آدم ومکر الشّیطان:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة طه / الآیة 115 ـ 122 هل إرتکب آدم معصیة؟

کان القسم الأهمّ من هذه السورة فی بیان قصّة موسى (علیه السلام) وبنی إسرائیل، والمواجهة بینهم وبین فرعون وأنصاره، إلاّ أنّ هذه الآیات وما بعدها تتحدّث عن قصّة آدم وحواء، وعداء ومحاربة إبلیس لهما، وربّما کانت إشارة إلى أنّ الصراع بین الحقّ والباطل لا ینحصر بالأمس والیوم، وموسى(علیه السلام) وفرعون، بل کان منذ بدایة خلق آدم وسیستمر کذلک.

وبالرغم من أنّ قصّة آدم وإبلیس قد وردت مراراً فی القرآن، إلاّ أنّها تمتزج فی کلّ مورد بملاحظات ومسائل جدیدة، وهنا تتحدّث أوّلا عن عهد الله إلى آدم فتقول: (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسی ولم نجد له عزماً).

هناک عدّة آراء فی ماهیّة العهد المذکور، فقال البعض: إنّه أمر الله بعدم الإقتراب من الشجرة الممنوعة، وهناک روایات متعدّدة تؤیّد هذا المعنى. فی حین أنّ بعض المفسّرین احتملوا احتمالات اُخرى یمکن اعتبارها بمثابة الأغصان والأوراق لهذا المعنى، کإخطار الله لآدم بأنّ الشیطان عدوّ مبین له، ویجب أن لایتبعه.

وأمّا «النسیان» هنا فمن المسلّم أنّه لیس بالمعنى المطلق، لأنّه لا معنى للعتاب والملامة فی النسیان المطلق، بل إنّه إمّا بمعنى الترک کما نستعمل ذلک فی مکالماتنا الیومیّة، فقد نقول لمن لم یف بعهده: أنسیت عهدک؟ أی إنّک کالناسی، أو أنّه بمعنى النسیان الذی یطرأ نتیجة قلّة الإنتباه وشرود الذهن.

والمراد من «العزم» هنا هو التصمیم والإرادة القویّة الصلبة التی تحفظ الإنسان من الوقوع تحت تأثیر وساوس الشیطان القویّة.

وعلى کلّ حال، فلا شکّ أنّ آدم لم یرتکب معصیة، بل بدر منه ترک الأولى، أو بتعبیر آخر، فإنّ مرحلة وجود آدم فی الجنّة لم تکن مرحلة تکلیف، بل کانت مرحلة تجریبیّة للإستعداد للحیاة فی هذه الدنیا وتقبّل المسؤولیة، خاصّةً وإنّ نهی الله هنا کان نهیاً إرشادیاً، لأنّه قد أخبره بأنّه إن أکل من الشجرة الممنوعة فسیبتلى بالشقاء، وقد أوردنا تفصیل کلّ ذلک، وکذلک المراد من الشجرة الممنوعة وأمثال ذلک فی ذیل الآیات 19 ـ 22 من سورة الأعراف.

ثمّ أشارت إلى جانب آخر من هذه القصّة، فقالت: (وإذ قلنا للملائکة اسجدوا لآدم فسجدوا إلاّ إبلیس أبى) ومن هنا یتّضح مقام آدم العظیم، آدم الذی سجدت له الملائکة، وأبدت هذه المخلوقات العظیمة إحترامها إیّاه. کما أنّ عداوة إبلیس تجلّت له ضمناً من أوّل الأمر إذ لم یخضع لآدم ولم یعظّمه.

لا شکّ أنّ السجدة لا تعنی السجدة الخاصّة بعبادة الله، ولا أحد أو موجود یستحقّ أن یکون معبوداً من دون الله سبحانه، وبناءً على هذا فإنّ هذه السجدة کانت لله، غایة ما هناک أنّها کانت من أجل خلق هذا الموجود العظیم، أو أنّ السجدة هنا تعنی الخضوع والتواضع.

على کلّ حال، فإنّ الله سبحانه تعالى أنذر آدم بقوله (فقلنا یاآدم إنّ هذا عدو لک ولزوجک فلا یخرجنکما من الجنّة فتشقى).

من الواضح أنّ الجنّة هنا لا یراد منها جنّة الخلود فی العالم الآخر، والتی هی نقطة تکامل لا یمکن الخروج منها أو التراجع عن نعیمها، بل کانت بستاناً فیه کلّ شیء ممّا فی بساتین هذه الدنیا، ولم یکن فیها نصب ولا غصّة بلطف الله، ولذلک فإنّ الله سبحانه قد أنذر آدم بأنّک إن خرجت من هذا النعیم فإنّک ستشقى، وکلمة «تشقى» من مادّة الشقاء، وأحد معانیها الألم والمشقّة.

سؤال: لماذا خاطب الله الإثنین معاً ـ أی آدم وحواء ـ فی بدایة الأمر فقال: (فلا یخرجنکما) إلاّ أنّه ذکر نتیجة الخروج بصیغة المفرد فی شأن آدم فقط فقال: (فتشقى

والجواب هو: إنّ هذا الاختلاف فی التعبیر قد یکون إشارة إلى أنّ الآلام والأتعاب کانت تصیب آدم فی الدرجة الاُولى، فإنّه کان مأموراً بتحمّل مسؤولیات زوجته أیضاً، وهکذا کانت مسؤولیة الرجال من بدایة الأمر، أو أنّ العهد لمّا کان من البدایة على عاتق آدم، فإنّ النهایة أیضاً ترتبط به.

ثمّ یبیّن الله لآدم راحة الجنّة وهدوءها، وألم ومشقّة الخروج منها، فیقول: (إنّ لک ألاّ تجوع فیها ولا تعرى * وأنّک لا تظمأ فیها ولا تضحى).(1)

وهنا سؤال یوجّه للمفسّرین، وهو: لماذا إقترن ذکر الظمأ بضحى الشمس، والجوع بالعری، فی حین أنّ المعتاد ذکر العطش مع الجوع؟

قیل فی الجواب: إنّ بین العطش وأشعّة الشمس علاقة لا یمکن إنکارها. («تضحى» من مادّة «ضحى» أی إشراق الشمس من دون أن یحجبها حاجب من سحاب وأمثاله).

وأمّا الجمع بین الجوع والعری فقد یکون بسبب أنّ الجوع نوع من عراء الجوف وخلوّه من الغذاء! والأفضل أن یقال: إنّ هذین الوصفین ـ الجوع والعری ـ علامتان واضحتان للفقر تأتیان معاً عادةً.

وعلى کلّ حال، فقد اُشیر فی هاتین الآیتین إلى أربع إحتیاجات أصلیة وابتدائیة للإنسان، أی: الحاجة إلى الغذاء، والماء، واللباس ـ للحمایة من حرارة الشمس ـ والمسکن، وکأنّ تأمین هذه الحاجات نتیجة توفّر النعمة، وذکر هذه الاُمور فی الواقع توضیح لما جاء فی جملة «فتشقى».

لکن، ومع کلّ ذلک، فإنّ الشیطان قد ربط رباط العداوة حول آدم، ولهذا لم یهدأ له بال: (فوسوس إلیه الشیطان قال یاآدم هل أدلّک على شجرة الخلد وملک  لا یبلى).

«الوسوسة» فی الأصل تعنی الصوت المنخفض جدّاً، ثمّ قیلت لخطور الأفکار السافلة والخواطر السیّئة سواء کانت تنبع من داخل الإنسان، أو من خارجه.

إنّ الشیطان تتبّع رغبة آدم وأنّها فی أىّ شیء، فوجد أنّ رغبته فی الحیاة الخالدة والوصول إلى القدرة الأزلیّة، ولذلک جاء إلیه عن هذین العاملین وإستغلّهما فی سبیل جرّه إلى مخالفة أمر الله. وبتعبیر آخر: فکما أنّ الله قد وعد آدم بأنّک إن تجنّبت الشیطان وخالفته فستحظى بالتنّعم فی الجنّة دائماً، فإنّ الشیطان قد وسوس إلیه عن هذا الطریق «أی أنّه سیخلد فی الجنّة أیضاً».

أجل... إنّ الشیاطین یبدؤون دائماً فی بادیة خططهم من نفس النقاط والطرق التی یبدأ منها المرشدون إلى طریق الحقّ، لکن لا تمرّ الأیّام حتى یجرّوهم إلى هاویة الانحراف، ویجعلون جاذبیة طریق الحقّ وسیلة للوصول إلى المتاهات.

وأخیراً وقع المحذور، وأکل آدم وحواء من الشجرة الممنوعة، فتساقط عنهما لباس الجنّة، فبدت أعضاؤهما: (فأکلا منها فبدت لهما سوءاتهما)(2) فلمّا رأى آدم وحواء ذلک إستحییا (وطفقا یخصفان علیهما من ورق الجنّة)(3). نعم، لقد کانت العاقبة المؤسفة (وعصى آدم ربّه فغوى).

«غوى» اُخذت من مادّة الغی، أی العمل الصبیانی الناشىء من إعتقاد خاطىء، ولمّا کان آدم هنا قد أکل ـ جهلا وإشتباهاً ـ من الشجرة المحرّمة، نتیجة للظنّ الذی حصل له من قول الشیطان، فقد عُبّر عن عمله بـ(غوى).

وفسّره بعض المفسّرین بأنّه الجهل الناشىء عن الغفلة، والبعض فسّرها بالمحرومیة، والبعض الآخر بالفساد فی الحیاة.

وعلى کلّ حال فإنّ «الغی» یقابل «الرشد»، والرشد هو أن یسلک الإنسان طریقاً یوصله إلى هدفه ومقصده، أمّا الغی فهو عدم الوصول إلى المقصود.

ولکن لمّا کان آدم نقیّاً ومؤمناً فی ذاته، وکان یسیر فی طریق رضى الله سبحانه، وکان لهذا الخطأ الذی أحاط به نتیجة وسوسة الشیطان صفة استثنائیة، فإنّ الله سبحانه لم یبعده عن رحمته إلى الأبد، بل (ثمّ إجتباه ربّه فتاب علیه وهدى).


1. «تضحى» من مادة «ضحى» بمعنى شروق الشمس دون ان یحجبها الغمام وأمثاله.
2. «سوءات» جمع «سوءة»، وهی فی الأصل کلّ شیء غیر سار ویسیء الإنسان، ولذلک تطلق أحیاناً على جسد المیّت، وأحیاناً على العورة، والمراد هنا هو المعنى الأخیر.
3. «یخصفان» من مادّة «خصف» ، وهی هنا تعنی خیاطة اللباس.
سورة طه / الآیة 115 ـ 122 هل إرتکب آدم معصیة؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma