الربّ الرحیم:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة طه / الآیة 37 ـ 41 هل یوحى إلى غیر الأنبیاء؟

یشیر الله سبحانه فی هذه الآیات إلى فصل آخر من فصول حیاة موسى (علیه السلام)، والذی یرتبط بمرحلة الطفولة ونجاته من قبضة الفراعنة. وهذا الفصل وإن کان من ناحیة التسلسل التاریخی قبل فصل الرسالة والنّبوة، إلاّ أنّه ذکر کشاهد على شمول عنایة الله عزّوجل لموسى (علیه السلام) من بدایة عمره، وهی فی الدرجة الثّانیة من الأهمیة بالنسبة إلى الرسالة، فیقول أوّلا: (ولقد مننا علیک مرّة اُخرى)(1).

وبعد ذکر هذا الإجمال تتطرق الآیات إلى الشرح والتفصیل، فتقول: (إذ أوحینا إلى أمک ما یوحى) وهو إشارة إلى أنّنا قد علّمنا اُمّه کلّ الطرق التی تنتهی إلى نجاة موسى (علیه السلام) من قبضة الفراعنة، لأنّه یستفاد من سائر آیات القرآن أنّ فرعون شدّد ارهابه على بنی إسرائیل للتصدّی لقوّتهم وعصیانهم المحتمل، أو أنّه ـ على رأی بعض المفسّرین والمؤرخین ـ کان قد أمر بقتل أبنائهم وإبقاء البنات للخدمة، لکی یمنع ولادة ولد من بنی إسرائیل کان قد أخبره المنجّمون أنّه یثور علیه ویزیل ملکه.

من الطبیعی أنّ جواسیس وعیون فرعون کانوا یراقبون بشدّة محلاّت بنی إسرائیل وبیوتهم، وکانوا لا یدعون ذکراً یولد إلاّ وقتلوه.

وذهب بعض المفسّرین إلى أنّ فرعون کان یرید تحطیم قوّة بنی إسرائیل من جهة، وکان من جهة اُخرى غیر راغب فی انقراض نسلهم تماماً، لأنّه کان یعتبرهم عبیداً یصلحون للخدمة، ولذلک کان قد أمر بأن یترکوا الأولاد سنة ویذبحونهم سنة اُخرى، فکان أن ولد موسى فی العام الذی یقتل فیه الأولاد!

على کل حال، فإنّ هذه الاُم أحسّت بأنّ حیاة ولیدها فی خطر، وإخفاؤه مؤقتاً سوف لا یحلّ المشکلة... فی هذه الأثناء ألهمها الله ـ الذی رشّح هذا الطفل لثورة کبیرة ـ أن أودعیه عندنا، وانظری کیف سنحافظ علیه، وکیف سنردّه إلیک؟ فألقى فی قلب الاُمّ: (أن اقذفیه فی التابوت فاقذفیه فی الیم).

«الیم» هنا یعنی نهر النیل العظیم الذی یطلق علیه أحیاناً اسم البحر لسعته وکثرة میاهه.

والتعبیر بـ (اقذفیه فی التابوت) ربّما کان إشارة إلیها أن ارفعی ولدک بکلّ شجاعة وبدون أی خوف أو إرتیاب، وضعیه فی الصندوق، وألقیه فی نهر النیل، ولا تدعی للخوف سبیلا إلى نفسک.

کلمة «التابوت» تعنی الصندوق الخشبی، ولا یعنی دائماً الصندوق الذی یوضع فیه الأموات کما یظن البعض، بل إنّ له معنى واسعاً، حیث تطلق أحیاناً على الصنادیق الاُخرى أیضاً، کما قرأنا ذلک فی قصّة طالوت وجالوت فی ذیل الآیة 248 من سورة البقرة(2).

ثمّ تضیف: (فلیلقه الیم بالساحل یأخذه عدو لی وعدو له) والملفت أنّ کلمة «عدو» قد تکررت هنا، وهذا فی الحقیقة تأکید على عداء فرعون لله، ولموسى وبنی إسرائیل، وأشارت إلى أنّ الشخص الذی انغمس إلى هذا الحدّ فی العداء هو الذی سیتولّى فی النهایة تربیة موسى لیعلم الانسان الضعیف أنّه لیس عاجزاً عن التمرّد على أمر الله فحسب، بل إنّ الله سیربّیه على ید عدوّه وفی أحضانه! وعندما یرید أن یفنی المتمردین الظالمین فسیفنیهم ویبیدهم بأیدیهم، ویحرقهم بالنار التی یوقدونها بأنفسهم، فأىّ قدرة عجیبة قدرته تعالى؟!

ولمّا کان موسى (علیه السلام) یجب أن یُحفظ فی حصن أمین فی هذا الطریق الملیء بالمخاطر، فقد ألقى الله قبساً من محبّته علیه، إلى الحدّ الذی لم ینظر إلیه أحد إلاّ ویعشقه، فلا یکف عن قتله وحسب، بل لا یرضى أن تنقص شعرة من رأسه، کما یقول القرآن فی بقیة هذه الآیات: (وألقیت علیک محبّة منّی) فأىّ درع عجیب هذا الحب! إنّه لا یرى بالعین، ولکنّه أقوى من الحدید والفولاذ!!

یقولون: إنّ قابلة موسى کانت من الفراعنة، وکانت مصمّمة على رفع خبر ولادته إلى فرعون، إلاّ أنّه لمّا وقعت عینها على عین المولود الجدید، فکأنّ ومضة برقت من عینه وأضاءت أعماق قلبها، وطوّقت محبته رقبتها، وابتعدت عن رأسها کلّ الأفکار السیّئة.

ونقرأ فی حدیث عن الإمام الباقر (علیه السلام) فی هذا الباب: «فلمّا وضعت أم موسى موسى نظرت إلیه وحزنت علیه واغتمت وبکت وقالت: تذبح الساعة، فعطّف الله الموکلة بها علیه، فقالت لأم موسى: ما لک قد اصفر لونک؟ فقالت: أخاف أن یذبح ولدی، فقالت: لا تخافی. وکان موسى لا یراه أحد إلا أحبه»(3)، وکان درع المحبة هذا هو الذی حفظه تماماً فی بلاط فرعون.

وتقول الآیة فی النهایة: (ولتصنع على عینی) فلا شک فی أنّه لا تخفى ذرّة عن علم الله فی السماء ولا فی الأرض، وکلّ شیء حاضر بین یدیه، إلاّ أنّ هذا التعبیر إشارة إلى العنایة الخاصّة التی أولاها الله سبحانه لموسى وتربیته.

وبالرغم من أنّ بعض المفسّرین اعتقد أنّ جملة (ولتصنع على عینی) مقصورة على مرحلة رضاعة موسى وأمثالها، إلاّ أنّ من المعلوم أنّ لهذه الجملة معنى واسعاً، تدخل فیه کلّ أنواع التربیة والعنایة، وصنع موسى (علیه السلام) من أجل حمل رایة الرسالة مع عنایة الله الخاصّة.

ویستفاد بوضوح من القرائن الموجودة فی هذه الآیات، والآیات المشابهة لها فی القرآن، وممّا جاء فی الرّوایات والتواریخ، أنّ اُمّ موسى (علیه السلام) قد ألقت الصندوق الذی کان فیه موسى وهی فی حالة من الخوف والقلق، وحملته أمواج النیل، وأخذ قلب أم موسى یخفق من مشاهدة هذا المنظر، إلاّ أنّ الله قد ألهم قلبها أن لا یدع للهم والحزن إلیه طریقاً، فهو سبحانه سیعیده إلیها فی النهایة سالماً.

وکان قصر فرعون قد بنی على جانب شط النیل، ویحتمل أنّ فرعاً من هذا النهر العظیم کان یمرّ داخل قصره، فحملت أمواج المیاه الصندوق إلى ذلک الفرع الصغیر، وبینما کان فرعون وزوجته على حافّة الماء ینظرون إلى الأمواج، وإذا بهذا الصندوق الغریب یلفت انتباههما، فأمر جنوده أن یخرجوا الصندوق من الماء، فلمّا فتحوا الصندوق شاهدوا بکامل العجب مولوداً جمیلا فیه، وهو شیء لم یکن بالحسبان.

وهنا تنبّه فرعون إلى أنّ هذا الولید ینبغی أن یکون من بنی إسرائیل، وإنّما لاقى هذا المصیر خوفاً من جلاوزته، فأمر بقتله، إلاّ أنّ زوجته ـ التی کانت عقیماً ـ تعلّقت جدّاً بالطفل، فقد نفذ النور الذی کان ینبعث من عینی الطفل إلى زوایا قلبها، وجذبها إلیه، فضربت على ید فرعون وطلبت منه أن یصرف النظر عن قتله، وعبّرت عن هذا الطفل بأنّه (قرّة عین)، بل وتمادت فی طلبها، فطلبت منه أن یتخذاه ولداً لیکون مبعث أمل لهما، ویکبر فی أحضانهما، وأصرّت على طلبها حتى أصابت سهامها، وحققت ما تصبو إلیه.

غیر أنّ الطفل جاع، وأراد لبناً، فاخذ یبکی ویذرف الدموع، فرقّ قلب امرأة فرعون لهذه الدموع والبکاء واهتز، ولا محیص من أن یبحث الخدم عن مرضعة له، إلاّ أنّهم کلّما جاؤوه بمرضعة لم یقبل ثدیها، لأنّ الله سبحانه کان قد قدّر أن یعیده إلى اُمّه، فهبّ المأمورون للبحث من جدید، وکانوا یطرقون الأبواب بحثاً عن مرضعة جدیدة.

والآن نقرأ بقیة القصّة على ضوء الآیات الشریفة:

نعم یا موسى، فإنّا کنّا قدّرنا أن تتربى بأعیننا وعلمنا (إذ تمشی أختک) بأمر أمُک لتراقب مصیرک، فرأت جنود فرعون: (فتقول هل أدلکم على من یکفله) وربّما أضافت بأنّ هذه المرأة لها لبن نظیف، وأنا مطمئنة بأنّ هذا الرضیع سیقبلها.

فاستبشر الجنود على أمل أن یجدوا ضالّتهم عن هذا الطریق، فذهبوا معها، فأطلعت اُخت موسى ـ والتی کانت تظهر نفسها بمظهر الشخص الغریب والمجهول ـ اُمّها على الأمر، فجاءت اُمّه إلى بلاط فرعون، من دون أن تفقد سیطرتها على أعصابها، بالرغم من أنّ أمواجاً من الحب والأمل کانت قد أحاطت بکلّ قلبها، واحتضنت الطفل، فلمّا شمّ الطفل

رائحة اُمّه، وکانت رائحة مألوفة لدیه، التقم ثدیها کأنّه تضمّن لذّة الروح وحلاوتها، واشتغل الطفل بشرب اللبن بلهفة وعشق شدیدین، فانطلقت صرخات الفرح من الحاضرین، وبدت آثار الفرح والسرور على زوجة فرعون.

یقول البعض: إنّ فرعون تعجّب من هذه الحادثة، وقال: من أنت إذ قبل هذا الطفل لبنک فی حین أنّه ردّ جمیع الاُخریات؟ فقالت الأم: إنّی امرأة طیّبة الریح واللبن، ولا یرفض لبنی أىّ طفل!

عل کل حال فقد أمرها فرعون بالإهتمام بالطفل، وأکّدت زوجته کثیراً على حفظه وحراسته، وأمرت أن یعرض علیها الطفل بین فترة واُخرى.

هنا تحقق ما قاله القرآن: (فرجعناک إلى اُ مّک کی تقرّ عینها ولا تحزن) ولتستطیع تربیته بدون خوف من جلاوزة فرعون. ویستفاد من هذه العبارة أنّ فرعون أودع الطفل أمّه لتذهب به إلى بیتها، إلاّ أنّ من الطبیعی أنّ ابن عائلة فرعون! الذی تعلّقت به امرأته وأحبّته حبّاً شدیداً، یجب أن یعرض علیها بین فترة واُخرى.

ومرّت السنون والاعوام، وتربّى موسى (علیه السلام) وسط هالة من لطف الله ومحبته، وفی محیط آمن، وشیئاً فشیئاً أصبح شابّاً. وکان ذات یوم یمرّ من طریق فرأى رجلین یتشاجران، أحدهما من بنی إسرائیل والآخر من الأقباط ـ (وهم المصریون، قوم فرعون) ـ ولمّا کان بنو إسرائیل یعیشون دائماً تحت ضغط الأقباط الظالمین وأذاهم، هبّ موسى لمعونة المظلوم الذی کان من بنی إسرائیل، ومن أجل الدفاع عنه وجّه ضربة قاتلة إلى ذلک القبطی، فقضت علیه.

فتأثّر موسى ممّا حدث وقلق، لأنّ حرّاس فرعون علموا فی النهایة من الذی قام بعملیة القتل هذه، فنشطوا للبحث عنه ومطاردته. إلاّ أنّ موسى، وحسب إشارة بعض أصدقائه علیه، خرج متخفّیاً من مصر، وتوجّه إلى مدین، فوجد محیطاً وجوّاً آمناً فی ظل النّبی «شعیب»، والذی سیأتی شرح حاله فی تفسیر سورة القصص إن شاء الله تعالى.

هنا حیث یقول القرآن الکریم: (وقتلت نفساً فنجیناک من الغم وفتناک فتوناً) فبعد حادثة القتل اختبرناک کثیراً والقینا بک فی اتون الحوادث والشدائد (فلبثت سنین فی أهل مدین) وبعد اجتیاز هذا الطریق الطویل، والإستعداد الروحی والجسمی، والخروج من دوامة الأحداث بشموخ وانتصار (فقد جئت على قدر یا موسى). أی لاستلام مهمّة الرسالة فی زمان مقدّر إلى هذا المکان.

إنّ کلمة «قدر» ـ برأی کثیر من المفسّرین ـ تعنی الزمان الذی قدّر فیه أن یُنتخب موسى للرسالة. إلاّ أنّ البعض اعتبرها بمعنى المقدار، کما جاء هذا المعنى فی بعض الآیات القرآنیة، کالآیة 21 من سورة الحجر، وطبقاً لهذا التّفسیر سیکون معنى الآیة: یا موسى إنّک قد نشأت وأصبحت ـ بعد تحمّل هذه المصاعب والامتحانات وعشت سنین فی بیت نبی کبیر کشعیب ـ ذا قدر ومقام وشخصیة، وحصلت على استعداد لتلقّی الوحی.

ثمّ یضیف: (واصطنعتک لنفسی) فمن أجل مهمّة تلقّی الوحی الصعبة، ومن أجل قبول الرسالة، ومن أجل هدایة العباد وإرشادهم ربّیتک واختبرتک فی الحوادث الصعبة ومشاقّها، ومنحتک القوّة والقدرة، والآن حیث ألقیت هذه المهمّة الکبرى على عاتقک، فإنّک مؤهّل من جمیع الجوانب.

«اصطناع» من مادة «صنع» بمعنى الإصرار والاقدام الأکید على اصلاح شیء (کما یراه الراغب فی مفرداته). ویعنی إنّنی قد اصلحتک من کلّ الجهات وکأنّنی اریدک لی وهذا الکلام هو أکثر ما یمکن أن یقال فی تصویر محبّة الله لهذا النّبی العظیم، وذهب البعض أنّه یشبه ما قاله الحکماء من: أنّ الله إذا أحبّ عبداً تفقّده کما یتفقّد الصدیق صدیقه.


1. کما قلنا سابقاً أیضاً فإنّ «المنة» فی الأصل من «المن» ، وهو یعنی الأحجار الکبیرة التی کانوا یزنون بها، ولذلک فإنّ کل نعمة کبیرة ونفیسة یقال عنها: إنّها منة. والمراد فی الآیة هو هذا المعنى، وهذا المعنى مفهوم جمیل وایجابی للمنّة، إلاّ أنّ الإنسان إذا عظّم عمله الصغیر بکلامه، وذکّر الطرف الآخر به، فإنّه مصداق حی للمنة السلبیة المذمومة.
2. راجع إلى التّفسیر الأمثل ذیل الآیة 248 من سورة البقرة.
3. تفسیر نور الثقلین، ج 3، ص 378.
سورة طه / الآیة 37 ـ 41 هل یوحى إلى غیر الأنبیاء؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma