إنّ أهمّ مسألة تلاحظ فی الآیات ـ محلّ البحث ـ هی تحوّل السّحرة السریع العمیق قبال موسى(علیه السلام)، فإنّهم عندما وقفوا بوجه موسى(علیه السلام) کانوا أعداء ألدّاء، إلاّ أنّهم اهتزّوا بشدّة عند مشاهدة أوّل معجزة من موسى، فانتبهوا وغیّروا مسیرهم حتى أثاروا دهشة الجمیع.
إنّ هذا التغییر السریع من الکفر إلى الإیمان، ومن الانحراف إلى الاستقامة، ومن الإعوجاج إلى الطریق المستقیم، ومن الظلمة إلى النور، قد جعل الجمیع فی دهشة، وربّما کان هذا الأمر غیر قابل للتصدیق حتى من قبل فرعون نفسه، ولذا سعى إلى إیهام الناس بأنّ
هذا الأمر قد دبّر من قبل، واتّفق علیه مسبقاً، فی حین أنّه کان یعلم فی أعماقه أنّ هذا الإتّهام کذب محض.
أىّ عامل کان السبب فی هذا التحوّل العمیق السریع؟ وأىّ عامل أضاء قلوبهم بنور الإیمان الوهّاج، إلى درجة أبدوا إستعدادهم فیها لأن یضعوا کلّ وجودهم فی خدمة هذا العمل، بل وضعوه فعلا على ما نقل التاریخ، لأنّ فرعون قد نفّذ تهدیده، وقتل هؤلاء بطریقة وحشیّة؟
هل نجد هنا عاملا غیر العلم والوعی؟ إنّ هؤلاء لمّا کانوا عالمین بفنون السحر وأسراره، وأیقنوا بوضوح تامّ أنّ عمل موسى لم یکن سحراً، بل هو معجزة إلهیّة، غیّروا مسیرهم بتلک الشجاعة والحزم، ومن هنا نعلم جیّداً أنّه من أجل تغییر الأفراد المنحرفین، أو المجتمع المنحرف، وإیجاد إنقلاب فی المسیرة ینبغی توعیتهم قبل کلّ شیء(1).
1. لقد بحثنا هذا الموضوع فی ذیل الآیات 123 ـ 126 من سورة الأعراف.
