المسیح یتکلّم فی المهد:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة مریم / الآیة 27 ـ 33 1ـ أوضح تصویر عن ولادة عیسى (علیه السلام)

وأخیراً رجعت مریم (علیها السلام) من الصحراء إلى المدینة وقد احتضنت طفلها (فأتت به قومها تحمله ) فلمّا رأوا طفلا حدیث الولادة بین یدیها فغرّوا أفواههم تعجّباً، فقد کانوا یعرفون ماضی مریم الطاهر، وکانوا قد سمعوا بتقواها وکرامتها، فقلقوا لذلک بشدّة، حیث شکّ بعضهم وتعجّل آخرون فی القضاء والحکم وأطلق العنان للسانه فی توبیخها وملامتها، وقالوا: إنّ من المؤسف هذا الإنحدار مع ذلک الماضی المضیء، ومع الأسف على تلوّث سمعة تلک الأسرة الطاهرة (قالوا یا مریم لقد جئت شیئاً فریاً (1) ).

والبعض الآخر واجهها، بالقول: (یا أخت هارون ما کان أبوک امرأ سوء وما کانت اُ مک بغیاً ) فمع وجود مثل هذا الأب والاُم الطاهرین، ما هذا الوضع الذی نراک علیه؟ فأىّ سوء رأیت فی سلوک الأب وخلق الاُم حتى تحیدی عن هذا الطریق؟

أمّا قولهم لمریم: (یا أخت هارون ) فقد وقع مثار الاختلاف بین المفسّرین، لکن یبدو أنّ الأصح هو أنّ هارون رجل طاهر صالح إلى الدرجة التی یضرب به المثل بین بنی إسرائیل، فإذا أرادوا أن یصفوا شخصاً بالطهارة والنزاهة، کانوا یقولون: إنّه أخو أو أخت هارون، وقد نقل العلاّمة الطبرسی فی مجمع البیان هذا المعنى فی حدیث قصیر عن النّبی (صلى الله علیه وآله) (2).

وفی حدیث آخر ورد فی کتاب سعد السعود، عن المغیرة، أنّ النّبی (صلى الله علیه وآله) بعثه إلى نجران لدعوتهم الى الإسلام فقالوا (معترضین على القرآن): ألستم تقرؤون (یا أخت هارون )وبینهما کذا وکذا» (حیث تصوّروا أنّ المراد هو هارون أخو موسى) فلمّا لم یستطع المغیرة جوابهم ذکر ذلک للنّبی (صلى الله علیه وآله) فقال: «ألا قلت لهم: إنّهم کانوا یسمّون بأنبیائهم والصالحین منهم» (3) أی ینسبون الأشخاص الصالحین منهم إلى الأنبیاء.

فی هذه الساعة، سکتت مریم بأمر الله، والعمل الوحید الذی قامت به، هو أنّها أشارت إلى ولیدها (فأشارت إلیه ). إلاَّ أنّ هذا العمل جعل هؤلاء یتعجبون أکثر، وربما حمل بعضهم على السخریة، ثمّ غضبوا فقالوا: مع قیامک بهذا العمل تسخرین من قومک أیضاً؟ (قالوا کیف نکلم من کان فی المهد صبیاً ).

لقد بحث المفسّرون هنا وتناقشوا کثیراً فی شأن کلمة «کان» الدالة على الماضی، إلاَّ أنّ الظاهر هو أنّ هذه الکلمة تشیر هنا إلى ثبوت ولزوم وصف موجود، وبتعبیر أوضح: إنّ هؤلاء قالوا لمریم: کیف نکلّم طفلا کان ولا یزال فی المهد؟

والشاهد على هذا المعنى آیات اُخرى من القرآن، مثل (کنتم خیر اُ مة أخرجت للناس )سورة آل عمران الآیة 110، فمن المسلّم أنّ «کنتم» لا تعنی الماضی هنا، بل هی بیان لثبوت واستمرار هذه الصفات للمجتمع الإسلامی.

وکذلک بحثوا حول «المهد»، فإنّ عیسى لم یکن قد وُضع فی المهد، بل إنّ ظاهر الآیات هو أنّ مریم بمجرّد أن حضرت بین الناس، وفی الوقت الذی کان عیسى على یدیها، جرى هذا الحوار بینها وبینهم.

إلاّ أنّ الإلتفات إلى معنى کلمة «المهد» فی لغة العرب سیوضّح جواب هذا السؤال، فإنّ کلمة المهد تعنی ـ کما یقول الراغب فی مفرداته ـ المکان الذی یهیّؤونه للطفل، سواء کان المهد، أو حجر الأم، أو الفراش، والمهد والمهاد ورد کلاهما فی اللغة بمعنى: المکان الممهد الموطأ، أی: للإستراحة والنوم.

على کل حال، فإنّ الناس قلقوا واضطربوا من سماع کلام مریم هذا، بل وربما غضبوا وقالوا لبعضهم البعض ـ حسب بعض الرّوایات ـ : إنّ استهزاءها وسخریّتها أشدّ علینا من انحرافها عن جادة العفة!

إلاَّ أنّ هذه الحالة لم تدم طویلا، لأنّ ذلک الطفل الذی ولد حدیثاً قد فتح فاه وتکلّم: (قال إنّی عبد الله آتانی الکتاب وجعلنی نبیّاً * وجعلنی مبارکاً أین ما کنت )، ومفیداً من کل الجهات للعباد (وأوصانی بالصلاة والزکاة ما دمت حیاً ).

وکذلک جعلنی مطیعاً ووفیّاً لاُمی (وبرّاً بوالدتی (4) ولم یجعلنی جباراً شقیاً ).

کلمة «جبار» تطلق على الشخص الذی یعتقد بأنّ له کلّ الحق على الناس ولا یعتقد بأنّ لأحد علیه حقاً.

وکذلک یطلقونها على الذی یضرب الناس ویقتلهم إذا غضب، ولا یتبع ما یأمر به العقل، أو أنّه یرید أن یسد نقصه ویغطّیه بادعاء العظمة والتکبّر، وهذه کلّها صفات بارزة للطواغیت المستکبرین فی کلّ زمان (5).

و«الشقی» تقال للشخص الذی یهىّء أسباب البلاء والعقاب لنفسه، وبعضهم فسّر ذلک بالذی لا یقبل النصیحة، ومن المعلوم أنّ هذین المعنیین لا ینفصلان عن بعضهما.

ونقرأ فی روایة، أنّ عیسى (علیه السلام) یقول «قلبی رقیق وأنا صغیر فی نفسی» (6) وهو إشارة إلى أنّ هذین الوصفین یقعان فی مقابل الجبار والشقی.

وفی النهایة یقول هذا المولود ـ أی المسیح ـ (والسلام علیّ یوم ولدت ویوم أ موت ویوم أبعث حیاً ) وکما قلنا فی شرح الآیات المتعلّقة بیحیى (علیه السلام)، فإنّ هذه الأیّام الثلاثة فی حیاة الإنسان أیّام مصیریة خطرة، لا تتیسّر السلامة فیها إلاّ بلطف الله، ولذلک جاءت هذه الآیة فی حق یحیى (علیه السلام) کما وردت فی شأن المسیح (علیه السلام)، مع الاختلاف بأنّ الله هو الذی قالها فی المورد الأوّل، أمّا فی المورد الثّانی فإنّ المسیح قد طلب ذلک.


1. «فریاً» بناء على قول الراغب فی المفردات ـ جاءت بمعنى العظیم أو العجیب، وفی الأصل من مادة «فری»، أی قص وقطع الجلد إمّا لإصلاحه أو إفساده.
2. تفسیر نورالثقلین، ج 3، ص 333.
3. المصدر السّابق.
4. «البَر» ـ بالفتح ـ بمعنى الشخص المحسن، فی حین أنّ «البِر» ـ بالکسر ـ بمعنى صفة الإنسان، وینبغی الإلتفات إلى أنّ هذه الکلمة فی الآیة عطف على «مبارکاً» لا على الصلاة والزکاة، والمعنى فی الواقع: (جعلنی برا بوالدتی).
5. لزیادة التوضیح حول «جبار»، وجواب هذا السؤال، وهو أنّه کیف تکون إحدى صفات الله سبحانه أنّه جبار؟ یراجع ذیل الآیة 59 من سورة هود من هذا التّفسیر.
6. التفسیر الکبیر، ذیل الآیة مورد البحث.
سورة مریم / الآیة 27 ـ 33 1ـ أوضح تصویر عن ولادة عیسى (علیه السلام)
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma