مریم فی عاصفة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة مریم / الآیة 22 ـ 26 1ـ ازدیاد قوّة مریم عند تراکم المشاکل

وأخیراً حملت مریم، واستقرّ ذلک الولد الموعود فی رحمها: (فحملته ) ولم یتحدّث القرآن عن کیفیة نشوء وتکوّن هذا المولود، فهل أنّ جبرئیل قد نفخ فی ثوبها، أم فی فمها؟ وذلک لعدم الحاجة إلى هذا البحث، بالرغم من أنّ کلمات المفسّرین مختلفة فی هذا الشأن.

وعلى کل حال، فإنّ هذا الأمر قد تسبب فی أن تبتعد عن بیت المقدس (فانتبذت به مکاناً قصیاً ).

لقد کانت تعیش فی حالة بین الخوف والأمل، حالة من القلق والإضطراب المشوب بالسرور، فهی تفکّر أحیاناً بأنّ هذا الحمل سیفتضح أمره فی النهایة، فالأفضل أن أبقى بعیدة عن اُولئک الذین یعرفوننی عدّة أیّام أو أشهر، وأعیش فی هذا المکان بصورة مجهولة، وماذا سیحدث فی النهایة؟

فمن الذی سیقتنع بأنّ إمرأة لا زوج لها تحمل دون أن تکون قد تلوّثت بالرذیلة؟ فماذا سأفعل تجاه هذا الإتهام؟ والحق أنّ من المؤلم جدّاً بالنسبة لفتاة کانت لسنین طویلة نموذجاً وقدوة للطهارة والعفة والتقوى والورع، ومثالا فی العبادة والعبودیة لله، وکان زهّاد بنی

إسرائیل یفتخرون بکفالتها منذ الطفولة، وقد تربّت وترعرعت فی ظلّ نبی کبیر، وقد شاع أمر سجایاها وقداستها فی کلّ مکان، أن تحسّ فی یوم ما أنّ کلّ هذا الرصید المعنوی مهدد بالخطر، وستکون غرضاً ومرمى لاتهام یعتبر أسوء وأقبح اتهام، وکانت هذه هی المصیبة الثّالثة التی وقعت لها.

إلاّ أنّها من جهة اُخرى کانت تحسّ أنّ هذا المولود، نبی الله الموعود، تحفة سماویة نفیسة، فإنّ الله الذی بشّرنی بمثل هذا الغلام، وخلقه بهذه الصورة الإعجازیة کیف سیذرنی وحیدة؟ فهل من المعقول أن لا یدافع عنّی فی مقابل مثل هذا الإتهام؟ أنا التی رأیت وجرّبت لطفه على الدوام، وأحسست بید رحمته على رأسی.

وهناک بحث بین المفسّرین فی مدّة حمل مریم، بالرغم من أنّه ذکر فی القرآن بصورة مخفیّة ومبهمة، فبعضهم حسبه ساعة واحدة، وآخر تسع ساعات، وثالث ستة أشهر، ورابع سبعة، وآخر ثمانیة، وآخر تسعة أشهر کسائر النساء، إلاّ أنّ هذا الموضوع لیسَ له ذلک التأثیر فی هدف هذه القصّة. والرّوایات الواردة فی هذا المجال مختلفة أیضاً.

وقد اعتقد الکثیرون أنّ المکان «القصی» هو مدینة «الناصرة» وربّما بقیت فی تلک المدینة مدة طویلة وقلّما خرجت منها.

ومهما کان فقد انتهت مدّة الحمل، وبدأت لحظات تلاطم أمواج حیاة مریم، وقد دفعها ألم الولادة الشدید الذی هاج فیها إلى ترک الأماکن المعمورة والتوجّه إلى الصحاری الخالیة من البشر، والقاحلة التی لا عشب فیها ولا ماء ولا مأوى.

ومع أنّ النساء یلجأن عادة فی مثل هذه الحالة إلى المعارف والأصدقاء لیساعدوهنّ على الولادة، إلاّ أنّ وضع مریم لمّا کان استثنائیاً، ولم تکن ترید أن یرى أحد وضع حملها مطلقاً، فإنّها اتّخذت طریق الصحراء بمجرّد أنّ بدأ ألم الولادة ویقول القرآن فی ذلک: (فأجاءها المخاض إلى جذع نخلة ).

إنّ التعبیر بجذع النخلة، وبملاحظة أنّ الجذع یعنی بدن الشجرة، یوحی بأنّه لم یبق من تلک الشجرة إلاّ جذعها وبدنها، أی إنّ الشجرة کانت یابسة (1).

فی هذا الحال غمر کلّ وجود مریم الطاهر سیل من الغم والحزن، وأحسّت بأنّ اللحظة التی کانت تخشاها قد حانت، اللحظة التی مهما أخفیت فإنّها ستتضح هناک، وسیتجّه نحوها سیل سهام الإتهام التی سیرشقها بها الناس.

لقد کان هذا الإضطراب والصراع صعباً جدّاً، وقد أثقل کاهلها إلى الحدّ الذی تکلّمت فیه بلا إرادة و (قالت یا لیتنی مت قبل هذا وکنت نسیاً منسیاً ).

إنّ من البدیهی أنّ الخوف من التهم فی المستقبل لم یکن الشیء الوحید الذی کان یعصر قلب مریم ویقلقها، وإن کان هذا الموضوع یشغل فکر مریم أکثر من أیّة مسألة اُخرى، إلاّ أنّ مشاکل ومصائب اُخرى کوضع الحمل لوحدها بدون قابلة وصدیق ومعین فی الصحاری الخالیة، وعدم وجود مکان للإستراحة، وعدم وجود الماء للشرب، والطعام للأکل، وعدم وجود وسیلة لحفظ المولود الجدید، وغیر هذه الاُمور کانت تهزّها من الأعماق بشدّة.

قد یتساءل البعض باعتراض: کیف أنّ مریم المؤمنة والعارفة بالتوحید حیث رأت کلّ ذلک اللطف والإحسان الإلهی، أجرت مثل هذه الجملة على لسانها وقالت: (یالیتنی مت قبل هذا وکنت نسیاً منسیاً )، إلاّ أنّ هؤلاء  لم یدرکوا أبداً حال مریم فی تلک الساعة، ولو أنّه أصابهم شیء قلیل من هذه المشاکل فإنّهم سینسون حتى أنفسهم.

إلاَّ أنّ هذه الحالة لم تدم طویلا، فقد سطعت ومضة الأمل التی کانت موجودة دائماً فی أعماق قلبها، وطرق سمعها صوت (فناداها من تحتها ألاّ تحزنی قد جعل ربّک تحتک سریا )وانظری إلى الأعلى کیف أنّ هذا الجذع الیابس قد تحوّل إلى نخلة مثمرة (وهزی إلیک بجذع النخلة تساقط علیک رطباً جنیاً * فکلی واشربی وقری عیناً ) بالمولود الجدید (فإمّا ترینّ من البشر أحداً فقولی إنّی نذرت للرحمن صوماً فلن أکلم الیوم إنسیاً ). وهذا الصوم هو المعروف بصوم السکوت.

وخلاصة الأمر، إنّکِ لا تحتاجین إلى الدفاع عن نفسک، فإنّ الذی وهبک هذا الولید قد تعهّد بمهمّة الدفاع عنک أیضاً، وعلى هذا فلیهدأ روعک من کلّ الجهات، ولا تدعی للهم طریقاً إلى نفسک.

إنّ هذه الحوادث المتلاحقة التی سطعت کالشرر المضیء الوهّاج فی الظلام الدامس، قد أضاءت کلّ أرجاء قلبها، وألقت علیها الهدوء والإطمئنان.


1. «جذع» على وزن «ذِبْح» فی الأصل من مادة «جَذَع» على وزن «منع» بمعنى القطع.
سورة مریم / الآیة 22 ـ 26 1ـ ازدیاد قوّة مریم عند تراکم المشاکل
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma