لاتجهد نفسک إلى هذا الحد:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سبب النّزول سورة طه / الآیة 9 ـ 16

مرّة اُخرى نواجه الحروف المقطعة فی بدایة هذه السورة، والتی تثیر حبّ الاستطاع لدى الإنسان:

لقد بحثنا فی تفسیر الحروف المقطعة فی القرآن فی بدایة ثلاث سور بحثاً کافی(1)، غیر أنّنا نرى أنّ من اللازم أن نضیف هنا هذا المبحث، وهو أنّ من الممکن أن یکون لکلّ هذه الحروف المقطعة ـ أو على الأقل لقسم منها ـ معان ومفاهیم خاصّة، تماماً کالکلمة الواحدة التی تتضمّن محتوى معیّناً.

إنّنا نواجه فی کثیر من الرّوایات وکلمات المفسّرین فی بدایة هذه السورة وسورة «یس» هذا البحث، وهو أنّ «طه» تعنی: یا رجل، ونرى کلمة «طه» فی بعض شعر العرب أیضاً، ولها معنى شبیه بـ (یا رجل) أو قریب منه، ویمکن أن تعود هذه الأشعار إلى بدایة ظهور الإسلام، أو إلى ما قبل الإسلام(2).

وقد نقل لنا أحد المطلعین أنّ بعض علماء الغرب الملمّین بالدراسات الإسلامیة، یعمّمون هذه النظریة على کلّ الحروف المقطعة فی القرآن، ویعتقدون أنّ الحروف المقطعة فی بدایة کلّ سورة هی کلمة لها معنى خاص، أصبح بعضها متروکاً مع مرور الزمن، ووصل إلینا البعض، وإلاّ فإنّ من المستبعد أنّ مشرکی العرب یسمعون الحروف المقطعة ولا یفهمون منها شیئاً، ولا یدرکون لها معنى، ثمّ لا نراهم یسخرون ولا یستهزؤون منها، فی حین أنّه لا یُرى ولا یلاحظ فی أىّ من التواریخ أنّ هؤلاء الحمقى المتتبعین للعیوب والهفوات قد اتخذوا الحروف المقطعة وسیلة للقیام بردود فعل ضدّها وضد الإسلام.

وطبعاً من الصعب قبول هذا الرأی بصورة عامّة، وبالنسبة إلى کلّ حروف القرآن المقطعة، إلاّ أنّه یمکن قبوله فی البعض منها، وقد بُحث هذا الموضوع أیضاً فی الکتب الإسلامیة.

وممّا یلفت النظر، وهو أنّنا نقرأ فی حدیث عن الإمام الصادق (علیه السلام): «إنّ طه من أسماء النّبی (صلى الله علیه وآله)، ومعناه: یا طالب الحق الهادی إلیه» ویظهر من هذا الحدیث أنّ طه مرکّب من حرفین رمزیین، فالطاء إشارة إلى طالب الحق، والهاء إلى الهادی إلیه، ونحن نعلم أنّ استعمال الحروف الرمزیة وعلامات الإختصار فیما مضى وفی یومنا هذا أمر طبیعی وکثیر الاستعمال، خاصّة فی عصرنا الحاضر فإنّه کثیر التداول والاستعمال جدّاً.

وآخر کلام فی هذا الباب هو أنّ (طه) کـ (یس) قد أصبحت تدریجیاً وبمرور الزمان اسماً خاصاً للنّبی (صلى الله علیه وآله)، حتى أنّهم یسمّون آل النّبی (صلى الله علیه وآله) آل طه أیضاً، وعُبِّر عن الإمام المهدی عجل الله فرجه فی دعاء الندبة بـ (یا بن طه).

ثمّ تقول الآیة: (ما أنزلنا علیک القرآن لتشقى) فصحیح أنّ العبادة والتقرّب إلى الله عن طریق مناجاته من أفضل العبادات، إلاّ أنّ لکلّ عمل حساباً ومقداراً، وللعبادة أیضاً مقدارها، فلا یجب أن تجهد نفسک بالعبادة حتى تتورم قدماک، وبالتالی ستضعف قوّتک وتعجز عن التبلیغ والجهاد.

وینبغی الإلتفات إلى أنّ «تشقى» مأخوذة من مادة الشقاء ضدّ السعادة، إلاّ أنّ هذه المادة، وکما یقول الراغب فی المفردات، تأتی أحیاناً بمعنى المشقّة والتعب، والمراد فی الآیة هذا المعنى، کما یحکون ذلک أیضاً فی أسباب النّزول.

ثمّ تبیّن الآیة الاُخرى الهدف من نزول القرآن فتقول: (إلاّ تذکرة لمن یخشى). إنّ التعبیر بـ «تذکرة» من جهة، وبـ «من یخشى» من جهة اُخرى یشیر إلى واقع  لا یمکن إنکاره، وهو: إنّ التذکرة توحی بأنّ أسس ومقومات کلّ التعلیمات الإلهیّة موجودة فی أعماق روح الإنسان وطبیعته، وتعلیمات الأنبیاء تجعلها مثمرة، وتوصلها إلى حدّ النضج، کما نذکّر أحیاناً بمطلب وأمر ما.

لا نقول: إنّ الإنسان کان یعلم کلّ العلوم من قبل وزالت من ذاکرته، وإنّ أثر التعلیم فی هذا العالم هو التذکیر فحسب ـ کما ینقلون ذلک عن أفلاطون ـ بل نقول: إنّ مادتها الأصلیة قد أخفیت فی طینة الآدمی (دققوا ذلک).

إنّ تعبیر «من یخشى» یبیّن أنّ نوعاً من الإحساس بالمسؤولیة، والذی سمّاه القرآن بالخشیة، إذا لم یکن موجوداً فی الإنسان، فسوف لا یقبل الحقائق، لأنّ قابلیة القابل شرط فی حمل ونموّ کلّ بذرة وحبّة. وهذا التعبیر فی الحقیقة شبیه بما نقرؤه فی أوّل سورة البقرة: (هدى للمتقین).

ثمّ تتطرق الآیات إلى التعریف بالله تعالى المنزل للقرآن، لتّتضح عظمة القرآن من خلال معرفته، فتقول: (تنزیلا ممن خلق الأرض والسّماوات العلى)(3).

إنّ هذا التعبیر فی الحقیقة إشارة إلى ابتداء وانتهاء نزول القرآن، انتهاؤه إلى الأرض وابتداؤه من السماوات، وإذا لم تُضف هنا کلمة «وما بینهما» ـ کما فی بعض الآیات الاُخرى من القرآن ـ فربّما کان لهذا السبب، وهو أنّ الهدف کان بیان الإبتداء والإنتهاء.

على کل حال، فإنّ من المعلوم أنّ الله الذی عمّت قدرته وتدبیره وحکمته کلّ أرجاء الأرض والسماء، إذا أنزل کتاباً، فکم سیکون غنی المحتوى، وجنیّ الثمر؟!

ثمّ تستمر فی تعریف الله المنزل للقرآن فتقول: (الرحمن على العرش استوى) وکما قلنا سابقاً فی تفسیر الآیة: (ثمّ استوى على العرش)(4)، فإنّ کلمة عرش تقال للشیء الذی له سقف، وأحیاناً تطلق على نفس السقف، أو على الأسرّة المرتفعة القوائم کأسرّة وکراسی السلاطین، وفی قصّة سلیمان نقرأ: (أیّکم یأتینی بعرشها)(5).

من البدیهی أنّ الله سبحانه لیس له عرش، ولا حکومة کحکومة البشر، بل المراد من عرش الله کلّ عالم الوجود الذی یعتبر عرشه، وبناء على هذا فإنّ قوله تعالى: (استوى على العرش) کنایة عن تسلّط الله، وإحاطته الکاملة بعالم الوجود، ونفوذ أمره وتدبیره فی جمیع أنحاء العالم.

وأساساً فإنّ کلمة «عرش» فی لغة العرب، کنایة عن القدرة غالباً، فنقول مثلا: إنّ فلاناً قد أنزلوه من العرش، أو أزاحوه عنه، فهذا یعنی أنّهم قد أنهوا حکمه وقدرته، أو نقول: ثلّ عرشه.

وعلى کل حال، فإنّ من السخف أن یتوهّم الإنسان من هذا التعبیر جسمیة الله سبحانه.

ثمّ تتحدّث عن مالکیة الله بعد حاکمیته فتقول: (له ما فی السماوات وما فی الأرض وما بینهما وما تحت الثرى).

«الثرى» فی الأصل بمعنى التراب الرطب، ولمّا کانت قشرة الأرض ـ فقط ـ هی التی تجف نتیجة لأشعة الشمس وهبوب الریاح، وتبقى الطبقة السفلى ـ غالباً ـ رطبة، فإنّه یقال لهذه الطبقة: ثرى، وعلى هذا فإنّ (وما تحت الثرى) تعنی أعماق الأرض وجوفها، وکلّها مملوکة لمالک الملک وخالق عالم الوجود.

إلى هنا بُیّنت ثلاثة أرکان من أرکان صفات الله: الرکن الأوّل: «خالقیته»، والثّانی: «حاکمیته»، والثّالث: «مالکیته».

وأشارت الآیة التالیة إلى الرّکن الرّابع، أی: «العالمیة»، فقالت: (وإن تجهر بالقول فإنّه یعلم السر وأخفى). وهناک نقاش وبحث بین المفسّرین فی المراد من «أخفى» هنا:

فذهب بعضهم إلى أنّ السر هو أن یتحدّث إنسان مع آخر بصورة خفیّة، وأخفى: هو أن یحتفظ الإنسان بذلک القول والأمر فی قلبه ولا یحدّث به أحداً.

وذهب آخرون: إنّ «السر» هو ما أضمره الإنسان فی قلبه، و«أخفى» هو الذی لم یخطر على باله، إلاّ أنّ الله سبحانه مطّلع علیه وعالم به.

وقال ثالث: إنّ «السر» هو ما یقوم به الإنسان من عمل فی الخفاء، وأخفى: هی النیّة التی فی قلبه.

وقال رابع: إنّ (السر) یعنی أسرار الناس، و(أخفى) هی الأسرار التی فی ذات الله المقدّسة.

فی حدیث عن الإمامین الباقر والصادق (علیهما السلام): «السر ما أخفیته فی نفسک، وأخفى ما خطر ببالک ثمّ اُنسیته»(6). إنّ هذا الحدیث یمکن أن یکون إشارة إلى أنّ ما یتعلّمه الإنسان یودع فی مخزن الحافظة، غایة الأمر أنّ إرتباط الإنسان قد ینقطع أحیاناً مع زاویة من هذا المخزن، فتنتج حالة النسیان، ولذلک فإنّه إذا ما تذکّر ذلک المنسی بطریقة ما، فسیرى هذا المطلب واضحاً ومعروفاً لدیه، وبناء على هذا فإنّ ما ینساه الإنسان هو أخفى أسراره التی اُخفیت فی زوایا الحافظة، وقُطع إرتباطه بها بصورة مؤقتة، أو دائمة.

ولکن لا مانع على کلّ حال من أن تُجمع کلّ هذه التفاسیر التی ذکرت أعلاه فی مفهوم الکلمة ومعناها الواسع. وعلى هذا فقد رُسمت صورة واضحة عن علم الله اللامتناهی، وعرف مُنزل القرآن من مجموع الآیات أعلاه معرفة إجمالیة فی الأبعاد الأربعة: الخلقة، والحکومة، والمالکیة، والعلم.

والآیة التالیة ربّما تشیر إلى ما ذکرنا: (الله لا إله إلاّ هو له الأسماء الحسنى). وکما قلنا فی تفسیر الآیة 80 من سورة الأعراف، فإنّ التعبیر بالأسماء الحسنى قد ورد مراراً وتکراراً فی الآیات القرآنیة، وفی کتب الحدیث ومن البدیهی أنّ کلّ أسماء الله حسنة، ولکن لمّا کانت لبعض أسماء الله وصفاته أهمیة أکبر، فقد سمّیت بالأسماء الحسنى.

ونقرأ فی کثیر من الرّوایات التی وصلتنا عن النّبی (صلى الله علیه وآله) والأئمّة (علیهم السلام) أنّ لله 99 إسماً، وکلّ من دعاه بهذه الأسماء یستجاب دعاؤه، وکلّ من أحصاها فهو من أهل الجنّة، ویلاحظ هذا المضمون أیضاً فی مراجع الحدیث المعروفة عند أهل السنة أیضاً.

ویبدو أنّ المراد من إحصاء هذه الأسماء هو التخلّق بصفاتها، لا مجرّد ذکر ألفاظها، ولا شک أنّ من تخلّق بصفة العالم والقادر، أو الرحیم والغفور وأمثالها، وسطعت فی وجوده أشعة وقبسات من هذه الصفات الإلهیّة العظیمة، فإنّه من أهل الجنّة، وممن یستجاب دعاؤه.

ولمزید الإیضاح راجع الآیة 180 من سورة الأعراف من هذا التّفسیر.


1. بدایة سورة البقرة وآل عمران والأعراف من التّفسیر الأمثل.
2. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث.
3. هناک بحث بین المفسّرین فی محل «تنزیلا» من الإعراب، غیر أنّ الأصح أنّها مفعول مطلق لفعل مجهول محذوف، وکأنّ التقدیر: نُزل تنزیلا ممن خلق الأرض.
4. الأعراف، 54.
5. النمل، 38.
6. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث.
سبب النّزول سورة طه / الآیة 9 ـ 16
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma