أوّل لقاء مع فرعون الجبّار:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة طه / الآیة 42 ـ 48 1ـ قدرة الله العجیبة

الآن وقد أصبح کلّ شیء مهیّأً، وکلّ الوسائل قد جعلت تحت تصرّف موسى، فقد خاطب الله سبحانه موسى وهارون. بقوله: (إذهب أنت وأخوک بآیاتی) الآیات التی تشمل المعجزتین الکبیرتین لموسى (علیه السلام)، کما تشمل کلّ آیات الله وتعلیماته التی هی بذاتها دلیل على أحقّیة دعوته، خاصّة وأنّ هذه التعلیمات العظیمة المحتوى ظهرت على ید رجل قضى أهمّ سنیّ حیاته فی «رعی الأغنام»!.

ومن أجل رفع معنویاتهما، والتأکید على بذل أقصى ما یمکن من المساعی والجهود، فقد أضاف سبحانه قائلا: (ولا تنیا فی ذکری) وتنفیذ أوامری، لأنّ الضعف واللین وترک الحزم سیذهب بکلّ جهودکما أدراج الریاح، فأثبتا ولاتخافا من أىّ حادثة، ولا تضعفا أمام أىّ قدرة.

بعد ذلک، یبیّن الهدف الأساس لهذه الحرکة، والنقطة التی یجب أن تکون هدفاً لتشخیص المسار، فیقول: (اذهبا إلى فرعون إنّه طغى) فإنّه سبب کلّ الشقاء والتعاسة فی هذه المنطقة الواسعة، وما لم یتمّ إصلاحه فسوف لا ینجح أىّ عمل، لأنّ عامل تقدّم الاُمّة أو تخلّفها،

سعادتها أو شقائها وبؤسها هو قادتها وحکّامها، ولذلک یجب أن یکونوا هدفکما قبل الجمیع.

صحیح أنّ هارون لم یکن فی ذلک الحین حاضراً فی تلک الصحراء، ولکن الله أطلعه على هذه الحوادث کما ذکر المفسّرون، وقد خرج من مصر لإستقبال أخیه موسى لأداء هذه المهمّة، إلاّ أنّه لا مانع مطلقاً من أن یخاطبا معاً، وتوجّه إلیهما مأموریة تبلیغ الرسالة، فی الوقت الذی لم یحضر غیر واحد منهما.

ثمّ بیّنت الآیة طریقة التعامل المؤثّرة مع فرعون، فمن أجل أن تنفذا إلیه وتؤثّرا فیه (فقولا له قولا لیّناً لعلّه یتذکّر أو یخشى) والفرق بین «یتذکّر»«یخشى» هنا هو أنّکما إذا واجهتماه بکلام لطیف، رقیق، ملائم، وتبیّنان فی الوقت ذاته المطالب بصراحة وحزم، فیحصل أحد الاحتمالین: أن یقبل من صمیم قلبه أدلّتکما المنطقیّة ویؤمن، والاحتمال الآخر هو أن یخاف على الأقل من العقاب الإلهی فی الدنیا أو الآخرة، ومن زوال ملکه وقدرته، فیذعن ویسلم ولایخالفکما.

ویوجد احتمال ثالث أیضاً، وهو أنّه لا یتذکّر ولا یخشى، بل سیستمر فی طریق المخالفة والمجابهة، وقد اُشیر إلى ذلک بکلمة «لعلّ» وفی هذه الصورة فإنّ الحجّة قد تمّت علیه، وعلى کلّ حال فإنّ القیام بهذا العمل لا یخلو من فائدة.

لا شکّ أنّ الله تعالى یعلم عاقبة عمله، إلاّ أنّ التعبیرات المذکورة آنفاً درس لموسى وهارون وکلّ المصلحین والمرشدین إلى طریق الله(1).

ومع هذه الحال، فقد کان موسى وهارون قلقین من أنّ هذا الرجل القوی المتغطرس المستکبر، الذی عمّ رعبه وخشونته کلّ مکان، قد یقدم على عمل قبل أن یبلّغان الدعوة، ویهلکهما، لذلک (قالا ربّنا إنّنا نخاف أن یفرط علینا أو أن یطغى).

«یفرط» من مادّة فرط ـ على وزن شرط ـ أی السبق والعجلة، ولذلک یقال للشخص الذی یرد محلّ الماء أوّلا: فارط، ونقرأ فی کلام الإمام علی (علیه السلام) أمام قبور الموتى بجبّانة الکوفة: «أنتم لنا فرط سابق»(2).

على کلّ حال، فإنّ موسى وهارون کانا مشفقین من شیئین: فإمّا أن یقسو فرعون ویستخدم القوّة قبل أن یسمع کلامهما، أو أنّه یقدم على هذا العمل بعد سماعه هذا الکلام مباشرة، وکلتا الحالتین تهدّد مهمّتهما بالخطر.

إلاّ أنّ الله سبحانه قد أجابهما بحزم: ف(قال لا تخافا إنّنی معکما أسمع وأرى) وبناءً على هذا، فمع وجود الله القادر معکما فی کلّ مکان، الله الذی یسمع کلّ شیء، ویرى کلّ شیء، وهو حامیکما وسندکما، فلا معنى للخوف والرعب.

ثمّ یبیّن لهما بدقّة کیفیة إلقاء دعوتهما فی محضر فرعون فی خمس جمل قصار قاطعة غنیّة المحتوى، ترتبط أوّلها بأصل المهمّة، والثّانیة ببیان محتوى المهمّة، والثّالثة بذکر الدلیل والسند، والرّابعة بترغیب الذین یقبلونها، وأخیراً فإنّ الخامسة تکفّلت بتهدید المعارضین.

فتقول أوّلا: (فأتیاه فقولا إنّا رسولا ربّک) والجمیل هنا أنّهما بدل أن یقولا: (ربّنا) فإنّهما یقولان (ربّک) لیثیروا عواطف فرعون وإحساساته تجاه هذه النقطة بأنّ له ربّاً، وأنّهما رسولاه، ویکونان قد أفهماه بصورة ضمنیّة أنّ إدّعاء الرّبوبیة لا یصحّ من أىّ أحد، فهی مختصّة بالله.

ثمّ تقول: (فأرسل معنا بنی إسرائیل ولا تعذّبهم). الصحیح أنّ دعوة موسى لم تکن من أجل نجاة بنی إسرائیل من قبضة الفراعنة فقط، بل کانت ـ وبشهادة سائر آیات القرآن ـ تهدف أیضاً إلى نجاة فرعون والفراعنة أنفسهم من قبضة الشرک وعبادة الأوثان، إلاّ أنّ أهمیّة هذا الموضوع، وإرتباطه المنطقی بموسى کان السبب فی أن یضع إصبعه على هذه المسألة، لأنّ إستغلال وإستعباد بنی إسرائیل مع کلّ ذلک التعذیب والأذى لم یکن أمراً یمکن توجیهه.

ثمّ أشارت إلى دلیلهما ووثیقتهما، فتقول: قولا له: (قد جئناک بآیة من ربّک) فإنّا لا نتکلّم إعتباطاً أو جزافاً، ولا نتحدّث من دون أن نمتلک الدلیل، وبناءً على هذا، فإنّ العقل یحکم بأن تفکّر فی کلامنا على الأقل، وأن تقبله إن کان صحیحاً ومنطقیّاً.

ثمّ تضیف الآیة من باب ترغیب المؤمنین: (والسلام على من اتّبع الهدى). وهذه الجملة یمکن أن تشیر أیضاً إلى معنى آخر، وهو أنّ السلامة فی هذه الدنیا، والعالم الآخر من الآلام والعذاب الإلهی الألیم، ومن مشاکل الحیاة الفردیة والاجتماعیة، من نصیب اُولئک الذین یتّبعون الهدى الإلهی، وهذه فی الحقیقة هی النتیجة النهائیة لدعوة موسى.

وأخیراً، فإنّ الله یأمرهما أن یُفهماه العاقبة المشؤومة للتمرّد على هذه الدعوة وعصیانها، بقولهما له: (إنّا قد اُوحی إلینا أنّ العذاب على من کذّب وتولّى).

من الممکن أن یتوهّم متوهّم عدم تناسب هذه العبارة والحوار الملائم اللذین کانا قد اُمرا بهما. إلاّ أنّ هذا خطأ محض، فأىّ مانع من أن یقول طبیب حریص باُسلوب مناسب لمریضه: کلّ من یستعمل هذا الدواء سیشفى وینجو، وکلّ من یترکه فسینزل به الموت.

إنّ هذا بیان لنتیجة التعامل غیر المناسب مع واقع ما، ولا یوجد فیه تهدید خاص، ولا شدّة فی التعامل، وبتعبیر آخر: فإنّ هذه حقیقة یجب أن تقال لفرعون بدون لفّ ودوران، وبدون أی تغطیة وتوریة.


1. لقد بحثنا فی معنى (لعلّ) وبأىّ معنى وردت فی القرآن بصورة مفصّلة فی ذیل الآیة 84 من سورة النساء.
2. نهج البلاغة، الکلمات القصار، الکلمة 130.
سورة طه / الآیة 42 ـ 48 1ـ قدرة الله العجیبة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma