قضاء داود وسلیمان (علیهما السلام):

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة الأنبیاء / الآیة 78 ـ 80بحث

بعد الحوادث والوقائع المتعلّقة بموسى وهارون وإبراهیم ونوح ولوط (علیهم السلام)، تشیر هذه الآیات إلى جانب من حیاة داود وسلیمان، وفی البدایة أشارت إشارة خفیّة إلى حادث قضاء وحکم صدر من جانب داود وسلیمان، فتقول: (وداود وسلیمان إذ یحکمان فی الحرث إذ نفشت(1) فیه غنم القوم وکنّا لحکمهم شاهدین).

وبالرغم من أنّ القرآن قد ألمح إلى هذه المحکمة لمحة خفیّة، وإکتفى بإشارة إجمالیة وإستخلاص النتیجة الأخلاقیة والتربویة لها والتی سنشیر إلیها فیما بعد، إلاّ أنّه وردت بحوث کثیرة حولها فی الرّوایات الإسلامیة وأقوال المفسّرین.

فقال جماعة: إنّ القصّة کانت کما یلی: إنّ قطیع أغنام لبعض الرعاة دخلت لیلا إلى بستان فأکلت أوراقه وعناقید العنب منه فأتلفته، فرفع صاحب البستان شکواه إلى داود، فحکم داود بأن تعطى کلّ الأغنام لصاحب البستان تعویضاً لهذه الخسارة الفادحة، فقال سلیمان ـ والذی کان طفلا آنذاک ـ لأبیه: یانبی الله العظیم، غیّر هذا الحکم وعدّله! فقال الأب: وکیف ذاک؟ قال: یجب أن تودع الأغنام عند صاحب البستان لیستفید من منافعها ولبنها وصوفها، وتودع البستان فی ید صاحب الأغنام لیسعى فی إصلاحه، فإذا عاد البستان إلى حالته الاُولى یُردّ إلى صاحبه، وتردّ الأغنام أیضاً إلى صاحبها. وأیّد الله حکم سلیمان فی الآیة التالیة.

وقد ورد هذا المضمون فی روایة عن الإمامین الباقر والصادق (علیهما السلام)(2).

ویمکن أن یتصوّر عدم تناسب هذا التّفسیر مع کلمة (حرث) التی تعنی الزراعة، ولکن یبدو أنّ للحرث معنى واسعاً یشمل الزراعة والبستان، کما یستفاد ذلک من قصّة أصحاب الجنّة فی سورة القلم، الآیة 17 ـ 32.

لکن تبقى هنا عدّة إستفهامات مهمّة:

ماذا کان أساس ومعیار هذین الحکمین؟

کیف إختلف حکم داود عن حکم سلیمان؟ فهل کانا یحکمان على أساس الإجتهاد؟

هل المسألة هذه کانت على هیئة تشاور فی الحکم، أم أنّهما حکما بحکمین مستقلّین یختلف کلّ منهما عن الآخر؟!

ویمکن الإجابة عن السؤال الأوّل: إنّ المعیار کان جبران الخسارة، فینظر داود إلى أنّ الخسارة التی أصابت الکرم تعادل قیمة الأغنام، ولذلک حکم بوجوب إعطاء الأغنام لصاحب البستان جبراً للخسارة، لأنّ التقصیر من جانب صاحب الأغنام.

وینبغی الإلتفات إلى أنّنا نقرأ فی بعض الرّوایات أنّ على صاحب الأغنام أن یمنع غنمه من التعدّی على زرع الآخرین فی اللیل، کما أنّ من واجب صاحب الزرع حفظ زرعه فی النهار(3).

أمّا معیار حکم سلیمان (علیه السلام) فقد کان یرى أنّ خسارة صاحب البستان تعادل ما سینتفع به من الأغنام لسنة کاملة!

بناءً على هذا فإنّ الإثنین قد قضیا بالحقّ والعدل، مع فارق أنّ حکم سلیمان کان أدقّ، لأنّ الخسارة لا تدفع مرّة واحدة فی مکان واحد، بل تؤدّى بصورة تدریجیّة بحیث لا تثقل على صاحب الغنم أیضاً. وإضافةً إلى ما مرّ، فقد کان هناک تناسب بین الخسارة والجبران، لأنّ جذور النباتات لم تتلف، بل ذهبت منافعها المؤقتة، ولذلک فإنّ من الأعدل ألاّ تنقل اُصول الأغنام إلى ملک صاحب البستان، بل تنقل منافعها فقط.

ونقول فی جواب السؤال الثّانی: لا شکّ أنّ حکم الأنبیاء مستند إلى الوحی الإلهی، إلاّ أنّ هذا لا یعنی أنّ وحیاً خاصّاً ینزل فی کلّ مورد من موارد الحکم، بل إنّ الأنبیاء یحکمون حسب القواعد الکلیّة التی تلقّوها من الوحی.

بناءً على هذا فإنّه لا توجد مسألة الإجتهاد النظری بمعناها الإصطلاحی، وهو الإجتهاد الظنّی، ولکن لا مانع من أن یکون هناک طریقان لإیجاد ضابطة کلیّة، وأن یکون نبیّان کلّ منهما یرى أحد الطریقین، وکلاهما صحیح فی الواقع، وکان الموضوع الذی عالجناه فی بحثنا هو من هذا القبیل کما بیّناه آنفاً بتفصیل. وکما أشار القرآن إلیه، فإنّ الطریق الذی إختاره سلیمان (علیه السلام) کان أقرب من الناحیة التنفیذیّة، وجملة (وکلاًّ آتینا حکماً وعلماً) والتی ستأتی فی الآیة التالیة، شاهدة على صحّة کلا القضاءین.

ونقول فی جواب السؤال الثّالث: لا یبعد أن یکون الأمر على هیئة تشاور، وهو التشاور الذی یحتمل أن یکون لتعلیم سلیمان وتأهیله فی أمر القضاء، والتعبیر بـ (حکمهم) شاهد أیضاً على وحدة الحکم النهائی، بالرغم من وجود حکمین مختلفین فی البدایة.(4)(فتأمّلوا بدقّة).

ونقرأ فی روایة عن الإمام الباقر (علیه السلام) فی تفسیر هذه الآیة أنّه قال: «لم یحکما، إنّما کانا یتناظران»(5).

ویستفاد من روایة اُخرى رویت فی اُصول الکافی عن الإمام الصادق (علیه السلام) أنّ هذه القضیّة حدثت لتعیین وصیّ داود وخلیفته وأن یتعلّم اُولئک النفر منهما أیض(6).

وعلى کلّ حال، فإنّ الآیة التالیة تؤیّد حکم سلیمان فی هذه القصّة على هذه الشاکلة: (ففهّمناها سلیمان) ولکن هذا لا یعنی أنّ حکم داود کان إشتباهاً وخطأً، لأنّها تضیف مباشرةً (وکلاًّ آتینا حکماً وعلماً).

ثمّ تشیر إلى إحدى المواهب والفضائل التی کان الله سبحانه قد وهبها لداود (علیه السلام)، فتقول: (وسخّرنا مع داود الجبال یسبّحن والطیر) فإنّ ذلک لیس شیئاً مهمّاً أمام قدرتنا (وکنّا فاعلین).


1. «نفشت» من مادّة «نَفْش» على وزن (حرب) أی التفرّق والتبعثر فی اللیل، ولمّا کان تفرّق الأغنام فی اللیل، وفی المزرعة سیقترن بالتهام نباتها حتماً لذا قال البعض: إنّها الرعی فی اللیل. و«نَفَش» على وزن (علم) تعنی الأغنام التی تتفرّق فی اللیل.
2. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیات مورد البحث.
3. نقرأ فی تفسیر مجمع البیان فی ذیل الآیة مورد البحث: روی عن النّبی (صلى الله علیه وآله) أنّه قضى بحفظ المواشی على أربابها لیلا، وقضى بحفظ الحرث على أربابه نهاراً. وقد نقل هذا المضمون فی تفسیر الصافی نقلا عن کتاب الکافی.
4. إنّ الأجوبة على هذه الأسئلة تقوم على اساس أن قصة قطیع الغنم تحتمل نوعین من الحکم وکلیهما صحیح فی مجاله، و إلاّ فانّه لا یستفاد من الآیة الشریفة وجود أمر مشکل فی عملیة التحکیم و القضاء حین تقول الآیة «وداود وسلیمان إذ یحکمان فی الحرث» ومن جهة اخرى فقد أیّد اللّه تعالى حکم سلیمان، و أما داود فقد وهبه اللّه القضاء أیضاً کما ورد فی قوله تعالى فی سورة ص الآیة 26 «یا داود إنا جعلناک خلیفة فی الأرض فاحکم بین الناس بالحق» وعلیه یکون قضاء کل منهما صحیحاً.
5. من لا یحضره الفقیه، طبقاً لنقل تفسیر نورالثقلین، ج 3، ص 443.
6. لمزید الإطّلاع راجع تفسیر الصافی ذیل الآیة مورد البحث.
سورة الأنبیاء / الآیة 78 ـ 80بحث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma