أعذار متنوّعة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة الأنبیاء / الآیة 1 ـ 5 هل القرآن محدث؟

تبدأ هذه السورة ـ کما أشرنا ـ بتحذیر قوی شدید موجّه لعموم الناس، تحذیر یهزّ الوجدان ویوقظ الغافلین، فتقول: (إقترب للناس حسابهم وهم فی غفلة معرضون).

إنّ عمل هؤلاء یدلّ على أنّ هذه الغفلة عمّت کلّ وجودهم، وإلاّ فکیف یمکن للإنسان أن یؤمن بإقتراب الحساب... الحساب الدقیق المتناهی فی الدقّة، ومع کلّ ذلک لا یکترث بالاُمور ویرتکب أنواع الذنوب!!

کلمة (إقترب) لها دلالة على التأکید أکثر من (قرب) وهی إشارة إلى أنّ هذا الحساب قد أصبح قریباً جدّاً.

والتعبیر بـ(الناس) وإن کان یشمل عموم الناس ظاهراً، وهو یدلّ على أنّ الجمیع فی غفلة، إلاّ أنّ ممّا لا شکّ فیه أنّ الذین لهم قلوب واعیة یقظة على الدوام، ویفکّرون بالحساب ویعملون له فهم مستثنون من هذا العموم.

والجمیل فی الأمر أنّه یقول: إقترب الحساب للناس، لا أنّ الناس إقتربوا للحساب، فکأنّ الحساب یسرع لإستقبال الناس.

ثمّ إنّ الفرق بین «الغفلة» و«الإعراض» یمکن أن یکون من جهة أنّ هؤلاء غافلون عن إقتراب الحساب، وهذه الغفلة هی تسبّب الإعراض عن آیات الله سبحانه، فـ«الغفلة عن الحساب» علّة فی الحقیقة، و«الإعراض عن الحقّ» معلول لتلک العلّة، أو أنّ المراد هو الإعراض عن نفس الحساب، وعن الإستعداد للإجابة فی تلک المحکمة الکبرى، أی إنّهم لمّا کانوا غافلین، فإنّهم لا یهیّؤون أنفسهم لذلک ویعرضون عنه.

وهنا یأتی سؤال، وهو: ما معنى إقتراب الحساب والقیامة؟

لقد قال البعض: إنّ المراد منه هو أنّ ما بقی من الدنیا قلیل فی مقابل ما مضى منها، ولهذا فإنّ القیامة ستکون قریبة ـ قرباً نسبیّاً ـ خاصّة وأنّه قد روی عن الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «بعثت أنا والساعة کهاتین»(1) وأشار إلى السبابة والوسطى اللتین تقع إحداهما إلى جنب الاُخرى.

وقال البعض الآخر: إنّ هذا التعبیر لکون القیامة موجودة، کما نرى ذلک فی المثل السائر کلّ ما هو آت قریب.(2)

ولا منافاة بین هذین التّفسیرین ویمکن أن تکون الآیة إشارة إلى کلا الأمرین.

واحتمل بعض المفسّرین ـ کالقرطبی ـ أن یکون الحساب هنا إشارة إلى «القیامة الصغرى»، أی الموت، لأنّ جزءاً من المحاسبة وجزاء الأعمال یصل إلى الإنسان حین الموت(3). إلاّ أنّ ظاهر الآیة ناظر إلى القیامة الکبرى.

ثمّ تبیّن الآیة التالیة علامة من علامات إعراض هؤلاء بهذه الصورة: (ما یأتیهم من ذکر من ربّهم محدث إلاّ استمعوه وهم یلعبون) فلم یتّفق لهم أن یتدبّروا ساعة فی کلام الله المجید، ویتأمّلوا فی آیاته بجدّیة، ویحتملوا ـ على الأقل ـ أن تکون مؤثّرة فی حیاتهم وعاقبة أمرهم ومصیرهم. فهم لا یفکّرون فی الحساب الإلهی، ولا فی تحذیرات الله سبحانه.

وأساساً فإنّ أحد أسباب شقاء الجهلة والمتکبّرین هو إتّخاذهم النصائح ومواعظ الأخیار لهواً ولعباً دائماً، وهذا هو السبب فی عدم تنبّههم من غفلتهم، فی حین أنّهم لو تعاملوا بصورة جدیّة مع تلک النصائح ولو مرّة واحدة، فربّما تغیّر مسیر حیاتهم فی تلک اللحظة!

کلمة «ذکر» فی الآیة إشارة إلى کلّ کلام منبّه یوقظ الغافلین، والتعبیر بـ(محدث) إشارة إلى أنّ الکتب السماویة کانت تنزل الواحد تلو الآخر، وتحتوی کلّ سورة من سور القرآن، وکلّ آیة من آیاته محتوى جدیداً ینفذ إلى قلوب الغافلین بطرق مختلفة، لکن أىّ فائدة مع مَن یتّخذ کلّ ذلک هزواً؟

وأساساً، فإنّ هؤلاء یفزعون من کلّ جدید، ویتمسکّون ویفرحون لکلّ الخرافات القدیمة التی ورثوها من الآباء والأجداد، وکأنّهم قد تعاهدوا عهداً دائماً على أن یخالفوا کلّ حقیقة جدیدة، مع أنّ أساس تکامل الإنسان مبتن على أن یواجه الإنسان کلّ یوم مسائل جدیدة.

ثمّ تقول من أجل زیادة التأکید: (لاهیةً قلوبهم) لأنّهم فی الظاهر یتّخذون کلّ المسائل الجدیّة لهواً ولعباً ـ کما تشیر جملة «یلعبون» إلى ذلک، حیث وردت بصیغة فعل مضارع مطلق ـ وهم فی الباطن مشغولون باللهو والمسائل التی لا قیمة لها، والتی تجعلهم فی غفلة عن الواقع. ومن الطبیعی أنّ مثل هؤلاء الأشخاص سوف لا یجدون طریق السعادة، ولا یوفّقون إلیه.

ثمّ تشیر إلى جانب من الخطط الشیطانیّة فتقول: (وأسّروا النجوى الذین ظلموا هل هذا إلاّ بشر مثلکم)(4) وإذا لم یکن سوى بشر إعتیادی، فلابدّ أن تکون أعماله الخارقة ونفوذ کلامه سحراً، ولا یمکن أن یکون شیئاً آخر: (أفتأتون السحر وأنتم تبصرون

قلنا: إنّ هذه السورة نزلت فی مکّة، وفی تلک الأیّام التی کان فیها أعداء الإسلام فی غایة القوّة والمنعة، فأىّ داع یدعوهم لإخفاء کلامهم، بل وحتى نجواهم؟ (وینبغی الإلتفات إلى أنّ القرآن یقول إنّهم کانوا یخفون حتى مناجاتهم).

قد یکون ذلک من أجل أنّ هؤلاء کانوا یتشاورون فی المسائل التی تتّصف بالتخطیط والتآمر، حتى یظهروا أمام عامّة الناس موقفاً واحداً ضدّ النّبی(صلى الله علیه وآله)، إضافة إلى أنّ هؤلاء کانوا من ناحیة القوّة متفوقّین حتماً، إلاّ أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) والمسلمین کانوا من ناحیة المنطق والقوّة ونفوذ الکلام أکثر تفوّقاً، وهذا التفوّق هو الذی دفع هؤلاء إلى أن یتشاوروا فی الخفاء لإنتخاب الأجوبة المصطنعة فی مقابل النّبی(صلى الله علیه وآله).

على کلّ حال، فإنّ هؤلاء قد أکّدوا على مسألتین فی أقوالهم: إحداهما: کون النّبی (صلى الله علیه وآله)بشراً، والاُخرى: تهمة السحر، وستأتی الإتّهامات الاُخرى فی الآیات التالیة أیضاً، ویتصدّى القرآن الکریم لجوابها.

إلاّ أنّ القرآن یجیبهم بصورة عامّة على لسان النّبی(صلى الله علیه وآله) فیقول: (قال ربّی یعلم القول فی السّماء والأرض) فلا تتصوّروا أنّ نجواکم ومؤامراتکم المخفیّة تخفى علیه (وهو السمیع العلیم)فهو یعلم کلّ شیء، ومطّلع على کلّ شیء، فلا یسمع کلامکم وحسب، بل هو مطّلع حتى على الأفکار التی تمرّ فی أذهانکم، والقرارات التی فی صدورکم.

بعد ذکر نوعین من تذرّعات المخالفین، یتطرّق القرآن إلى ذکر أربعة أنواع اُخرى منها، فیقول: (بل قالوا أضغاث أحلام)(5) وهم یعتقدون أنّها حقیقة.

وقد یغیّرون کلامهم هذا أحیاناً فیقولون: (بل إفتراه) ونسبه إلى الله.

ویقولون أحیاناً: (بل هو شاعر)، وهذه الآیات مجموعة من خیالاته الشعریة.

وفی المرحلة الرّابعة یقولون: إنّا نتجاوز عن کلّ ذلک فإذا کان مرسلا من الله حقّاً (فلیأتنا بآیة کما اُرسل الأوّلون).

إنّ التحقیق فی هذه الإدّعاءات المتضادّة المتناقضة فی حقّ النّبی(صلى الله علیه وآله) سیوضّح أنّها بنفسها دلیل على أنّهم لم یکونوا طلاّب حقّ، بل کان هدفهم خلق الأعذار، وإخراج خصمهم من الحلبة بأیّة قیمة وثمن، وبأىّ صورة کانت.

فهم یعتبرونه ساحراً تارةً، واُخرى شاعراً، وثالثة مفتریاً، واُخرى إنساناً یختلط الأمر علیه ویهجر ـ والعیاذ بالله ـ فهو یحسب مناماته المضطربة وحیاً! ویقولون حیناً: لماذا أنت بشر؟ ویتذرّعون أحیاناً بطلب معجزة جدیدة مع کلّ تلک المعاجز.

إذا لم یکن لدینا دلیل على بطلان کلامهم إلاّ هذا الاضطراب والتمزّق، فإنّه کاف لوحده، ولکنّنا سنرى فی الآیات التالیة أنّ القرآن سیجیبهم جواباً حاسماً من طرق اُخرى أیضاً.


1. تفسیر مجمع البیان. ذیل الآیات مورد البحث.
2. اصول الکافی، ج 8، ص 81.
3. تفسیر القرطبی، ج 6، ص 4307.
4. فی لغة العرب إذا کان الفعل إسماً ظاهراً فیؤتى عادةً بفعل مفرد، إلاّ أنّ هذه لیست قاعدة عامّة وثابتة، بل یأتون ـ لعلل خاصّة ـ بالفعل بصیغة الجمع وبالفاعل إسماً ظاهراً وجملة (وأسّروا النجوى الذین ظلموا) من هذا القبیل أیضاً، ذکر أقوال مختلفة اخرى فی هذا المورد راجع، ج 6، إعراب القرآن و بیانه، ص 282 لمؤلفة محى الدین الدرویش.
5. «أضغاث» جمع «ضِغْث»، وهو حزمة الحطب أو الأعشاب الیابسة وما شاکل ذلک، و«الأحلام» جمع حُلم وهو المنام والرؤیة، ولمّا کان جمع حزمة حطب یحتاج أن یجمعوا عدّة أشیاء متفرّقة إلى بعضها، فإنّ هذا التعبیر اُطلق على المنامات المضطربة المتفرّقة.
سورة الأنبیاء / الآیة 1 ـ 5 هل القرآن محدث؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma