن إدبارها بالفتنة (وسیلة الامتحان) ولم یطلق علیها کلمة الشرّ، إشارة إلى أنّ هذه الأحداث غیر المرتقبة لیست شرّاً ولا سوءاً وإنّما هی وسیلة للإمتحان.

ویضیف القرآن المجید فی الختام: (خسر الدنیا والآخرة ذلک هو الخسران المبین ) مؤکّداً أنّ أفدح الضرر وأفظع الخسران، هو أن یفقد الإنسان دینه ودنیاه، وهؤلاء الأشخاص الذین یقیسون الحقّ بإقبال الدنیا علیهم، ینظرون إلى الدین وفق مصالحهم الخاصّة، وهذه الفئة موجودة بکثرة فی کلّ مجتمع، وإیمانها مزیج بالشرک وعبادة الأصنام، إلاّ أنّ أصنامهم هی أزواجهم وأبناؤهم وأموالهم ومواشیهم، ومثل هذا الإیمان أضعف من بیت العنکبوت!

وهناک مفسّرون یرون أنّ هذه الآیة تشیر إلى المنافقین، لکن إذا اعتبرنا أنّ المنافق هو من لا یملک ذرّةً من الإیمان، فإنّ ذلک یخالف ظاهر هذه الآیة، فعبارة «یعبد الله» و«اطمأنّ به» و«انقلب على وجهه» تبیّن أنّه ذو إیمان ضعیف قبل هذا، أمّا إذا قُصِد بالمنافق من یملک قلیلا من الإیمان، فلا یعارض ما قلناه، ویمکن قبوله.

وتشیر الآیة التالیة إلى إعتقاد هذه الفئة الخلیط بالشرک، خاصّة بعد الانحراف عن صراط التوحید والإیمان بالله، فتقول: (یدعوا من دون الله ما لا یضرّه وما لا ینفعه ) أی إذا کان هذا الإنسان یسعى إلى تحقیق مصالحه المادیّة والإبتعاد عن الخسائر ویرى صحّة الدین فی إقبال الدنیا علیه، وبطلانه فی إدبارها عنه، فلماذا یتوجّه إلى أصنام لا یؤمّل منها خیر، ولا یخاف منها ضرر، فهی أشیاء لا فائدة فیها، ولا أثر لها فی مصیر البشر؟! أجل (ذلک هو الضلال البعید ). إنّ هؤلاء لیبتعدون عن الصراط المستقیم بُعداً حتى لا ترجى عودتهم إلى الحقّ إلاّ رجاءً ضعیفاً جدّاً.

ویوسّع القرآن الکریم هذا المعنى فیقول: (یدعوا لمن ضرّه أقرب من نفعه ) لأنّ هذا المعبود المختلق ینزل بفکرهم إلى الحضیض فی هذه الدنیا، ویدفعهم نحو الخرافات والجهل، ویدعهم فی الآخرة فی نار جهنّم، بل هم کما تقول الآیة 98 من سورة الأنبیاء: (إنّکم وما تعبدون من دون الله حصب جهنّم ).

وتضیف الآیة فی الختام (لبئس المولى ولبئس العشیر ) فما أسوأه ناصراً ومعیناً، وما أسوأه مؤنساً ومعاشراً.

سؤال: وهنا یثار سؤال، فالآیة السابقة تنفی کلّ فائدة ونفع من هذه الأصنام وکلّ ضرر، وهذه الآیة تقول إنّ ضررها أقرب من نفعها! فکیف ینسجم الحکمان؟

والجواب: فی الجواب عن ذلک نقول: إنّ ذلک أمرٌ اعتیادی فی المخاطبة، ففی مرحلة لایعتبرون لشیء فائدة وتأثیر یذکر ثمّ یترقّى الحال فی مرحلة اُخرى فیعدّونه مصدر الضرر، کأن نقول: لا تصادق فلاناً، فلا نفع فیه لدینک ولا لدنیاک. وبعدها نتقدّم فنقول إنّما هو: (أی هذا الصدیق) سبب لتعاستک وإفتضاحک، وهنا تجد إضافة إلى کون الأصنام لا ضرر فیها لأعداء المشرکین، لأنّها غیر قادرة على الإضرار بأعدائهم کما یتوقّعون منها، ولکنّها تتضمّن ضرراً حتمیّاً لأتباعها.

کما أنّ صیغة «أفعل التفضیل» فی کلمة «أقرب» ـ کما قلنا سابقاً ـ تعنی عدم اتّصاف طرفی المقارنة بصفة معیّنة، وقد یکون الطرف الأضعف فاقداً لأیّة صفة، کأن نقول: ساعة صبر عن الذنب خیر من نار جهنّم (ولیس معنى ذلک أنّ نار جهنّم فیها خیر، إلاّ أنّ الصبر أفضل منها).

وقد اختار هذا الرأی عدد من کبار المفسّرین کالشیخ الطوسی فی «التبیان» والطبرسی فی «مجمع البیان».

واحتمل البعض کالفخر الرازی فی تفسیر الآیة بأنّ کلّ واحدة من هاتین الآیتین إشارة

إلى مجموعة من الأصنام، فالآیة الاُولى تخصّ الأصنام الحجریة والخشبیة، وأمّا الآیة الثّانیة فتخصّ الطواغیت والبشر المتعالین أشباه الأصنام. فالمجموعة الاُولى لا تضرّ ولا تنفع، بل هی بالتأکید خالیة من أیّة صفة، أمّا المجموعة الثّانیة «أئمّة الضلال» فإنّهم یضرّون ولا ینفعون، وإذا کان فیهم خیر قلیل فضرّهم کبیر جدّاً، وعبارة (لبئس المولى ولبئس العشیر )تؤکّد ذلک، وعلیه فلا تناقض بین الآیتین (3).

وفی ختام الآیة المبارکة نلحظ مقارنة بین الخیر والشرّ کما هو دأب القرآن الکریم لتتّضح النتائج بشکل أکبر، فتقول الآیة: (إنّ الله یدخل الذین آمنوا وعملوا الصالحات جنّات تجری من تحتها الأنهار ). فعاقبتهم معلومة ومنهج تفکیرهم وسلوکهم واضح فمولاهم هو الله تعالى، ورفاقهم وجلساؤهم فی الآخرة هم الأنبیاء والصالحون والملائکة، وأنّ الله سبحانه یُثیب المؤمنین العاملین للصالحات، جنّات تجری من تحتها الأنهار، لینعموا بالسعادة والسرور جزاء إستقامتهم على الحقّ وإستجابتهم له فی الحیاة الدنیا (إنّ الله یفعل ما یرید ).

وثوابهم یسیر علیه ـ جلّ وعلا ـ یُسْرَ عقاب الذین ظلموا أنفسهم بإیثار الباطل على الحقّ، وبعبادتهم الأصنام من دون الله سبحانه.

وفی هذه المقارنة نلاحظ طائفة من الناس لم یؤمنوا إلاّ بلسانهم، فهم على جانب من الدین وینحرفون بأدنى وسوسة، ولیس لهم عمل صالح، أمّا المؤمنون الحقیقیّون فإیمانهم راسخ ولا تزعزعه العواصف، هذا من جهة... ومن جهة اُخرى فلئن کان مولى الخاسرین لا ینفع ولا یضرّ، فإنّ مولى الصالحین على کلّ شیء قدیر. ولئن خسر الظالمون کلّ شیء، فقد ربح المهتدون خیر الدنیا وسعادة الآخرة.


1. کلمة «انقلب» فی جملة (انقلب على وجهه ) تعنی التراجع. ویمکن أن تکون إشارة إلى ترک الإیمان تماماً، حتى إنّه لا یعود إلیه. فهو غریب عن الإیمان دوماً.
2. التفسیر الکبیر، ج 23، ص 13، وتفسیر القرطبی، ج 6، ص 4409.
3. بعض المفسّرین الأفاضل کمفسّر المیزان فسّر عبارة «یدعو» بمعنى «یقول» إلاّ أنّ ذلک لا یطابق ظاهر الآیة.
سورة الحجّ / الآیة 11 ـ 14 سورة الحجّ / الآیة 15 ـ 17
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma