تبیّن قصّة السّحرة فی الآیات المذکورة أنّ القول بأنّ البیئة تُملی أو تفرض على صاحبها مساره فی الحیاة لیس سوى وهم فارغ، فإنّ الإنسان فاعل مختار، وصاحب إرادة حرّة، فإذا صمّم فی أىّ وقت فإنّه یستطیع أن یغیّر مسیره من الباطل إلى الحقّ، حتى لو کان کلّ الناس فی تلک البیئة غارقین فی الذنوب والضلال، فالسّحرة الذین کانوا لسنین طویلة فی ذلک المحیط الملوّث بالشرک، وکانوا یرتکبون بأنفسهم ویعملون الأعمال المتوغّلة فی الشرک عندما صمّموا على قبول الحقّ والثبات علیه بعشق، لم یخافوا أىّ تهدید، وحقّقوا هدفهم، وعلى قول المفسّر الکبیر العلاّمة الطبرسی: (کانوا أوّل النهار کفّاراً سحرة، وآخر النهار شهداء بررة)(1).
ومن هنا یتّضح ـ أیضاً ـ مدى ضعف وعدم واقعیّة أساطیر المادیین، وخاصةً المارکسیین حول نشأة الدین وتکوّنه، فإنّهم اعتبروا أساس کلّ حرکة هو العامل الاقتصادی، فی حین أنّ الأمر هنا کان بالعکس تماماً، لأنّ السّحرة قد حضروا حلبة الصراع نتیجة ضغط أجهزة فرعون من جانب، والإغراءات الاقتصادیة من جانب آخر، إلاّ أنّ الإیمان بالله قد محا کلّ هذه الاُمور، فقد إنهار المال والجاه الذی وعدهم فرعون به عند أعتاب إیمانهم، ووضعوا أرواحهم العزیزة هدیّة لهذا العشق!