لا شک أنّ طلب الموت من الله عمل غیر صحیح، إلاّ أنّه قد تقع حوادث فی حیاة الإنسان یصبح فیها طعم الحیاة مرّاً، وخاصّة إذا رأى الإنسان أهدافه المقدسة أو شرفه وشخصیّته مهدّدة بالخطر، ولا یملک قدرة الدفاع عن نفسه أمامها، وفی مثل هذه الظروف یتمنّى الإنسان الموت للخلاص من العذاب الروحی.
لقد خطرت فی ذهن مریم فی اللحظات الاُولى هذه الأفکار، وتصوّرت بأنّ کلّ وجودها وکیانها وماء وجهها مهدّد بالخطر أمام هؤلاء الناس الجهلاء نتیجة ولادة هذا المولود، وفی
هذه اللحظات تمنّت الموت، وهذا بحدّ ذاته دلیل على أنّها کانت تحبّ عفتها وطهارتها وتهتم بهما أکثر من روحها، وتعتبر حفظ ماء وجهها أغلى من حیاتها.
إلاّ أنّ مثل هذه الأفکار ربّما لم تدم إلاّ لحظات قصیرة جدّاً، ولمّا رأت ذینک المعجزتین الإلهیتین ـ إنبعاث عین الماء، وحمل النخلة الیابسة ـ زالت کلّ تلک الأفکار عن روحها، وغمر قلبها نور الإطمئنان والهدوء.