مرّة اُخرى مع علائم التوحید:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة المؤمنون / الآیة 17 ـ 22 سورة المؤمنون / الآیة 23 ـ 25

قلنا: إنّ القرآن تناول سبل کسب الإیمان بعد ذکر صفات المؤمنین، کما تحدّثت الآیات السابقة عن آیات الله العظیمة فی وجودنا، وتناولت هذه الآیات بعدها عالم الظاهر وآفاق الکون وعظمة خلق الأرض والسموات، حیث قالت الآیة الاُولى: (ولقد خلقنا فوقکم سبع طرائق).

و «الطرائق» جمع «طریقة» بمعنى سبیل أو طبقة، ولو أجزنا المعنى الأوّل للطرائق، یصبح معنى الآیة، أنّنا خلقنا فوقکم سبلا سبعة، ویمکن أن تفسّر بأنّها سبل مرور الملائکة، کما یمکن أن تکون مدارات لنجوم السّماء، وبحسب المعنى الثّانی للطرائق، فإنّ الآیة تعنی طبقات السّماء السبع.

وقد تحدّثنا عن السماوات السبع قبل هذا کثیراً، وإذا کان القصد من العدد «سبعة» الکثرة، فیکون معنى الآیة أنّنا خلقنا فوقکم عوالم کثیرة من النجوم والکواکب والسیارات، وعبارة الطبقة لا تعنی نظریة «بطلمیوس» الذی صوّرها وکأنّها قشرة بصل الواحدة فوق الاُخرى، فإنّ القرآن لم یقصد هذا المعنى أبداً، بل یقصد بالطرائق والطبقات العوالم التی

تحیط بالأرض بفواصل محدّدة، وهی بالنسبة لنا الواحدة فوق الاُخرى، بعضها قریب والبعض الآخر بعید عنّا، وإذا کان العدد «سبعة» قد استخدم فی الآیة للتعداد، فتعنی الآیة أنّنا خلقنا ستّة عوالم فوقکم إضافة إلى عالمکم الذی ترونه (مجموعة الثوابت والسیارات والمجرّات). وهذه العوالم لم یبلغها الإنسان حتى الآن.

ولو دقّقنا النظر الى المنظومة الشمسیة، وتفحّصنا مواقع السیارات المختلفة حول الشمس، لعثرنا على تفسیر آخر لهذه الآیة، هو أنّ من هذه السیارات التسع التی تدور حول الشمس، إثنان هما عطارد والزهرة لهما مداران تحت مدار الأرض، فی الوقت الذی تتّخذ فیه السیارات الستّ الاُخرى مداراتها خارج مدار الأرض، وهی تشبه طبقات ستّ إحداها فوق الاُخرى. وإضافةً إلى مدار القمر الذی یدور حول الأرض تصبح المدارات سبعة، وکأنّها طبقات سبع(1).

وربّما یتوهّم أنّ العالم بهذه السعة والعظمة ألا یوجب أن یغفل الله تعالى عن إدارته؟

فتجیب الآیة مباشرةً (وما کنّا عن الخلق غافلین). إنّ الاستناد هنا إلى مسألة الخلق، إشارة إلى أنّ قضیّة خلق الکون بنفسها دلیل على علم الله تعالى بمخلوقاته وتوجّهه إلیها: فهل یمکن أن یغفل الخالق عن مخلوقاته؟!

ویمکن أن تقصد الآیة أنّنا نملک سبلا کثیرة لتردّد الملائکة من فوقکم، ولسنا غافلین عنکم، کما أنّ ملائکتنا مشرفة علیکم وتشهد أعمالکم.

وأشارت الآیة التالیة إلى أحد مظاهر القدرة الإلهیّة، الذی یعتبر من برکات السموات والأرض، ألا وهو المطر، حیث تقول: (وأنزلنا من السّماء ماءً بقدر).

أنزلنا المطر بقدر لا یغرق الأرض من کثرته، ولیس قلیلا بحیث لا یکفی لری النباتات والحیوانات، أجل لو إنتقلنا من البحث حول السّماء إلى الأرض لوجدنا الماء من أهمّ الهبات الإلهیّة، وأصل حیاة جمیع المخلوقات، وبهذا الصدد أشارت الآیة إلى قضیّة أکثر أهمیّة، هی قضیّة إحتیاطی المیاه الجوفیة فتقول: (فأسکناه فی الأرض وإنّا على ذهاب به لقادرون).

نحن نعلم أنّ القشرة السطحیّة من الأرض تتکوّن من طبقتین مختلفتین: إحداهما نفوذیة واُخرى غیر نفوذیة. ولو کانت القشرة الأرضیة جمیعاً نفوذیة لنفذ المطر إلى جوف الأرض فوراً، ثمّ یظهر الجفاف بعد هطول المطر وإن إستغرق مدّة طویلة... حیث لا نعثر على ذرّة من الماء!

ولو کان سطح الأرض من طین أحمر لبقی المطر فوق سطح الأرض وتلوّث وتعفّن وشدّد الخناق على الإنسان، وأصبح سبباً لموت الإنسان فی الوقت الذی هو أصل الحیاة.

إلاّ أنّ الله الرحیم جعل القشرة الاُولى من سطح الأرض نافذةً، وتلیها قشرة غیر نافذة تحافظ على المیاه الجوفیة، فتکون احتیاطاً للبشر یستخرجها عند الحاجة عن طریق الآبار، أو تخرج بذاتها عن طریق العیون، دون أن تفسد أو توجّه للإنسان أقلّ أذى(2).

ویحتمل أن یکون هذا الماء الذی نرتوی به بعد إخراجه من أعماق الأرض من قطرات مطر نزل قبل آلاف السنین وخزن فی أعماق الأرض حتى الیوم، دون أن یتعرّض لتلوّث أو فساد.

وعلى کلّ حال فإنّ الذی خلق الإنسان لیحیا، وجعل الماء أساساً لحیاته، بل أکثرها أهمیّة، خلق له مصادر کثیرة من هذه المادّة الحیویة وخزنها له قبل أن یخلقه! وبالطبع هناک إحتیاطی من هذه المادّة الحیویة فوق قمم الجبال (على شکل ثلوج)، تراه یذوب خلال السنة وینحدر إلى السهور، وقسم آخر لا زال فوق قمم الجبال منذ مئات بل آلاف السنین، ینتظر الأمر بالذوبان على أثر تغییر حرارة الجو لینحدر إلى السهول والودیان لیروی الأرض ویزیل العطش عنها.

وبملاحظة حرف الجر «فی» فی عبارة «فی الأرض» یبدو لنا أنّ الآیة تشیر إلى مصادر المیاه الجوفیة ولیس السطحیة.

وتشیر الآیة التالیة إلى الخیر والبرکة فی نعمة المطر، أی المحاصیل الزراعیة الناتجة عنه فتقول: (فأنشأنا لکم به جنّات من نخیل وأعناب لکم فیها فواکه کثیرة ومنها تأکلون). فمضافاً إلى التمر والعنب اللذین یعتبران أهمّ المحاصیل الزراعیة فانّ فیها أنواع اُخرى من الفواکه کثیرة.

ولعلّ عبارة (ومنها تأکلون) إشارة إلى أنّ محاصیل هذه الجنّات ذات الخیرات الواسعة لا تنحصر بالفواکه المأکولة فقط، وأنّ المأکولات تشکّل قسماً من خیراتها، فهذه البساتین (ومنها بساتین النخیل) لها فوائد کثیرة اُخرى لحیاة الإنسان، حیث یصنع الإنسان من أوراقها حُصُراً یجلس علیها، وأحیاناً یصنع منها لباساً لنفسه، ویعمل من أخشابها منازل لسکناه. ویستخرج دواءه من بعض جذورها وأوراقها وفاکهتها، کما یستخدم الکثیر منها کعلف لحیواناته، ومن أخشابها مادّة للوقود.

ویعطی الفخر الرازی فی تفسیره احتمال قصد الآیة (منها تأکلون) أنّ حیاتکم ومعیشتکم تعتمد على هذه البساتین، مثلما أنّ فلاناً یعتاش على العمل الفلانی، أی إنّ حیاته تعتمد على ذلک العمل(3).

وممّا یلفت النظر من الآیات أعلاه أنّ منشأ حیاة الإنسان فی ماء النطفة، ومنشأ حیاة النبات من ماء المطر، وفی الحقیقة ینبع هذان النموذجان للحیاة من الماء، أجل إنّ حکم الله وقانونه واحد فی کلّ شیء.

ثمّ تشیر الآیة التالیة إلى شجرة مبارکة اُخرى نمت من ماء المطر، إضافةً إلى بساتین النخیل والکروم والأشجار والفاکهة الاُخرى (وشجرة تخرج من طور سیناء تنبت بالدهن وصبغ للآکلین)(4).

ماذا یقصد بـ (طور سیناء)؟

ذکر المفسّرون لهذه الکلمة احتمالین: الأوّل: أنّها إشارة إلى جبل الطور المعروف فی صحراء سیناء. وإذا وصف القرآن المجید شجرة الزیتون باعتبارها الشجرة التی تنمو فی جبل الطور، لأنّ عرب الحجاز کانوا یمرّون بهذه الأشجار المبارکة عندما کانوا یتوجّهون إلى الشمال، حیث تقع منطقة الطور فی جنوب صحراء سیناء کما یدلّ على ذلک موقعها الجغرافی بوضوح.

والإحتمال الثّانی: طور سیناء ذات جانب وصفی یعنی الجبل ذی الخیرات، أو الجبل ذی الأشجار الکثیرة، أو الجبل الجمیل (لأنّ «الطور» یعنی الجبل، و«سیناء» تعنی ذات البرکة والجمال والشجر).

وکلمة «صبغ» تعنی فی الأصل اللون، وبما أنّ الإنسان یلوّن خبزه مع المرق، لهذا اُطلق على جمیع أنواع المرق اسم الصبغ. وعلى کلّ حال فکلمة «الصبغ» ربّما تکون إشارة إلى زیت الزیتون الذی یؤکل مع الخبز، أو أنواع الخبز مع المرق الذی یحضر من أشجار اُخرى.

سؤال: وهنا یواجهنا سؤال: لماذا اُکّد على ثلاث فواکه هی: التمر والعنب والزیتون؟

والجواب: فی الجواب على ذلک لابدّ من الإهتمام بمسألة علمیّة، هی أنّ علماء التغذیة أکّدوا أنّه من النّادر أن نجد فاکهة مفیدة لجسم الإنسان بقدر فائدة هذه الفواکه الثلاثة.

فلزیت الزیتون أهمیّة فائقة فی إنتاج الطاقة وبناء الجسم، لأنّ الحرارة الناتجة عن تناوله کبیرة، وهو صدیق حمیم للکبد، ویزیل أمراض الکلیة ویحمیها، ویقوّی الأعصاب، وأخیراً یعتبر إکسیر السلامة.

أمّا التمور فقد وصفت بدرجة لا یسعها هذا الموجز، فسکّرها من أفضل أنواع السکّر وأسلمها، ویرى عدد کبیر من خبراء التغذیة أنّ التمور من الأسباب التی تحول دون الإصابة بالأمراض السرطانیة، حیث کشف العلماء فی التمور ثلاث عشرة مادّة حیویة، وخمسة أنواع من الفیتامینات، وبهذا تعتبر مصدراً غنیّاً بالمواد الغذائیة.

أمّا الأعناب فتعتبر ـ کما یراه بعض العلماء ـ صیدلیة طبیعیّة، فخواصّها تشبه حلیب الاُمّ، وتولّد طاقة حراریة فی الجسم تعادل ضعف ما تولّده اللحوم، وتصفّی الدم، وتدفع السموم عن البدن، وتمنح فیتامیناته الإنسان قوّة وطاقة مثلى(5).

بعد بیان جانب من أنعم الله فی عالم النبات التی تنمو على المطر، یلی ذلک بحث جانب مهمّ من أنعم الله وهباته فی عالم الحیوان (وإنّ لکم فی الأنعام لعبرة)(6).

ثمّ تشرح الآیة «العبرة» فتقول: (نسقیکم ممّا فی بطونه). أجل إنّ الحیوان یدرّ حلیباً لذیذاً یعتبر غذاءً کاملا، ویمنح الجسم حرارة کبیرة، ویخرج الحلیب من بین الدم على شکل دفعات کما ینزف الدم، لتعلموا قدرة الله حیث یتمکّن من خلق غذاء طاهر لذیذ من بین أشیاء تبدو ملوّثة.

ثمّ تضیف الآیة (ولکم فیها منافع کثیرة ومنها تأکلون) إضافة إلى اللحم الذی یعتبر من أجزاء الغذاء الرئیسیّة التی یحتاجها الجسم، یستفاد من جلود الحیوان فی صنع اللباس والخیم القویّة ذات العمر الطویل، کما یستفاد من صوفها فی صنع الملابس والفرش والأغطیة. ویصنع من أجزاء بدنها الدواء، ویستفاد حتى من روثها لتسمید الأشجار والنباتات.

کما یستفاد من الحیوانات فی الرکوب فی البرّ، والسفن فی البحر (وعلیها وعلى الفلک تحملون)(7).

کلّ هذه الخصائص والفوائد فی الحیوان تعتبر ـ حقّاً ـ عبرة لنا، تعرّف الإنسان على ما خلق الله من أنعم، کما تثیر فیه الشعور بالشکر والثناء على الله(8).

السؤال الوحید المتبقّی هو: کیف أصبحت الدواب والسفن فی مستوى واحد؟

إذا لاحظنا مسألةً واحدة فسیکون الردّ واضحاً، وهی أنّ الإنسان بحاجة إلى مرکب فی حیاته، مرّةً فی البر، واُخرى فی البحر وهی السفن.

وهذا التعبیر هو ذاته الذی استخدم فی الآیة 70 من سورة الإسراء حین ذکر ما وهبه الله بنی آدم (وحملناهم فی البرّ والبحر).


1. للإطلاع على السّماوات السبع راجع تفسیر الآیة 29 من سورة البقرة.
2. ویجب ملاحظة أنّ الماء الملوّث یصفى عند مروره من القشرة النافذة فی معظم الأوقات!
3. إنّ «من» فی التّفسیر الأوّل «تبعیضیّة» ، وفی التّفسیر الثّانی «نشویة».
4.«صبغ الآکلین» غذاء یؤکل مع الخبز.
5. للإستزادة فی الإطلاع على فوائد هذه الفواکه الثلاثة الحیویة یراجع تفسیر الآیة 11 من سورة النحل.
6. استخدمت «عبرة» هنا بصیغة نکرة إشارة إلى عظمتها.
7. تناولنا بالبحث الإستفادة من الحیوان بشکل مسهب فی تفسیر الآیة 80 من سورة النحل.
8. بحثنا فی تفسیر الآیة 14 من سورة النحل وکذلک من تفسیر الآیة 65 من سورة الحجّ، أهمیّة السفن ومیزات المواد المختلفة التی تدخل فی استخدام السفن.
سورة المؤمنون / الآیة 17 ـ 22 سورة المؤمنون / الآیة 23 ـ 25
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma