بعد أن أعطت الآیات السابقة صورة لرعب الناس حین وقوع زلزلة القیامة، أوضحت الآیات اللاحقة حالة اُولئک الذین نسوا الله، وکیف غفلوا عن مثل هذا الحدث العظیم، فقالت: (ومن الناس من یجادل فی الله بغیر علم ).
نجد هؤلاء الناس یجادلون مرّة فی أساس التوحید ووحدانیّة الحقّ تبارک وتعالى، ومرّة یجادلون فی قدرة الله على إحیاء الموتى، وفی البعث والنشور، ولا دلیل لهم على ما یقولون.
قال بعض المفسّرین: إنّ هذه الآیة نزلت فی «النضر بن الحارث» الذی کان من المشرکین المعاندین، وکان یصرّ على القول بأنّ الملائکة بنات الله، وأنّ القرآن مجموعة من أساطیر السلف تنسب إلى الله، کما کان ینکر الحیاة بعد الموت.
والبعض الآخر من المفسّرین یعتقد أنّ هذه الآیة إشارة إلى جمیع المشرکین الذین یجادلون فی التوحید وفی قدرة الله.
إلاّ أنّ سبب النّزول لا یمکنه أن یضیّق مفهوم هذه الآیة، فهذان القولان یصبّان فی معنى واحد، یشمل جمیع الذین یشترکون فی جدال مع الله تعالى، إمّا عن تقلید أعمى، وإمّا عن عصبیة، أو لإتّباع الخرافات، أو الأهواء النفسیة.
ثمّ تضیف هذه الآیة (ویتّبع کلّ شیطان مرید ) فهؤلاء الأشخاص الذین لا یتّبعون منطقاً أو علماً، وإنّما یتّبعون کلّ شیطان عنید ومتمرّد، ولا یخضعون لشیطان واحد، بل لجمیع الشیاطین! شیاطین الإنس والجنّ، الذین لکلّ منهم برنامجه وأحابیله وشراکه.
وکلمة «مرید» مشتقّة من «مَرَدَ» وأصلها الأرض المرتفعة التی لا نبت فیها. وتطلق أیضاً کلمة «أمرد» على الشجرة الجرداء، ولهذا تطلق أیضاً على کلّ صبی لم ینبت الشعر فی وجهه، وهنا یقصد بـ«المرید» الشخص الذی خلا من أىّ خیر وسعادة. وطبیعی أن یکون مثل هذا الشخص عنیداً وظالماً وعاصیاً. وبهذا یتّضح مصیر الإنسان الذی یتّبع الشیطان الخالی من کلّ خیر!!
ومن هنا کانت الآیة اللاحقة (کتب علیه أنّه من تولاّه فأنّه یضلّه ویهدیه إلى عذاب السعیر ) (1).
1. «السعیر» مشتقّة من «سَعَرَ» بمعنى لهب النّار، وتعنی هنا نار جهنّم الحارقة. التی تمتاز بأنّها أکثر حرقاً من أىّ نار.
