«التمثل» فی الأصل من «المثول»، أی الوقوف مقابل شخص أو شیء، ویقولون للشیء الذی یظهر بصورة اُخرى: ممثلا، وعلى هذا فإنّ قوله: (تمثل لها بشراً سویاً ) تعنی أنّ ذلک الملک قد ظهر بصورة إنسان.
ولا شک أنّ هذا الکلام لا یعنی أنّ جبرئیل قد تبدّل إلى إنسان شکلا وسیرة، لأنّ مثل هذا التحوّل والتبدّل أمر غیر ممکن، بل المراد أنّه ظهر بصورة إنسان بالرغم من أنّ سلوکه کان نفس ذلک السلوک الملائکی، إلاّ أنّ مریم التی لم تکن تعلم بالأمر فی البدایة، کانت تظن أنّ فی مقابلها إنساناً سیرة وصورة.
ونلاحظ کثیراً فی الرّوایات والتواریخ کلمة «تمثل» بمعناها الواسع، ومن جملتها: إنّ إبلیس لمّا اجتمع المشرکون فی «دار الندوة» وکانوا یخططون لقتل النّبی (صلى الله علیه وآله)، ظهر بصورة شیخ کبیر حصیف الرأی، یهدف إلى الخیر، وشرع بإغواء رؤساء قریش.
أو أنّ الدنیا وباطنها تمثّلت للإمام علی (علیه السلام) على شکل إمراة فی غایة الجمال والجذابیة ولم تستطع أن تنفذ إلیه، وقصّتها مفصّلة معروفة.
ونقرأ أیضاً فی الرّوایات أنّ مال الإنسان وولده وعمله تتجسّم أمامه عند الموت بصور مختلفة.
أو أنّ أعمال الإنسان تتجسّم فی القبر ویوم القیامة، ویظهر کلّ منها بشکل خاص.
إنّ التمثّل فی جمیع هذه الوارد یعنی أنّ شیئاً أو شخصاً یظهر بشکل آخر من ناحیة الصورة والشکل فقط، لا أن تتبدّل ماهیته وباطنه (1).