التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة مریم / الآیة 73 ـ 76 سورة مریم / الآیة 77 ـ 82

هذه الآیات تتابع ما مرّ فی الآیات السابقة فی الحدیث عن الظالمین الذین لا إیمان لهم، وتتعرّض لجانب آخر من منطق هؤلاء الظالمین ومصیرهم.

ومن المعلوم أنّ أوّل جماعة آمنت بالرّسول الأعظم(صلى الله علیه وآله) کانوا من المستضعفین الطاهری القلوب، والذین خلت أیدیهم من مال الدنیا ومغریاتها... هؤلاء المحرومون هم الذین جاءت الأدیان الإلهیّة من أجل إنقاذهم من قبضة الظالمین الجائرین: بلال وسلمان، وعمار، وخباب، وسمیة، وأمثالهم مصادیق بارزة لهؤلاء المؤمنین المظلومین.

ولمّا کان المعیار فی المجتمع الجاهلی فی ذلک الزمان ـ وکذا فی کلّ مجتمع جاهلی آخر ـ هو الذهب والزینة والمال والمقام والمنصب والهیئة الظاهریة، فکان الأثریاء الظالمون، کالنضربن الحارث وأمثاله یفتخرون على المؤمنین الفقراء بذلک ویقولون: إنّ علامة شخصیتنا معنا، وعلامة عدم شخصیتکم فقرکم ومحرومیتکم، وهذا بنفسه دلیل على أحقیّتنا وباطلکم! کما یقول القرآن الکریم فی أوّل آیه من الآیات مورد البحث: (وإذا تتلى علیهم آیاتنا بینات قال الذین کفروا للذین آمنوا أی الفریقین خیر مقاماً وأحسن ندیاً).

خاصّة وأنّنا نقرأ فی الرّوایات الإسلامیة أنّ هؤلاء الأشراف المترفین کانوا یلبسون

أجمل ملابسهم، ویتزیّنون بأبهى زینة، ویتبخترون أمام أصحاب رسول الله(صلى الله علیه وآله)، وکانوا ینظرون إلیهم نظرة تحقیر واستهزاء... نعم، هذه طریقة هذه الطبقة فی کلّ عصر وزمان.

«الندیّ» أخذت فی الأصل من (الندى) أی الرطوبة، ثمّ جاءت بمعنى الأفراد الفصحاء والخطباء، لأنّ أحد شروط القدرة على التکلّم امتلاک القدر الکافی من اللعاب، ولذلک فإنّ (ندیّ) تعنی المجالسة والتحدّث، بل یقال للمجلس الذی یجتمعون فیه للأنس والسمر، أو یجلسون فیه للتشاور: نادی، ومن هذا أخذت (دار الندوة) وهی المحل الذی کان فی مکّة، وکان یجتمع فیه زعماؤها للتشاور.

وقد یعبّر عن السخاء والبذل والعطاء بـ (الندى)(1) وهذه الآیة یمکن أنّ تکون إشارة إلى کلّ هذه المعانی، أی: إنّ مجلس أنسنا أجمل من مجلسکم، وإنّ مالنا وثروتنا وزینتنا ولباسنا أبهى وأروع، وإنّ کلامنا وأشعارنا الفصیحة والبلیغة أبلغ وأحسن!

إلاّ أنّ القرآن الکریم یجیب هؤلاء بجواب منطقی ومستدل تماماً، وفی الوقت نفسه قاطع ومفحم، فیقول: کأنّ هؤلاء قد نسوا تاریخ البشر، ولم ینظروا کم دمّرنا من الأقوام السابقین عند تمرّدهم وعصیانهم: (وکم أهلکنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثاً ورئیاً)(2) فهل استطاعت أموالهم وثروتهم، ومجالسهم الفاسقة، وملابسهم الفاخرة، وصورهم الجمیلة أن تمنع العذاب الإلهی وتقف أمامه؟ وإذا کانت هذه الاُمور دلیلا على شخصیتهم ومنزلتهم عند الله، فلماذا ابتُلوا بهذا المصیر المشؤوم؟

إنّ زخارف الدنیا وبهارجها متزلزلة إلى حدّ أنّها تتلاشى وتزول بمجرّد أن یهب علیها أدنى نسیم هادىء.

«القرن» ـ کما قلنا سابقاً فی ما مرّ فی ذیل الآیة 6 من سورة الأنعام ـ تعنی عادة الزمان الطویل، لکن لمّا کانت قد أخذت من مادة الإقتران، أی الإقتراب، فإنّها تقال أیضاً للقوم والأناس المجتمعین فی زمان واحد.

ثمّ تحذّرهم تحذیراً آخر، بأن لا تظنّوا أیّها الظالمون الکافرون أنّ مالکم وثروتکم هذه رحمة، بل کثیراً ما تکون دلیلا على العذاب الإلهی: (قل من کان فی الضلالة فلیمدد له الرحمن مداً * حتى إذا رأوا ما یوعدون إ مّا العذاب وإمّا الساعة) إی إمّا العذاب فی هذه الدنیا، وإمّا عذاب الآخرة (فسیعلمون من هو شر مکاناً وأضعف جنداً).

فی الحقیقة، إنّ مثل هؤلاء الأفراد الذین لا یمکن هدایتهم (والملاحظ أنّ القران یقول: (من کان فی الضلالة) وهو إشارة إلى الاستمرار فی الضلال) من أجل أن یروا العقاب الإلهی الشدید، فإنّ الله سبحانه یجعلهم أحیاناً یغوصون ویغرقون فی النعم لتصبح سبباً لغرورهم، کما تکون سبباً لنزول العذاب علیهم، فإنّ سلب النعم عنهم حینئذ سیجعل لوعة العذاب أشد. وهذا هو ما ذکر فی بعض آیات القرآن بعنوان عقاب «الإستدراج»(3).

جملة (فلیمدد له الرحمن مداً) وإن کانت بصیغة الأمر، إلاّ أنّها بمعنى الخبر، فمعناها: إنّ الله یمهل هؤلاء ویدیم علیهم النعم.

وقد فسّرها بعض المفسّرین بنفس معنى الأمر أیضاً، وأنّه یعنی هنا اللعنة، أو وجوب مثل هذا العمل والمعاملة على الله. إلاّ أنّ التّفسیر الأوّل یبدو هو الأقرب.

وکلمة (العذاب) بقرینة وقوعها فی مقابل (الساعة) فإنّها إشارة إلى العقوبات الإلهیّة فی عالم الدنیا، عقوبات کطوفان نوح، والزلزلة، والحجارة السماویة التی نزلت على قوم لوط، أو العقوبات التی اصیبوا بها على ید المؤمنین والمقاتلین فی جبهات الحق، کما نقرأ فی الآیة 14 من سورة التوبة: (قاتلوهم یعذبهم الله بأیدیکم).

«الساعة» هنا إمّا بمعنى نهایة الدنیا، أو العذاب الإلهی فی القیامة. ویبدو لنا أنّ المعنى الثّانی هو الأنسب.

هذه عاقبة ومصیر الظالمین المخدوعین بزخرف الدنیا وزبرجها، أمّا اُولئک الذین آمنوا واهتدوا، فإنّ الله یزیدهم هدىً وإیماناً (ویزید الله الذین اهتدوا هدى).

من البدیهی أنّ للهدایة درجات، فإذا طوى الإنسان درجاتها الاُولى فإنّ الله یأخذه بیده ویرفعه إلى درجات أعلى، وکما أنّ الشجرة المثمرة تقطع کلّ یوم مرحلة جدیدة إلى التکامل والإیناع، فکذلک المهتدون یرتقون کلّ یوم مراق أعلى فی ظل الإیمان والأعمال الصالحة التی یعملونها.

وفی النهایة تجیب الآیة هؤلاء الذین اعتمدوا على زینة الدنیا السریعة الزوال، وجعلوها وسیلة للتفاخر على الآخرین، فتقول: (والباقیات والصالحات خیر عند ربّک ثواباً وخیر مردّاً)(4).


1. مفردات الراغب، مادة (ندى).
2. «الأثاث» بمعنى المتاع وزینة الدنیا، و«رئی» بمعنى الهیئة والمنظر.
3. راجع ذیل الآیات 182 و183 من سورة الأعراف.
4. «مردّ» ـ على وزن نمدّ بتشدید الدال ـ إمّا مصدر بمعنى الرّد والإرجاع، أو اسم مکان بمعنى محل الرجوع، والمراد منه هنا الجنّة، إلاّ أنّ الاحتمال الأوّل أوفق لمعنى الآیة.
سورة مریم / الآیة 73 ـ 76 سورة مریم / الآیة 77 ـ 82
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma