تبدأ هذه السورة بآیتین تشیران إلى یوم البعث ومقدّماته، وهما آیتان تبعدان الإنسان ـ دون إرادته ـ عن هذه الحیاة المادیة العابرة، لیفکّر بالمستقبل المخیف الذی ینتظره، المستقبل الذی سیکون جمیلا وسعیداً إن فکّرت فیه الیوم، ولکنّه مخیفٌ حقّاً إن لم تعدّ العدّة له، والآیة المبارکة: (یاأیّها الناس اتّقوا ربّکم إن زلزلة الساعة شیء عظیم ). خطاب للناس جمیعاً بلا استثناء، فقوله تعالى: (یاأیّها الناس ) دلیل واضح على عدم التفریق بینهم من ناحیة العنصر، واللغة، والزمان، والأماکن الجغرافیة، والطوائف، والقبائل، فهو موجّه للجمیع: المؤمن والکافر، والکبیر والصغیر، والشیخ والشابّ، والرجل والمرأة، على إمتداد العصور.
وعبارة (اتّقوا ربّکم ) خلاصة لجمیع برامج السعادة، فهی تبیّن التوحید فی «ربّکم» من جهة والتقوى من جهة اُخرى. وبهذا جمعت البرامج الإعتقادیة والعملیّة.
وجملة (إنّ زلزلة الساعة شیء عظیم ) التی جاءت فی عدد من الآیات القرآنیة، وتکرّر هنا الحدیث عنها بشکل مختصر، تقرّر أنّ البعث یحدث ثورة وتبدّلا حادّاً فی عالم الوجود، الجبال تقتلع من مکانها، وتموج البحار، وتنطبق السّماء على الأرض، ثمّ یبدأ عالم جدید وحیاة جدیدة، ویسیطر ذعر شدید على الناس یفقدهم صوابهم.
ثمّ بیّنت الآیة التالیة فی عدّة جمل إنعکاس هذا الذعر الشدید، فقالت: (یوم ترونها تذهل کلّ مرضعة عمّا أرضعت ) من شدّة الوحشة والرعب.
(وتضع کلّ ذات حمل حمله ).
وثالث إنعکاس لهذا الذعر الشدید: (وترى الناس سکارى وما هم بسکارى ) وعلّة ذلک هو شدّة العذاب فی ذلک الیوم (ولکن عذاب الله شدید ) هذا العذاب الذی أرعب الناس وأفقدهم صوابهم.
