هؤلاء أنبیاء الله، ولکن...

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة مریم / الآیة 56 ـ 60 1ـ من هو إدریس؟

فی آخر قسم من تذکیرات هذه السورة، جاء الحدیث عن «إدریس» النّبی، فقالت الآیة أوّلا: (واذکر فی الکتاب إدریس إنّه کان صدیقاً نبیّاً)  و«الصدیق» ـ کما قلنا سابقاً ـ هو الشخص الصادق جدّاً، والمصدق بآیات الله سبحانه، والمذعن للحق والحقیقة.

ثمّ تشیر الآیة إلى مقامه العالی وتقول: (ورفعناه مکاناً علیاً). وهناک بحث بین المفسّرین فی أنّ المراد هل هو عظمة مقام إدریس المعنویة، أم الإرتفاع المکانی بین المفسّرین فی أنّ المراد هل هو عظمة مقام إدریس المعنویة، أم الإرتفاع المکانی الحسی؟ فالبعض اعتبر ذلک ـ کما ذهبنا إلیه ـ إشارة إلى المقامات المعنویة والدرجات الروحیة لهذا النّبی الکبیر، والبعض الآخر یعتقد أنّ الله سبحانه قد رفع إدریس کالمسیح إلى السماء، واعتبروا التعبیر بـ (مکان علیّ) إشارة إلى هذا.

إلاّ أنّ إطلاق کلمة المکان على المقامات المعنویة أمر متداول وطبیعی، فنحن نرى فی الآیة 77 من سورة یوسف أنّ یوسف قد قال لإخوته العاصین: (أنتم شرّ مکاناً).

وعلى کل حال، فإنّ إدریس واحد من أنبیاء الله المکرمین، وسیأتی شرح حاله فی البحوث القادمة إن شاء الله تعالى.

ثمّ تبیّن الآیة التالیة بصورة جماعیة عن کلّ الإمتیازات والخصائص التی مرّت فی الآیات السابقة حول الأنبیاء العظام وصفاتهم وحالاتهم والمواهب التی أعطاهم الله إیاها، فتقول: (اُولئک الذین أنعم الله علیهم من النّبیین من ذریة آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذریة إبراهیم وإسرائیل).

ومع أنّ کلّ هؤلاء الأنبیاء کانوا من ذریة آدم، غیر أنّهم لقربهم من أحد الأنبیاء الکبار فقد سُمّوا بذریة إبراهیم وإسرائیل، وعلى هذا فإنّ المراد من ذریة آدم فی هذه الآیة هو إدریس، حیث کان ـ حسب المشهور ـ جدّ النّبی نوح، والمراد من الذریة هم الذین رکبوا مع نوح فی السفینة، لأنّ إبراهیم کان من أولاد سام بن نوح.

والمراد من ذریة إبراهیم إسحاق وإسماعیل ویعقوب، والمراد من ذریة إسرائیل: موسى وهارون وزکریا ویحیى وعیسى، والذین أشیر فی الآیات السابقة إلى حالاتهم وکثیر من صفاتهم البارزة المعروفة.

ثمّ تکمل الآیة هذا البحث بذکر الأتباع الحقیقیین لهؤلاء الأنبیاء، فتقول: (وممن هدینا واجتبینا إذا تتلى علیهم آیات الرحمن خروا سجداً وبکیاً)(1).

لقد اعتبر بعض المفسّرین جملة (وممن هدینا واجتبینا... ) بیاناً آخر لنفس هؤلاء الأنبیاء الذین أشیر إلیهم فی بدایة هذه الآیة، إلاّ أنّ ما قلناه أعلاه یبدو أنّه أقرب للصواب(2). والشاهد على هذا الکلام الحدیث المروی عن الإمام زین العابدین علی بن الحسین(علیه السلام)، إذ قال أثناء تلاوة هذه الآیة: «نحن ُعنینا بها»(3).

ولیسَ المراد من هذه الجملة هو الحصر مطلقاً، بل هی مصداق واضح لمتبعی وأولیاء الأنبیاء الواقعیین، وقد مرّت بنا نماذج من مصادیق هذا البحث فی تفسیر الأمثل هذا، إلاّ أنّ عدم الإلتفات إلى هذه الحقیقة سبّب أن یقع بعض المفسّرین ـ کالآلوسی فی روح المعانی ـ فی خطأ حیث طعن فی هذا الحدیث، وعدّه دلیلا على کون أحادیث الشیعة غیر معتبرة! وهذه هی نتیجة عدم الإحاطة بالمفهوم الواقعی للروایات الواردة فی تفسیر الآیات.

وممّا یستحق الإنتباه أنّ الحدیث فی الآیات السابقة کان عن مریم، فی حین أنّها لم تکن من الإنبیاء، بل کانت داخلة فی جملة (ممن هدینا) وتعتبر من مصادیقها، ولها فی کلّ زمان ومکان مصداق أو مصادیق، ومن هنا نرى أنّ الآیة 69 من سورة النساء لم تحصر المشمولین بنعم الله بالأنبیاء، بل أضافت إلیهم الصدیقین والشهداء: (فاُولئک مع الذین أنعم الله علیهم من النّبیین والصدیقین والشهداء) وکذلک عبّرت الآیة 75 من سورة المائدة عن مریم أم عیسى بالصدیقة، فقالت: (وأمه صدیقة).

ثمّ تتحدّث الآیات عن جماعة انفصلوا عن دین الأنبیاء المربی للإنسان، وکانوا خلفاً سیئاً لم ینفّذوا ما أرید منهم، وتعدد الآیة قسماً من أعمالهم القبیحة، فتقول: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف یلقون غیاً).

(خَلْف) بمعنى الأولاد الطالحین، و(خَلَف) بمعنى الأولاد الصالحین.

وهذه الجملة قد تکون إشارة إلى جماعة من بنی إسرائیل ساروا فی طریق الضلال، فنسوا الله، ورجّحوا اتباع الشهوات على ذکر الله، وملؤوا الدنیا فساداً، وأخیراً ذاقوا وبال أعمالهم السیّئة فی الدنیا، وسیذوقونه فی الآخرة أیضاً.

واحتمل المفسّرون احتمالات عدیدة فی أنّ المراد من (إضاعة الصلاة) هنا هل هو ترک الصلاه، أم تأخیرها عن وقتها، أم القیام بأعمال تضیع الصلاة فی المجتمع؟ إنّ المعنى الأخیر ـ کما یبدو ـ هو الأصح.

لماذا کان التأکید على الصلاة ـ هنا ـ من بین کلّ العبادات؟

قد یکون السبب أنّ الصلاة ـ کما نعلم ـ سدّ یحول بین الإنسان والمعاصی، فإذا کسر هذا السد فإنّ الغرق فی الشهوات هو النتیجة القطعیة لذلک، وبتعبیر آخر، فکما أنّ الأنبیاء یبدؤون فی ارتقاء مراتبهم ومقاماتهم من ذکر الله، وعندما کانت تتلى علیهم آیات الله کانوا یخرّون سجداً ویبکون، فإنّ هذا الخلف الطالح بدأ انحرافهم وسقوطهم من نسیانهم ذکر الله.

ولمّا کان منهج القرآن فی کلّ موضع هو فتح ابواب الرجوع إلى الإیمان والحق دائماً، فإنّه یقول هنا أیضاً بعد ذکر مصیر الأجیال المنحرفة: (إلاّ من تاب وآمن وعمل صالحاً فاُولئک یدخلون الجنّة ولا یظلمون شیئاً)، وعلى هذا فلا یعنی أنّ الإنسان إذا غاص یوماً فی الشهوات فسیکتب على جبینه الیأس من رحمة الله، بل إنّ طریق التوبة والرجوع مفتوح ما بقی نفس یتردد فی صدر الإنسان، وما دام الإنسان على قید الحیاة.


1. «سُجّد» جمع «ساجد»، و«بُکّی» جمع باک.
2. لأنّها إذا کانت إشارة للأنبیاء السابقین، فإنّها لا تناسب الفعل المضارع «تتلى» الذی یتعلّق بالمستقبل، إلاّ أن نقدّر جملة «کانوا» وأمثالها، وهی خلاف الظاهر أیضاً.
3. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث.
سورة مریم / الآیة 56 ـ 60 1ـ من هو إدریس؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma