قرأنا فی آخر آیة من الآیات السابقة أنّ المؤمنین آمنون من الفزع الأکبر وهمّه، وتجسّم هذه الآیة رعب ذلک الیوم العظیم، وفی الحقیقة تبیّن وتجسّد علّة عظمة وضخامة هذا الرعب، فتقول: (یوم نطوی السّماء کطی السجل للکتب)(1).
لقد کان الناس فی الأزمنة الغابرة یستعملون أوراقاً کالطومار لکتابة الرسائل والکتب، وکانوا یطوون هذا الطومار قبل الکتابة، ثمّ إنّ الکاتب یفتح منه تدریجیّاً ویکتب علیه ما یرید کتابته، ثمّ یُطوى بعد الانتهاء من الکتابة ویضعونه جانباً، ولذلک فقد کانت رسائلهم ومثلها کتبهم أیضاً على هیئة الطومار، وکان هذا الطومار یسمّى سجلا، إذ کان یستفاد منه للکتابة.
وفی هذه الآیة تشبیه لطیف لطیّ سجل عالم الوجود عند إنتهاء الدنیا، ففی الوقت الحاضر فإنّ هذا السجل مفتوح، وتقرأ کلّ رسومه وخطوطه، وکلّ منها فی مکان معیّن، أمّا إذا صدر الأمر الإلهی بقیام القیامة فإنّ هذا السجل العظیم سیطوى بکلّ رسومه وخطوطه.
طبعاً، لا یعنی طی العالم الفناء کما یتصوّر البعض، بل یعنی تحطّمه وجمعه، وبتعبیر آخر:
فإنّ شکل العالم وهیئته ستضطرب ویقع بعضه على بعض، لکن لا تفنى مواده، وهذه الحقیقة تستفاد من التعبیرات المختلفة فی آیات المعاد، وخاصّةً من آیات رجوع الإنسان من العظام النخرة، ومن القبور.
ثمّ تضیف (کما بدأنا أوّل خلق نعیده) وهذا التعبیر یشبه التعبیر الذی ورد فی الآیة 29 من سورة الأعراف: (کما بدأکم تعودون) أو أنّه مثل تعبیر (وهو الذی یبدأ الخلق ثمّ یعیده وهو أهون علیه)(2) (3).
أمّا ما احتمله بعض المفسّرین من أنّ المراد من هذا الرجوع هو الرجوع إلى الفناء والعدم، أو التلاحم والإرتباط کما فی بدایة الخلق، فیبدو بعیداً جدّاً.
وفی النهایة تقول الآیة: (وعد(4) علینا إنّا کنّا فاعلین)(5).
ویستفاد من بعض الرّوایات أنّ المراد من رجوع الناس إلى الحالة الاُولى، هو أنّهم یرجعون حفاة عراة مرّة اُخرى کما کانوا فی بدایة الخلق. ولکن لا شکّ أنّ هذا لا یعنی إنحصار معنى الآیة فی ذلک وإقتصاره علیه، بل إنّه أحد صور رجوع الخلق إلى الصورة الاُولى(6).