برهان التمانع:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
الشرک ینبع من الظنّ: سورة الأنبیاء / الآیة 26 ـ 29

إنّ الدلیل الوارد فی الآیة آنفة الذکر الذی یتحرک لإثبات التوحید ونفی الآلهة، فی الوقت الذی هو بسیط وواضح، فإنّه من البراهین الفلسفیّة الدقیقة فی هذا الباب، ویذکره العلماء تحت عنوان (برهان التمانع). ویمکن إیضاح خلاصة هذا البرهان بما یلی:

إنّنا نرى ـ بدون شکّ ـ نظاماً واحداً حاکماً فی هذا العالم، ذلک النظام المتناسق من جمیع جهاته، فقوانینه ثابتة تجری فی الأرض والسّماء، ومناهجه متطابقة بعضها مع بعضها، وأجزاؤه متناسبة.

إنّ إنسجام القوانین وأنظمة الخلقة هذه یحکی أنّها تنبع من عین واحدة، لأنّ البدایات إن کانت متعدّدة، والإرادات مختلفة، لم یکن یوجد هذا الإنسجام مطلقاً، وهذا الشیء الذی یعبّر عنه القرآن بـ (الفساد) یلاحظ فی العالم بوضوح.

إذا کنّا من أهل التحقیق والمطالعة ـ ولو قلیلا ـ فإنّا نستطیع أن نفهم جیّداً من خلال تحقیق کتاب ما، أنّ کاتبه شخص واحد أم عدّة أشخاص؟ فإنّ الکتاب الذی یؤلّفه شخص واحد یوجد إنسجام خاص بین عباراته، ترتیب جمله، تعبیراته المختلفة، کنایاته وإشاراته، عناوینه ورؤوس مطالبه، طریقة الدخول فی البحوث والخروج منها، والخلاصة: إنّ کلّ أقسامه متحدّة متناسقة لأنّها ولیدة فکر واحد، وترشّح قلم واحد.

أمّا إذا تعهّد شخصان أو عدّة أشخاص بأن یؤلّف کلّ منهم جزءاً من  الکتاب ـ وإن کان الجمیع علماء متقاربین فی الروح والتفکیر ـ فستظهر آثار هذه الإزدواجیة أو الکثرة فی العبارات والألفاظ، وطریقة الأبحاث، وسبب ذلک واضح، لأنّ الفردین مهما کانا منسجمین فی الفکر والذوق، فإنّهما فی النتیجة فردان، فلو کانت کلّ أشیائهما واحدة لأصبحا فرداً واحداً، فبناء على هذا فیجب أن یکون هناک تفاوت فیما بینهما قطعاً لیتمکّنا أن یکونا فردین، وهذا الإختلاف سیؤثّر أثره فی النتیجة، وسیُبدی آثاره فی کتاباتهما.

وکلّما کان هذا الکتاب أکبر وأکثر تفصیلا، ویبحث مواضیع متنوّعة، فإنّ عدم الإنسجام یُلمس فیه أوضح. وکتاب عالم الخلقة الکبیر، الذی نضیع فی طیّات عباراته بکلّ وجودنا لعظمته وسعته، یشمله هذا القانون أیضاً.

حقّاً إنّنا لا نستطیع مطالعة کلّ هذا الکتاب حتى لو صرفنا کلّ عمرنا فی مطالعته، إلاّ أنّ هذا القدر الذی وُفّقنا نحن ـ وجمیع العلماء ـ لمطالعته منسجم إلى الحدّ الذی یدلّ تماماً على وحدة مؤلّفه... إنّنا کلّما تصفّحنا هذا الکتاب العجیب فستظهر بین کلماته وسطوره وصفحاته آثار تنظیم عال وإنسجام منقطع النظیر، فإذا کانت هناک إرادات وبدایات

متعدّدة تتدخّل فی إدارة هذا العالم وتنظیمه، فهل کان بالإمکان أن یوجد مثل هذا الإنسجام؟

ولو فکّرنا: لماذا یستطیع علماء الفضاء أن یرسلوا السفن الفضائیة إلى الفضاء بدقّة کاملة، وینزلوا العربة على القمر فی المحلّ الذی قدّروه من الناحیة العلمیة بدقّة متناهیة، ثمّ یحرّکونها من هناک وینزلونها إلى الأرض فی المحلّ الذی توقّعوه؟

ألم تکن هذه الدقّة فی الحسابات لکون النظام الحاکم على کلّ الوجود الذی هو أساس حسابات هؤلاء العلماء، دقیقاً ومنسجماً، بحیث إذا کان هناک شیء من عدم الإنسجام ـ ومن الناحیة الزمنیّة جزء من مائة من الثّانیة ـ فستضطرب جمیع حساباتهم؟

ونقول بإختصار: إذا کانت هناک إرادتان أو عدّة إرادات حاکمة فی العالم، فإنّ لکلّ واحدة قضاء، وکانت الاُخرى تمحو أثر الاُولى، وسیؤول العالم إلى الفساد عندئذ.

سؤال: وهنا یُثار سؤال یمکن إستلهام جوابه من التوضیحات السابقة، وهو: إنّ تعدّد الآلهة یکون منشأ للفساد عندما یحارب أحدها الآخر، أمّا إذا اعتقدنا بأنّ هؤلاء أفراد حکماء عالمون، فإنّهم یتعاونون فیما بینهم ویدیرون العالم.

والجواب هذا السؤال لا لَبْسَ فیه: فإنّ کونهم حکماء لا یزیل تعدّدهم، فعندما نقول: إنّهم متعدّدون، فإنّ معناه إنّهم لیسوا متحدّین من جمیع الجهات، لأنّهم إن اتّحدوا من کلّ الجوانب أصبحوا إلهاً واحداً، وبناءً على ذلک فأینما وجد التعدّد وجد الاختلاف الذی یؤثّر فی الإدارة والعمل شئنا أم أبینا، وهذا سیجرّ عالم الوجود إلى الهرج والمرج.

وقد استُنِد فی بعض هذه الاستدلالات إلى أنّه لو کان هناک إرادتان حاکمتان على الخلق، لما کان هناک عالم أصلا، فی حین أنّ هذه الآیة تتحدّث عن فساد العالم وإختلال النظام، لا عن عدم وجود العالم.

ومن اللطیف أن نقرأ فی حدیث یرویه هشام بن الحکم عن الإمام الصادق (علیه السلام) فی جواب الرجل الملحد الذی کان یتحدّث عن تعدّد الآلهة، أنّه قال:  «لا یخلو قولک أنّهما إثنان من أن یکونا قویّین أو یکونا ضعیفین، أو یکون أحدهما قویّاً والآخر ضعیفاً، فإن کانا قویّین فلِمَ لا یدفع کلّ واحد منهما صاحبه وینفرد بالتدبیر، وإن زعمت أنّ أحدهما قوی والآخر ضعیف ثبت أنّه واحد لا کما تقول، للعجز الظاهر فی الثّانی، وإن قلت: إنّهما إثنان، لا یخلو من أن یکونا متّفقین من کلّ جهة أو متفرّقین من کلّ جهة، فلمّا رأینا الخلق منتظماً، والفلک جاریاً، وإختلاف

اللیل والنهار، والشمس والقمر، دلّ صحّة الأمر والتدبیر وإئتلاف الأمر أنّ المدبّر واحد.

ثمّ یلزمک إن ادّعیت إثنین فلابدّ من فرجة بینهما حتى یکونا إثنین، فصارت الفرجة ثالثاً بینهما قدیماً معهما فیلزمک ثلاثة، فإن ادّعیت ثلاثة لزمک ما قلنا فی الإثنین حتى یکون بینهما فرجتان فیکون خمساً، ثمّ یتناهى فی العدد إلى ما  لا نهایة فی الکثرة»(1).

إنّ بدایة هذا الحدیث إشارة إلى برهان التمانع، ونهایته إشارة إلى برهان آخر یسمّى بـ (برهان الفرجة).

وفی حدیث آخر: إنّ هشام بن الحکم سأل الإمام الصادق (علیه السلام): ما الدلیل على أنّ الله واحد؟ قال: «اتّصال التدبیر، وتمام الصنع، کما قال الله عزّوجلّ: لو کان فیهما آلهة إلاّ الله لفسدتا»(2).

وبعد أن ثبت بالإستدلال الذی ورد فی الآیة توحید مدبّر ومدیر هذا العالم، فتقول الآیة التالیة: إنّه قد نظّم العالم بحکمة لا مجال فیها للإشکال والإنتقاص ولا أحد یعترض علیه فی خلقه: (لا یسأل عمّا یفعل وهم یسألون).

وبالرغم من أنّ المفسّرین قد تکلّموا کثیراً حول تفسیر هذه الآیة، إلاّ أنّ ما ذکرناه أعلاه یبدو هو الأقرب.

وتوضیح ذلک: أنّ لدینا نوعین من الأسئلة:

الأوّل: السؤال التوضیحی، وهو أن یکون الإنسان جاهلا ببعض المسائل، ویرغب فی أن یدرک حقیقتها، وحتى إذا علم وآمن بأنّ هذا العمل الذی تمّ کان صحیحاً، فإنّه یرید أن یعلم النقطة الأصلیّة والهدف الحقیقی منه، ومثل هذا السؤال جائز حتى حول أفعال الله، بل إنّ هذا السؤال یعتبر أساس ومصدر الفحص والتحقیق فی عالم الخلقة والمسائل العلمیّة، وقد کان لأصحاب النّبی والأئمّة کثیر من هذه الأسئلة سواء فیما یتعلّق بعالم التکوین أو التشریع.

أمّا النوع الثّانی: فهو السؤال الإعتراضی، والذی یعنی أنّ العمل الذی تمّ کان خطأً، کأن ینقض إنسان عهده بلا سبب، فنقول: لماذا نقضت عهدک؟ فلیس الهدف طلب التوضیح، بل الهدف الإعتراض والتخطئة.

من المسلّم أنّ هذا النوع من السؤال لا معنى له حول أفعال الله الحکیم، وإذا ما اعترض أحد أحیاناً فلجهله، إلاّ أنّ مجال هذا السؤال حول أفعال الآخرین واسع.

وفی حدیث عن الإمام الباقر(علیه السلام) فی جواب سؤال جابر الجعفی عن هذه الآیة أنّه قال: «لأنّه لا یفعل إلاّ ما کان حکمة وصواباً»(3).

ویمکن أن تُستخلص نتیجة من هذا الکلام، وهی: إنّ أحداً إذا سأل سؤالا من النوع الثّانی، فهو دلیل على أنّه لم یعرف الله معرفة صحیحة لحدّ الآن، وهو جاهل بکونه حکیماً.

وتشتمل الآیة التالیة على دلیلین آخرین فی مجال نفی الشرک، فمضافاً إلى الدلیل السابق یصبح مجموعها ثلاثة أدلّة.

تقول الآیة أوّلا: (أم اتّخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانکم) وهو إشارة إلى أنّکم إذا صرفتم النظر عن الدلیل السابق القائم على أنّ نظام عالم الوجود دلیل على التوحید، فإنّه لا یوجد أىّ دلیل ـ على الأقل ـ على إثبات الشرک واُلوهیّة هذه الآلهة، فکیف یتقبّل إنسان عاقل مطلباً لا دلیل علیه؟

ثمّ تشیر إلى الدلیل الأخیر فتقول: (هذا ذکر من معی وذکر من قبلی) وهذا هو الدلیل الذی ذکره علماء العقائد تحت عنوان (إجماع وإتّفاق الأنبیاء على التوحید).

ولمّا کانت کثرة المشرکین (وخاصّةً فی ظروف حیاة المسلمین فی مکّة، والتی نزلت فیها هذه السورة) مانعاً أحیاناً من قبول التوحید من قبل بعض الأفراد، فهی تضیف: (بل أکثرهم لا یعلمون الحقّ فهم معرضون).

لقد کانت مخالفة الأکثریة الجاهلة فی کثیر من المجتمعات دلیلا وحجّة لإعراض الغافلین الجاهلین دائماً، وقد إنتقد القرآن الإستناد إلى هذه الأکثریة بشدّة فی کثیر من الآیات، سواء التی نزلت فی مکّة أو المدینة، ولم یعرها أیّة أهمیّة، بل اعتبر المعیار هو الدلیل والمنطق.

ولمّا کان من المحتمل أن یقول بعض الجهلة الغافلین أنّ لدینا أنبیاء کعیسى مثلا دعوا إلى آلهة متعدّدة، فإنّ القرآن الکریم یقول فی آخر آیة من الآیات محلّ البحث بصراحة تامّة: (وما أرسلنا من قبلک من رسول إلاّ نوحی إلیه أنّه لا إله إلاّ أنا فاعبدون) وبهذا یثبت أنّه لا عیسى ولا غیره قد دعا إلى الشرک، ومثل هذه النسبة إلیه تهمة وإفتراء.


1. التوحید، «للصدوق» کما ورد فی تفسیر نور الثقلین، ج 3، ص 417 ـ 418.
2. تفسیر نورالثقلین، ج 3، ص 418.
3. توحید الصدوق، حسب نقل تفسیر نور الثقلین، ج 3، ص 419.
الشرک ینبع من الظنّ: سورة الأنبیاء / الآیة 26 ـ 29
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma