نار فی الجانب الآخر من الصحراء!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة طه / الآیة 9 ـ 16 1ـ المراد من قوله تعالى (فاخلع نعلیک)

من هنا تبدأ قصّة نبی الله الکبیر موسى (علیه السلام)، وتفصیل الجوانب المهمّة من هذه القصّة الملیئة بالأحداث سیأتی فی أکثر من ثمانین آیة، لتکون تهدئة ومواساة وتسلیة لخاطر النّبی (صلى الله علیه وآله) والمؤمنین الذین کانوا یعانون خلال تلک الفترة فی مکّة ضغوطاً شدیدةً من الأعداء، لیعلموا أنّ هذه القوى الشیطانیة لا طاقة لها فی مقاومة قدرة الله، وأنّ کلّ هذه الخطط والمؤامرات رسم على الماء.

وکذلک لیعتبروا بهذه الواقعة الملیئة بالعبر والمواعظ، ویستمرّوا فی طریقهم فی توحید الله وعبادته، ومحاربة فراعنة وسحرة کلّ عصر وزمان، وکذلک مجاهدة الانحرافات الداخلیة والرغبات المنحرفة... تلک العبر التی تستطیع أن یکون دلیلا ومرشداً لهم فی مسیرتهم الجهادیة.

ویمکن تقسیم مجموع الآیات التی تحدّثت عن موسى وبنی إسرائیل والفراعنة فی هذه السورة إلى أربعة أقسام:

القسم الأوّل: یتحدّث عن بدایة نبوّة موسى وبعثته، وأوّل ومضات الوحی، وبتعبیر آخر: فإنّ البحث یدور حول مرحلة قصیرة المدّة غنیّة المحتوى وقضاها موسى (علیه السلام) فی الوادی المقدّس فی تلک الصحراء المظلمة المقفرة.

القسم الثّانی: یتحدّث عن دعوة موسى وأخیه هارون لفرعون وملئه إلى دین التوحید، ثمّ اشتباکهما بالأعداء.

القسم الثّالث: یبحث عن خروج موسى وبنی إسرائیل من مصر، وکیفیة نجاتهم من قبضة فرعون وأتباعه، وغرق هؤلاء وهلاکهم.

القسم الرّابع: ویتحدّث حول الإتجاهات الانحرافیة الشدیدة لبنی إسرائیل عن دین التوحید إلى الشرک، وقبول وساوس السامری، ومواجهة موسى الحازمة لهذا الإنحراف.

ونعود الآن إلى الآیات مورد البحث، والتی ترتبط بالقسم الأوّل. فهذه الآیات تقول بتعبیر رقیق وجذّاب: (وهل أتاک حدیث موسى)؟ ومن البدیهی أنّ هذا الاستفهام لیس هدفه تحصیل الخبر، فهو سبحانه مطّلع على جمیع الأسرار، بل هو «استفهام تقریری»، وبتعبیر آخر فإنّ هذا الاستفهام، مقدّمة لبیان خبر مهم، کما نقول فی مکالماتنا الیومیة حینما نرید أن نبدأ بذکر خبر مهم: أسمعت هذا الخبر الذی...؟

ثمّ تقول: (إذ رأى ناراً فقال لأهله امکثوا إنّی آنست ناراً لعلی آتیکم منها بقبس أو أجد على النار هدى) فبملاحظة أنّ «القبس» یعنی الشعلة القلیلة التی تؤخذ من النار، وبملاحظة أنّ مشاهدة النار فی الصحاری تدل عادة على أنّ جماعة قد اجتمعوا حولها، أو أنّهم وضعوها على مرتفع حتى لا تضل القوافل الطریق فی اللیل، وأیضاً بملاحظة أنّ «مکثوا» ـ من مادة مکث ـ تعنی التوقّف القصیر، فمن مجموع هذه التعابیر یستفاد أنّ موسى وزوجته وابنه کانوا یقطعون الصحراء فی لیلة ظلماء... لیلة کانت مظلمة وباردة کان موسى قد ضلّ الطریق فیها، فجلبت انتباهه شعلة نار من بعید، وبمجرد رؤیتها قال لأهله: قفوا هنا قلیلا فقد رأیت ناراً سأذهب إلیها حتى آتیکم منها بقبس، أو أجد الطریق بواسطة النار أو من اجتمع حولها.

ونقرأ فی التواریخ أنّ موسى (علیه السلام) عندما انتهت مدّة عقده مع «شعیب» فی «مدین»، حمل زوجته وابنه وأغنامه وسار من مدین إلى مصر، فضلّ الطریق، وکانت لیلة مظلمة، فتفرّقت أغنامه فی الصحراء، فأراد أن یشعل ناراً فی ذلک اللیل البارد لیتدفّأ هو وأهله،

وحاول إشعال النار فلم یفلح، وفی هذه الأثناء عصفت بزوجته آلام الوضع!

لقد حاصره سیل من الحوادث الصعبة... وفی هذه الأثناء لاح لعینیه ضیاء من بعید، إلاّ أنّه لم یکن ناراً، بل کان نوراً إلهیّاً، وظنّ موسى أنّه نار، فسعى نحوها علّه یجد من یهدیه فی تلک الصحراء إلى الطریق، أو یأخذ لأهله جذوة منه(1).

والآن لنسمع بقیّة الحادثة من القرآن الکریم:

(فلمّا أتاها نودی یا موسى * إنّی أنا ربّک فاخلع نعلیک إنّک بالواد المقدس طوى). ویستفاد من الآیة 30 من سورة القصص، أنّ موسى قد سمع هذا النداء من جهة شجرة کانت هناک: (نودی من شاطىء الوادی الأیمن فی البقعة المبارکة من الشجرة أن یا موسى إنی أنا الله رب العالمین) یستفاد من مجموع هذین التعبیرین أنّ موسى لمّا اقترب شاهد النار فی داخل الشجرة ـ ویقول المفسّرون أنّها کانت شجرة العناب ـ وهذا بنفسه قرینة واضحة على أنّ هذه النار لیست ناراً عادیة، بل إنّ هذا النور الإلهی الذی لیس لم یحرق الشجرة وحسب، بل إنّه منسجم معها، ألا وهو نور الحیاة!

وقد هام موسى لدى سماعه هذا النداء المحیی للروح: (إنّی أنا ربّک) وشعر بکلّ وجوده بلذّة لا یمکن وصفها، فمن هذا الذی یتحدّث معی؟ إنّه ربّی الذی جللنی بالفخر لکلمة (ربّک) لیُعْلمنی بأنّی قد تربّیت وترعرعت منذ نعومة أظفاری وإلى الآن فی ظلّ رحمته وعنایته، وأصبحت مهیّئاً لرحمة عظیمة.

لقد اُمر أن یخلع نعلیه، لأنّه قد وضع قدمه فی أرض مقدّسة... الأرض التی تجلّى فیها النور الإلهی، ویسمع فیها نداء الله، ویتحمّل مسؤولیة الرسالة، فیجب أن یخطو فی الأرض بمنتهى الخضوع والتواضع، وهذا هو سبب خلعه النعل عن رجله.

بناء على هذا، فإنّ البحث المفصّل الذی بحثه بعض المفسّرین حول خلع النعل ـ ونقلوا أقوالا عن المفسّرین ـ یبدو زائداً. طبعاً لقد نقلت روایات فی باب تأویل هذه الآیة سنبحثها فی مقطع البحوث.

إنّ التعبیر بـ (طوى) إمّا لأنّ اسم تلک الأرض کان أرض طوى، کما قال ذلک أغلب المفسّرین، ولأنّ «طوى» فی الأصل بمعنى الإحاطة، وهنا کنایة عن أنّ البرکات المعنویة أحاطت هذه الأرض من کلّ جانب، ولهذا عُبّر عنها فی الآیة 30 من سورة القصص بأنّها (البقعة المبارکة).

ثمّ سمع هذا الکلام من نفس المتکلم: (وأنا اخترتک فاستمع لما یوحى) ومن بعدها تلقّى موسى أوّل جملة من الوحی على شکل ثلاثة اُمور: (إنّنی أنا الله لا إله إلاّ أنا فاعبدنی وأقم الصلاة لذکری) شرعت هذه الآیة فی بیان أهم أصل لدعوة الأنبیاء فی هذه الآیة، ألا وهو مسألة التوحید، وبعدها ذکرت موضوع عبادة الله الواحد کثمرة لشجرة الإیمان والتوحید، ثمّ أصدرت له أمر الصلاة بعد ذلک، وهی تعنی أکبر عبادة وأهم إرتباط بین الخلق والخالق، وأکثر الطرق تأثیراً فی عدم الغفلة عن الذات المقدسة.

إنّ هذه الأوامر الثلاثة، مع أمر الرسالة الذی ورد فی الآیة السابقة، ومسألة المعاد التی تأتی فی الآیة التالیة، تشکّل مجموعة کاملة ومضغوطة من أصول الدین وفروعه، وتکمّلها بالأمر بالاستقامة الذی سیأتی فی آخر الآیات مورد البحث.

ولمّا کان المعاد هو الأصل والأساس الثّانی، فبعد ذکر التوحید وأغصانه وفروعه، أضافت الآیة التالیة: (إنّ الساعة آتیة أکاد أخفیها لتجزى کل نفس بما تعسى).

فی هذه الجملة نقطتان یجب الإلتفات إلیهما:

الاُولى: إنّ معنى جملة (أکاد أخفیها): یقرب أن أخفی تاریخ قیام القیامة، ولازم هذا التعبیر أنّی لم أخفه من قبل، ونحن نعلم بصریح کثیر من آیات القرآن، أنّ أحداً لم یطّلع على تاریخ القیامة، کما فی الآیة 187 من سورة الأعراف حیث نقرأ: (یسألونک عن الساعة أیّان مرساها قل إنّما علمها عند ربّی).

لقد بحث المفسّرون هذا الموضوع، فالکثیر منهم یعتقد أنّ هذا التعبیر نوع من المبالغة ومعناه: إنّ وقت بدء وقیام القیامة مخفی ومجهول إلى الحدّ الذی أکاد أخفیه حتى عن نفسی. وقد وردت فی هذا الباب روایة أیضاً، ویحتمل أنّ هذه الفئة من المفسّرین قد اقتبسوا رأیهم من تلک الرّوایة.

والتّفسیر الآخر هو أنّ مشتقات (کاد) لا تعنی دائماً الإقتراب، بل تأتی أحیاناً بمعنى التأکید، ولذلک فإنّ بعض المفسّرین فسّر (أکاد) بـ (أرید) وقد جاء هذا المعنى صریحاً فی بعض متون اللغة(2).

والنقطة الاُخرى: إنّ علّة إخفاء تاریخ القیامة حسب الآیة، هی: (لتجزى کل نفس بما تسعى) وبتعبیر آخر: فإنّ کون الساعة مخفیة سیوجد نوعاً من حریة العمل للجمیع، ومن جهة اُخرى فإنّ وقتها لمّا لم یکن معلوماً بدقة، ویحتمل أن یکون فی أىّ وقت وساعة، فإنّ نتیجة هذا الخفاء هی حالة الإستعداد الدائم والتقبّل السریع للبرامج التربویة، کما قالوا فی فلسفة إخفاء لیلة القدر: إنّ المراد أن یحیى الناس کلّ لیالی السنة، أو کلّ لیالی شهر رمضان المبارک، ویتوجّهوا إلى الله سبحانه.

وأشارت الآیة الأخیرة إلى أصل اساسی یضمن تنفیذ کلّ البرامج العقائدیة والتربویة، فتقول: (فلا یصدنّک عنها من لا یؤمن بها واتبع هواه) والاّ فسوف تهلک (فتردى) فاصمد فی مقابل الکافرین ووساوسهم وعراقیلهم، ولا تدع للخوف من کثرتهم ومؤامرتهم وخططهم الخبیثة إلى قلبک سبیلا، ولا تشک مطلقاً فی أحقیّة دعوتک وأصالة دینک نتیجة هذه الضوضاء.

الملفت للنظر أنّ جملة «لا یؤمن» وردت هنا بصیغة المضارع، وجملة «واتبع هواه» بصیغة الماضی، وهی فی الحقیقة أشارت إلى هذه النکتة، وهی أنّ عدم إیمان منکری القیامة ینبع من أتباع هوى النفس، فهم یریدونأن یکونوا أحراراً ویفعلون ما تشتهی أنفسهم، فأىّ شیء أحسن من أن ینکروا القیامة حتى لا تُخدش حریّة میولهم وأهوائهم!


1. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث.
2. نقرأ فی قاموس اللغة، مادة کاد: وتکون بمعنى أراد، أکاد أخفیها: أرید.
سورة طه / الآیة 9 ـ 16 1ـ المراد من قوله تعالى (فاخلع نعلیک)
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma