لماذا الاُضحیة؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة الحجّ / الآیة 36 ـ 38 سورة الحجّ / الآیة 39 ـ 41

عاد الحدیث عن مراسم الحجّ وشعائره الإلهیّة والاُضحیة ثانیة، لیقول أوّلا: (والبُدن جعلناها لکم من شعائر الله) إنّ «البُدن» وهی الإبل البدینة تعلّقت بکم من جهة، ومن جهة اُخرى هی من شعائر الله وعلائمه فی هذه العبادة العظیمة، فالاُضحیة فی الحجّ من المظاهر الجلیّة لهذه العبادة التی أشرنا إلى فلسفتها من قبل.

«البدن» على وزن «القدس» جمع لـ«البُدنة» على وزن «عجلة» وهی الناقة الکبیرة والسمینة، وقد أکّدها لأنّها تناسب إقامة ولیمة لإطعام الفقراء والمحتاجین فی مراسم الاُضحیة، ومن المعلوم أنّ سمن الحیوان لیس من الشروط الإلزامیة فی الاُضحیة، وکلّ ما یلزم هو أن لا یکون ضعیفاً.

ثمّ تضیف الآیة: (لکم فیها خیر) فمن جهة تستفیدون من لحومها وتطعمون الآخرین، ومن جهة اُخرى تستفیدون من آثارها المعنویة بإیثارکم وسماحکم وعبادتکم الله، وبهذا تتقرّبون إلیه سبحانه وتعالى.

ثمّ تبیّن الآیة ـ بعبارة موجزة ـ کیفیة ذبح الحیوان (فاذکروا اسم الله علیها صواف) أی

اذکروا اسم اللّه حین ذبح الحیوان وفی حالة وقوفه مع نظائره فی صفوف.

ولیس لذکر الله حین ذبح الحیوان أو نحر الناقة صیغة خاصّة، بل یکفی ذکر اسم من أسماء الله علیها، کما یبدو من ظاهر الآیة، إلاّ أنّ بعض الرّوایات ذکرت صیغة محدّدة، وهی فی الواقع من أعمال الإنسان الکامل، حیث روی عن ابن عبّاس أنّه قال: الله أکبر، لا إله إلاّ الله والله أکبر، اللهم منک ولک(1).

إلاّ أنّه ورد فی حدیث عن الإمام الصادق(علیه السلام) عبارات أکثر وضوحاً فبعد شراء الاُضحیة توجّهها إلى القبلة وتقول حین الذبح: «وجّهت وجهی للذی فطر السموات والأرض حنیفاً مسلماً وما أنا من المشرکین، إنّ صلاتی ونسکی ومحیای ومماتی لله ربّ العالمین لا شریک له وبذلک اُمرت وأنا من المسلمین، اللهمّ منک ولک بسم الله وبالله والله أکبر، اللهمّ تقبّل منّی»(2).

کلمة «صوافّ» جمع «صافّة» بمعنى الحیوان الواقف فی صفّ، وکما ورد فی الأحادیث فإنّ القصد من ذلک عقل رجلی الناقة الأمامیّتین معاً حین وقوفها من أجل منعها من الحرکة الواسعة حین النحر، وطبیعی أنّ أرجل الناقة تضعف حین تنزف مقداراً من الدم، فتتمدّد على الأرض، ویقول القرآن المجید هنا (فإذا وجبت جنوبها فکلوا منها وأطعموا القانع والمعتر)أی عندما تستقر ویهدأ جانبها (کنایة عن لفظ الأنفاس الأخیرة) فکلوا منها وأطعموا الفقیر القانع والسائل المعتر.

الفرق بین «القانع» و«المعتر» هو أنّ القانع یطلق على من یقنع بما یُعطى وتبدو علیه علائم الرضى والإرتیاح ولا یعترض أو یغضب، أمّا المعترّ فهو الفقیر السائل الذی یطالبک بالمعونة ولا یقنع بما تعطیه، بل یحتجّ أیضاً.

کلمة «القانع» مشتقّة من «القناعة»، و«المعترّ» مشتقّة من «عرّ» على وزن (شرّ) وهی فی الأصل تعنی الجرب، وهو مرض عارض تظهر علاماته على جلد الانسان. ثمّ اُطلقت کلمة «المعترّ» على السائل الذی یطلب العون ولکن بلسان معترض. وتقدیم القانع على المعترّ إشارة إلى ضرورة الإهتمام أکثر بالمحرومین المتّصفین بالعفّة وعزّة النفس.

وینبغی الإلتفات إلى أنّ عبارة (کلوا منه) توجب أن یأکل الحجّاج من أضاحیهم، ولعلّها ترمی إلى مراعاة المساواة بین الحجّاج والفقراء.

وتنتهی الآیة بالقول: (کذلک سخّرناها لکم لعلّکم تشکرون). وإنّه لمن العجب أن یستسلم حیوان عظیم الجثّة هائل القوّة لطفل یعقل یدیه معاً ثمّ ینحره. (وطریقة النحر تتمّ بطعنة سکّین حادّة فی لبّة الناقة، لتنزف دمها، ولیلفظ هذا الحیوان أنفاسه بسرعة).

ولإیضاح أهمیّة تسلّط الإنسان على الحیوان فی الذبح، فإنّ الله جلّ وعلا یسلب أحیاناً طاعة هذا الحیوان وإنقیاده للإنسان، حیث نشاهد هیاج البعیر وتبدلّه إلى موجود خطر لا یستطیع کبح جماحه عدّة رجال أقویاء بعد ما کان مسخّر حتى لصبی صغیر!!

وهناک ثمّة أسئلة، وهی: ما هی حاجة الله تعالى للاُضحیة؟

وما هی فلسفة الاُضحیة؟

وهل لهذا العمل فائدة تعود إلى الله سبحانه؟

تجیب الآیة التالیة عن هذه الأسئلة (لن ینال الله لحومها ولا دماؤه). إنّ الله لیس بحاجة إلى لحوم الأضاحی، فما هو بجسم، ولا هو بحاجة إلى شیء، وإنّما هو موجد کلّ وجود وموجود. إنّ الغایة من الاُضحیة کما تقول الآیة: (ولکن یناله التقوى منکم) فالهدف هو أن یجتاز المسلمون مراحل التقوى لیبلغوا الکمال ویتقرّبوا إلى الله.

إنّ جمیع العبادات دروس فی التربیة الإسلامیة، فتقدیم الاُضحیة ـ مثلا ـ فیه درس الإیثار والتضحیة والسماح والاستعداد للشهادة فی سبیل الله، وفیه درس مساعدة الفقراء والمحتاجین، وعبارة (لن ینال الله لحومها ولا دماؤه) مع أنّ دماءها غیر قابلة للاستفادة، ربّما تشیر إلى الأعمال القبیحة التی کان یمارسها أعراب الجاهلیة، الذین کانوا یلطّخون أصنامهم وأحیاناً الکعبة بدماء هذه القرابین.

وقد اتّبعهم فی ممارسة هذا العمل الخرافی مسلمون جاهلون، حتى نهتهم هذه الآیة المبارکة(3) وممّا یؤسف له وجود هذه العادات الجاهلیة فی بعض المناطق حیث یرشّون دماء الاُضحیة على باب وجدران منزلهم الجدید، حتى أنّهم یمارسون هذا العمل القبیح الخرافی فی المساجد الجدیدة العمران أیضاً، ولذا یجب على المسلمین الواعین الوقوف بقوّة ضدّ هذا العمل.

ثمّ تشیر الآیة ثانیةً إلى نعمة تسخیر الحیوان قائلة: (کذلک سخّرها لکم لتکبّروا الله على ما هداکم).

إنّ الهدف الأخیر هو التعرّف على عظمة الخالق جلّ وعلا الذی هداکم بمنهجه التشریعی والتکوینی إلى تعلّم مناسک الحجّ والتعالیم الخاصّة بطاعته والتعبّد له، هذا من جهة.

ومن جهة اُخرى جعل هذه الحیوانات الضخمة القویّة طیّعة لکم تقدّمونها أضاحی إستجابةً لله تعالى، وتعملون عملا طیّباً یُساعد المحتاجین، وتستفیدون من لحومها فی تأمین حیاتکم. لهذا تقول الآیة فی الختام: (وبشّر المحسنین) اُولئک الذین استفادوا من هذه النعم الإلهیّة فی طاعة الله، وأنجزوا واجباتهم على خیر وجه، ولم یقصّروا فی الإنفاق فی سبیل الله أبداً، وفاعلوا الخیر هؤلاء لم یحسنوا للآخرین فقط، بل شمل إحسانهم أنفسهم على أفضل وجه أیضاً.

وقد تؤدّی مقاومة خرافات المشرکین التی أشارت إلیها الآیات السابقة إلى إثارة غضب المتعصّبین المعاندین، ووقوع إشتباکات محدودة أو واسعة، لهذا طمأن الله سبحانه وتعالى المؤمنین بنصره (إنّ الله یدافع عن الذین آمنو).

لتتّحد قبائل عرب الجاهلیة مع الیهود والنصارى والمشرکین فی شبه الجزیرة العربیة للضغط على المؤمنین کما یحلو لهم، فلن یتمکّنوا من بلوغ ما یطمحون إلیه، لأنّ الله وعد المؤمنین بالدفاع عنهم وعداً تجلّى صدقه فی دوام الإسلام حتى یوم القیامة، ولا یختصّ الدفاع الإلهی عن المؤمنین فی الصدر الأوّل للإسلام وحسب، بل هو ساری المفعول أبد الدهر، فإن کنّا على نهج الذین آمنوا. فالدفاع الإلهی عنّا أکید. ومن ذا الذی لا یلتمس دفاع الله سبحانه عن عباده الصالحین؟

وفی الختام توضّح هذه الآیة موقف المشرکین وأتباعهم بین یدی الله بهذه العبارة الصریحة (إنّ الله لا یحبّ کلّ خوّان کفور) اُولئک الذین أشرکوا بالله حتى أنّهم ذکروا أسماء أوثانهم عند التلبیة. فثبتت علیهم الخیانة والکفر لأنعم الله حیث یسمّون أوثانهم عند تقدیم الأضاحی، ولا یذکرون اسم الله علیها، فکیف یحبّ الله قوماً کهؤلاء الخونة الکفرة؟!


1. تفسیر مجمع البیان، ج 7، ص 86، ذیل الآیة مورد البحث، وتفسیر روح المعانی فی تفسیر هذه الآیة باختلاف یسیر.
2. وسائل الشیعة، ج 10، ص 138 ـ أبواب الذبح الباب 37.
3. کنز العرفان، ج 1، ص 314.
سورة الحجّ / الآیة 36 ـ 38 سورة الحجّ / الآیة 39 ـ 41
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma