الدنیا، وعمرها القصیر:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة المؤمنون / الآیة 112 ـ 116 الموت لیس نهایة الحیاة:

بما أنّ الآیات السابقة تناولت جانباً من عذاب أهل النّار الألیم، عقّبت الآیات ـ موضع البحث ـ ذلک بذکر نوع آخر من العذاب، هو العذاب النفسی الموجّه من قبل الله تعالى لأهل النّار للإستهانة بهم.

تقول الآیة الاُولى: (قال کم لبثتم فی الأرض عدد سنین) یخاطبهم سبحانه وتعالى یوم القیامة قائلا: کم سنة عشتم فوق الأرض؟

کلمة «الأرض» فی هذه الآیة وکذلک القرائن التی سوف تأتی لاحقاً تدلّ على أنّ السؤال هو عن مقدار عمرهم فی الدنیا بالمقارنة مع أیّام الآخرة.

فما ذهب إلیه بعض المفسّرین: من أنّ المراد من هذا الإستفسار هو السؤال عن مقدار إنتظارهم فی عالم البرزخ، بعید حسب الظاهر، رغم وجود شواهد قلیلة على ذلک فی آیات اُخرى(1).

إلاّ أنّهم یرون فی هذه المقارنة أنّ الدنیا قصیرة جدّاً جدّاً (قالوا لبثنا یوماً أو بعض یوم).

والحقیقة أنّ الأعمار الطویلة فی الدنیا کسحابة صیف لو قارناها بحیاة الآخرة، حیث النعم الخالدة والعقاب غیر المحدود.

وللتأکید أو للردّ بدقّة قالوا (فاسأل العادّین) أی: ربّاه اسأل الذین یعرفون أن یعدّوا الأعداد ویحسبوها بدقّة حین مقارنة بعضها مع بعض، ویمکن أن یکون القصد من کلمة «العادّین» الملائکة الذین یحسبون أعمار الناس وأعمالهم بدقّة، لأنّ هؤلاء یجیدون الحساب أفضل من غیرهم.

وهنا یؤنّبهم الله ویستهزىء بهم (قال إن لبثتم إلاّ قلیلا لو أنّکم کنتم تعلمون).

فسوف یدرکون یوم القیامة مدى قصر عمر الدنیا المحدود بالنسبة لعمر الآخرة الممدود، فالعمر الأوّل ما هو إلاّ کلمحة بصر، ولکنّهم کانوا یتصوّرونه خالداً، لأنّ حجب الغفلة وآثارها قد أسدلت على قلوبهم، فحجبتها عن رؤیة الحقّ، فاستهانوا بالآخرة وحسبوها وعداً آجلا بعیداً، لهذا قال لهم الله عزّوجلّ: لو أنّکم کنتم تعلمون لأدرکتم هذه الحقیقة التی توصّلتم إلیها یوم القیامة فی دنیاکم(2).

وإستعملت الآیة اُسلوباً مؤثّراً آخر لإیقاظ هذه الفئة وتعلیمها (أفحسبتم أنّما خلقناکم عبثاً وأنّکم إلینا لا ترجعون) هذه العبارة الموجزة والعمیقة تبیّن واحداً من أقوى الأدلّة على البعث وحساب الأعمال والجزاء، وتعنی أنّ الحیاة الدنیا تصبح عبثاً إن لم تکن القیامة والمعاد، فالدنیا بما فیها من مشاکل وما وضع فیها الله من مناهج ومسؤولیات وبرامج، تکون عبثاً وبلا معنى إن کانت لأیّام معدودات فقط، کما سنشرح ذلک فی المسائل الآتیة.

وبما أنّ عدم عبثیّة الخلق أمر مهمّ یحتاج إلى دلیل رصین، أضافت الآیة (فتعالى الله الملک الحقّ لا إله إلاّ هو ربّ العرش الکریم).

فإنّ الذی یقوم بعمل تافه ـ فی الواقع ـ هو الجاهل غیر الواعی أو الضعیف غیر القادر، أو من هو بالذات تافه خاو.

أمّا «الله» الذی جمع الکمال فی صفاته... وهو «الملک» الذی یملک جمیع الکائنات ویحکم علیها... وهو «الحقّ» الذی لا یصدر منه غیر الحقّ، فکیف یخلق الوجود عبثاً بلا غایة؟!

ولو توهّم أحد الأشخاص بأنّه یمکن أن یوجد من یمنعه من الوصول إلى هدفه، فإنّ عبارة (لا إله إلاّ هو ربّ العرش الکریم) تنفی ذلک وتؤکّد ربوبیّته ومفهومها أنّ هذا المالک مصلح وهادف فی خلقه للعالم.

وبإختصار نقول: إنّه إضافة إلى ذکر کلمة «الله» التی هی إشارة إلى صفاته الکمالیة فی ذاته، ذکرت الآیة أربع صفات بشکل صریح: مالکیة وحاکمیة الله، ثمّ حقّانیّة وجوده، وکذلک عدم وجود شریک له، وأخیراً مقام ربوبیّته، وهذا کلّه دلیل على أنّه تعالى لا یقوم بعمل عبثاً، کما أنّه لم یخلق البشر عبثاً.

کلمة «العرش» کما أشرنا سابقاً، هی إشارة إلى أنّ عالم الوجود کلّه خاضع لحکم الله (لأنّ العرش فی اللغة یعنی السریر ذی الأرجل العالیة والخاصّ بالحکّام، وهذه کنایة عن حکم الله المطلق). وللإطلاع أوسع على معنى العرش فی القرآن المجید یراجع التّفسیر الأمثل تفسیر الآیة 54 من سورة الأعراف.

وسبب توصیف العرش بالکریم، هو أنّ کلمة «الکریم» تعنی بالأصل الشریف والمفید والجیّد، وبما أنّ عرش الله سبحانه وتعالى له هذه الصفات، فقد سمّی بالکریم.

ولابدّ من القول بأنّ صفة الکریم لا تخصّ العاقل فقط، بل تطلق على غیره فی اللغة العربیة. کما نشاهد ذلک فی سورة الحجّ الآیة 50 الخاصّة بالمؤمنین الصالحین (لهم مغفرة ورزق کریم) أی رزق ذو برکة، وکما یقول الراغب الاصفهانی فی مفرداته: الکرم لا یقال إلاّ فی المحاسن الکبیرة، کمن ینفق مالا فی تجهیز جیش فی سبیل الله، أو تحمّل حمالة ترقىء دماء قوم.


1. نقرأ فی سورة الروم الآیة 55 و56: (ویوم تقوم الساعة یقسم المجرمون ما لبثوا غیر ساعة کذلک کانوا یؤفکون * وقال الذین أتوا العلم والإیمان لقد لبثتم فی کتاب الله إلى یوم البعث فهذا یوم البعث ولکنّکم کنتم لا تعلمون) تبیّن هاتان الآیتان أنّ الإستفسار والردّ خاص بالتوقّف فی البرزخ، وإذا جعلناه دلیلا على الآیات موضع البحث، فمفهومها سیکون أیضاً التوقّف فی البرزخ، إلاّ أنّه کما قلنا: إنّ الدلائل الموجودة ـ فی الآیات موضع البحث ـ مقدّمة علیها، وإنّها تبیّن أنّ الإستفسار وجوابه یخصّ التوقّف فی الدنیا.
2. إنّ «لو» فی الآیة السابقة شرطیة کما قلنا سابقاً. وهناک جملة تقدیریّة محذوفة تکون «لو أنّکم کنتم تعلمون لعلمتم أنّکم ما لبثتم إلاّ قلیلا»، وقال بعض المفسّرین أنّ «لو» تعنی هنا «لیت» وبهذا تکون الجملة بهذا الشکل «لیتکم علمتم بهذا الموضوع فی دنیاکم».
سورة المؤمنون / الآیة 112 ـ 116 الموت لیس نهایة الحیاة:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma