صخب السامری:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة طه / الآیة 83 ـ 91 1ـ شوق اللقاء!

ذکر فی هذه الآیات فصل آخر من حیاة موسى(علیه السلام) وبنی إسرائیل، ویتعلّق بذهاب موسى(علیه السلام) مع وکلاء وممثّلی بنی إسرائیل إلى الطور حیث موعدهم هناک، ثمّ عبادة بنی إسرائیل للعجل فی غیاب هؤلاء.

کان من المقرّر أن یذهب موسى(علیه السلام) إلى «الطور» لتلقّی أحکام التوراة، ویصطحب معه جماعة من بنی إسرائیل لتتّضح لهم خلال هذه الرحلة حقائق جدیدة حول معرفة الله والوحی.

غیر أنّ شوق موسى(علیه السلام) إلى المناجاة مع الله وسماع ترتیل الوحی کان قد بلغ حدّاً بحیث

نسی فی هذا الطریق ـ حسب الرّوایات ـ کلّ شیء حتى الأکل والشرب والإستراحة، فطوى هذا الطریق بسرعة، ووصل لوحده قبل الآخرین إلى میقات الله ومیعاده. هنا نزل علیه الوحی: (وما أعجلک عن قومک یاموسى

فأجاب موسى على الفور: (قال هم أولاء على أثری وعجلت إلیک ربّ لترضى) فلیس شوق المناجاة وسماع کلامک لوحده قد سلب قراری، بل کنت مشتاقاً إلى أن آخذ منک أحکام التوراة بأسرع ما یمکن لاُؤدّیها إلى عبادک، ولأنال رضاک عنّی بذلک... أجل إنّی عاشق لرضاک، ومشتاق لسماع أمرک.

وفی هذا اللقاء إمتدّت مدّة الإشراقات والتجلیّات المعنویة الإلهیّة من ثلاثین لیلة إلى أربعین، وأدّت الأجواء المهیّأة لانحراف بنی إسرائیل دورها، فالسامری، ذلک الرجل الفطن والمنحرف صنع باستعماله الوسائل التی سنشیر إلیها فیما بعد عجلا، ودعا تلک الجماعة إلى عبادته، وأوقعهم فیها.

لا شکّ فی أنّ العوامل المساعدة کمشاهدة عبادة المصریین للعجل، أو مشاهدة مشهد عبادة الأصنام ـ بعد عبور نهر النیل، وطلب صنع صنم کهؤلاء ـ وکذلک تمدید مدّة میعاد موسى، وإنتشار شائعة موته من قبل المنافقین، وأخیراً جهل هذه الاُمّة، کلّ ذلک کان له أثر فی ظهور هذه الحادثة والانحراف الکبیر عن التوحید، لأنّ الحوادث الاجتماعیة لا تقع عادةً بدون مقدّمات، غایة ما هناک أنّ هذه المقدّمات تکون تارةً واضحة وعلنیة، واُخرى مستورة وخفیّة.

على کلّ حال، فإنّ الشرک فی أسوأ صورة قد أحاط ببنی إسرائیل، وأخذ بأطرافهم، خاصّةً وأنّ کبار القوم کانوا مع موسى فی الجبل، وکان زعیم الاُمّة هارون وحیداً دون أن یکون له مساعدون أکفّاء مؤثّرون.

وأخیراً أخبر الله موسى فی المیعاد بما جرى لقومه والسامری إذ تحکی الآیة التالیة ذلک فتقول: (قال فإنّا قد فتنّا قومک من بعدک وأضلّهم السامری).

غضب موسى عند سماعه هذه الکلمات غضباً إلتهب معه کلّ وجوده، وربّما کان یقول لنفسه: لقد تحمّلت المصائب والمصاعب خلال هذه السنین الطویلة، وأرهقت نفسی وواجهت کلّ الأخطار فی سبیل أن ترکن هذه الاُمّة إلى التوحید، فکیف ذهبت جهودی أدراج الریاح بمجرّد أن غبت عنها عدّة أیّام (فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً).

وما أن وقعت عینه على ذلک المنظر القبیح، منظر عبادة العجل (قال یا قوم ألم یعدکم ربّکم وعداً حسناً). وهذا الوعد الحسن إمّا أن یکون وعد بنی إسرائیل بنزول التوراة وبیان الأحکام السماویة فیها، أو الوعد بالنجاة والإنتصار على الفراعنة ووراثة حکومة الأرض، أو الوعد بالمغفرة والعفو للذین یتوبون ویؤمنون ویعملون الصالحات، أو أنّه کلّ هذه الاُمور.

ثمّ أضاف: (أفطال علیکم العهد) وهو یشیر إلى أنّه: هبوا أنّ مدّة رجوعی قد طالت من ثلاثین إلى أربعین یوماً، فإنّ هذا الزمن لیس طویلا، ألا یجب علیکم أن تحفظوا أنفسکم فی هذه المدّة القصیرة؟ وحتى لو نأیت عنکم سنین طویلة فینبغی أن تلتزموا بالتعالیم الإلهیّة التی تعلّمتموها وتؤمنوا بالمعجزات التی رأیتموها: (أم أردتم أن یحلّ علیکم غضب من ربّکم فأخلفتم موعدی)(1) فقد عاهدتکم على أن تثبتوا على خطّ التوحید وطریق طاعة الله الخالصة، وأن لا تنحرفوا عنه قید أنملة، إلاّ أنّکم نسیتم کلّ کلامی فی غیابی، وکذلک تمردّتم على طاعة أمر أخی هارون وعصیتموه.

فلمّا رأى بنو إسرائیل أنّ موسى (علیه السلام) قد عنّفهم بشدّة ولامهم على فعلهم وتنبّهوا إلى قبح ما قاموا به من عمل، هبوا للإعتذار ف(قالوا ما أخلفنا موعدک بملکنا)(2) فلم نکن فی الواقع قد رغبنا وصمّمنا على عبادة العجل (ولکنّا حمّلنا أوزاراً من زینة القوم فقذفناها فکذلک ألقى السامری).

وللمفسّرین آراء فیما فعله بنو إسرائیل، وما فعله السامری، وما هو معنى الآیات ـ محلّ البحث ـ على نحو الدقّة، ولا یبدو هناک فرق کبیر فی النتیجة بین هذه الإختلافات.

فذهب بعضهم: إنّ «قذفناها» تعنی أنّنا ألقینا أدوات الزینة التی کنّا قد أخذناها من الفراعنة قبل الحرکة من مصر فی النّار، وکذلک ألقى السامری ما کان معه أیضاً فی النّار حتى ذاب وصنع منه عجلا.

وقال آخرون: إنّ معنى الجملة أنّنا ألقینا أدوات الزینة بعیداً عنّا، فجمعها السامری وألقاها فی النّار لیصنع منها العجل.

ویحتمل أیضاً أن تکون جملة (فکذلک ألقى السامری) إشارة إلى مجموع الخطّة التی نفّذها السامری.

وعلى کلّ حال، فإنّ کبیر القوم إذا لام مَن تحت إمرته على إرتکابهم ذنباً ما، فإنّهم یسعون إلى نفی ذلک الذنب عنهم، ویلقونه على عاتق غیرهم، وکذلک عبّاد العجل من بنی إسرائیل، فإنّهم کانوا قد انحرفوا بإرادتهم ورغبتهم عن التوحید إلى الشرک، إلاّ أنّهم أرادوا أن یلقوا کلّ التبعة على السامری.

على کلٍّ، فإنّ السامری ألقى کلّ أدوات زینة الفراعنة وحلیّهم التی کانوا قد حصلوا علیها عن طریق الظلم والمعصیة ـ ولم یکن لها قیمة إلاّ أن تصرف فی مثل هذا العمل المحرّم ـ فی النّار (فأخرج لهم عجلا جسداً له خوار)(3) فلمّا رأى  بنو إسرائیل هذا المشهد، نسوا فجأةً کلّ تعلیمات موسى التوحیدیّة (فقالوا هذا إلهکم وإله موسى).

ویحتمل أیضاً أن یکون قائل هذا الکلام هو السامری وأنصاره والمؤمنون به.

وبهذا فإنّ السامری قد نسی عهده ومیثاقه مع موسى، بل مع إله موسى، وجرّ الناس إلى طریق الضلال: «فنسی».

ولکن بعض المفسّرین فسّروا «النسیان» بالضلال والإنحراف، أو أنّهم اعتبروا فاعل النسیان موسى (علیه السلام) وقالوا: إنّ هذا کلام السامری، وهو یرید أن یقول: إنّ موسى نسی أنّ هذا العجل هو ربّکم، إلاّ أنّ کلّ ذلک مخالف لظاهر الآیة، وظاهرها هو ما قلناه من أنّ المراد هو أنّ السامری قد أودع عهده ومیثاقه مع موسى وربّ موسى فی ید النسیان، واتّخذ طریق عبادة الأصنام.

وهنا قال الله سبحانه توبیخاً وملامة لعبدة الأوثان هؤلاء: (أفلا یرون ألاّ یرجع إلیهم قولا ولا یملک لهم ضرّاً ولا نفعاً) فإنّ المعبود الواقعی یستطیع على الأقل أن یُلبّی طلبات عباده ویجیب على أسئلتهم، فهل یمکن أن یکون سماع خوار العجل من هذا الجسد الذهبی لوحده، ذلک الصوت الذی لا یُشعر بأیّة إرادة، دلیلا على جواز عبادة العجل، وصحّة تلک العبادة؟

وعلى فرض أنّه أجابهم عن أسئلتهم، فإنّه لا یعدو أن یکون کإنسان عاجز لا یملک نفع غیره ولا ضرّه، بل وحتى نفسه، فهل یمکن أن یکون معبوداً وهو على هذا الحال؟

أىّ عقل یسمح بأن یعبد الإنسان تمثالا لا روح له یظهر منه بین الحین والآخر صوت غیر مفهوم، ویعظّمه ویخضع أمامه؟

ولا شکّ أنّ هارون، خلیفة موسى ونبی الله الکبیر، لم یرفع یده عن رسالته فی هذا الصخب والغوغاء، وأدّى واجبه فی محاربة الانحراف والفساد قدر ما یستطیع، کما یقول القرآن: (ولقد قال لهم هارون من قبل یاقوم إنّما فتنتم به) ثمّ أضاف: (وإنّ ربّکم الرحمن).

لقد کنتم عبیداً فحرّرکم، وکنتم أسرى فأطلقکم، وکنتم ضالّین فهداکم، وکنتم متفرّقین مبعثرین فجمعکم ووحّدکم تحت رایة رجل ربّانی، وکنتم جاهلین فألقى علیکم نور العلم وهداکم إلى صراط التوحید المستقیم، فالآن (فاتّبعونی وأطیعوا أمری).

أنسیتم أنّ أخی موسى قد نصّبنی خلیفة له وفرض علیکم طاعتی؟ فلماذا تنقضون المیثاق؟ ولماذا ترمون بأنفسکم فی هاویة الفناء؟

إلاّ أنّ بنی إسرائیل تمسکّوا بهذا العجل عناداً، ولم یؤثّر فیهم المنطق السلیم القوی لهذا الرجل، ولا أدلّة هذا القائد الحریص، وأعلنوا مخالفتهم بصراحة: (قالوا لن نبرح علیه عاکفین حتى یرجع إلینا موسى)(4).

والخلاصة: إنّهم رکبوا رؤوسهم وقالوا: الأمر هو هذا ولا شیء سواه، ویجب أن نعبد العجل حتى یرجع موسى ونطلب منه الحکم والقضاء، فلعلّه یسجد معنا للعجل! وعلى هذا فلا تتعب نفسک کثیراً، وکفّ عنّا یدک!

وبهذا لم یذعن بنو إسرائیل لأمر العقل ولا لأمر خلیفة قائدهم وزعیمهم أیضاً.

ولکن، کما کتب المفسّرون ـ والقاعدة تقتضی ذلک أیضاً ـ فإنّ هارون لمّا أدّى رسالته فی هذه المواجهة، ولم یقبل أکثر بنی إسرائیل کلامه، إبتعد عنهم بصحبة القلّة الذین اتّبعوه، لئلاّ یکون إختلاطهم بهؤلاء دلیلا على إمضاء طریقهم المنحرف.

والعجیب أنّ بعض المفسرین ذکروا أنّ هذا التبدّل والانحراف فی بنی إسرائیل قد حدث فی أیّام قلیلة فحسب، فبعد أن مضت 35 یوماً على ذهاب موسى (علیه السلام) إلى میقات ربّه، شرع السامری بعمله، وطلب من بنی إسرائیل أن یجمعوا کلّ أدوات الزینة التی أخذوها کعاریة من الفراعنة وما أخذوه منهم بعد غرقهم، ووضعوها جمیعاً فی الیوم السادس والثلاثین والسابع والثلاثین والثامن والثلاثین فی موقد النّار، وأذابوها ثمّ صنعوا منها تمثال العجل، وفی الیوم التاسع والثلاثین دعاهم السامری إلى عبادته، فقبلها جماعة عظیمة ـ وعلى بعض الرّوایات ستمائة ألف شخص ـ وفی الیوم التالی، أی فی نهایة الأربعین یوماً، رجع موسى(5).

ولکن إفترق عنهم هارون مع القلّة من المؤمنین الثابتین، والذین کان عددهم قرابة إثنی عشر ألفاً، فی حین أنّ الأغلبیة الجاهلة کادوا أن یقتلوه!


1. من البدیهی أن لا أحد یصمّم على أن یحلّ علیه غضب الله، بل المراد من العبارة أنّکم فی وضع کأنّکم قد صمّمتم مثل هذا التصمیم فی حقّ أنفسکم.
2. «مَلْک» و«مِلک» کلاهما تعنی تملّک الشیء، وکأنّ مراد بنی إسرائیل أنّنا لم نتملّک هذا العمل، بل وقعنا تحت تأثیره حتى إختطف قلوبنا ودیننا من أیدینا، واعتبر بعض المفسّرین هذه الجملة مرتبطة بجماعة قلیلة من بنی إسرائیل لم تعبد العجل، ویقال إنّ ستمائة ألف شخص من هؤلاء أصبحوا من عبدة العجل، وبقی منهم إثنا عشر ألفاً فقط على التوحید، لکن یبدو أنّ التّفسیر الذی قلناه فی المتن هو الأصحّ.
3. «الخوار» صوت البقرة والعجل، ویطلق أحیاناً على صوت البعیر.
4. «لن نبرح» من مادّة «برح» بمعنى الزوال، وإنّ ما نراه فی أنّ معنى جملة «برح الخفاء» أی الظهور والوضوح لأنّ زوال الخفاء لیس إلاّ الظهور، ولمّا کانت (لن) تدلّ على النفی، فإنّ معنى جملة (لن نبرح) أنّنا سنستمر فی هذا العمل.
5. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث.
سورة طه / الآیة 83 ـ 91 1ـ شوق اللقاء!
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma