ملاحظة تاریخیة هامّة حول الهجرة الاُولى:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
نفی الولد یعنی نفی الإحتیاج عن الله: سورة مریم / الآیة 36 ـ 40

إنّ أوّل هجرة وقعت فی الإسلام کانت هجرة مجموعة کبیرة من المسلمین ـ ضمّت النساء والرجال ـ إلى أرض الحبشة، فقد ترک هؤلاء مکّة للخلاص من قبضة مشرکی قریش، وتنظیم أمرهم والتهیّؤ بأقصى درجات الإستعداد للبرامج والمشاریع الإسلامیة المستقبلیة وکما توقّعوا من قبل، فإنّهم استطاعوا أن یعیشوا هناک فی طمأنینة واستقرار، ویشتغلوا بتربیة أنفسهم وتزکیتها ونشر الدین الحنیف.

لقد طرق هذا الخبر أسماع زعماء قریش، فاعتبروا هذه القضیة ناقوس خطر بالنسبة إلیهم، وأحسّوا بأنّ الحبشة ستکون مأوى وملجأ للمسلمین، وربّما یرجعون إلى مکّة بعد أن تقوى شوکتهم، وبالتالی سیخلقون للمشرکین مشاکل وعراقیل عظیمة.

وبعد التشاور استقر رأیهم على انتخاب رجلین من رجال قریش النشطین، وإرسالهما إلى النجاشی حتى یبیّنوا للنجاشی الأخطار التی تنجم عن وجود المسلمین هناک کی یطرد هؤلاء من هذه الأرض المطمئنة. فأرسلوا «عمرو بن العاص» و«عبد الله بن أبی ربیعة» مع هدایا کثیرة إلى النجاشی وقوّاد جیشه.

تقول «أم سلمة» زوجة النّبی (صلى الله علیه وآله): لمّا دخلنا أرض الحبشة رأینا حسن استقبال ومعاملة النجاشی، فلم نُمنع من شعائر دیننا، ولم یکن یؤذینا أحد، إلاّ أنّ قریش بعد علمها بهذه المسألة، وإرسالها الرجلین مع الهدایا الکثیرة، کانت قد أمرت هؤلاء أن یلتقوا بقادة الحبشة قبل لقائه، وأن یسلّموهم هدایاهم، ثمّ یقدّمون هدایا النجاشی إلیه، ویطلبون منه أن یسلّم المسلمین إلیهم قبل أن ینبسوا ببنت شفة!

وقد نفّذ هؤلاء هذه الخطة بدقّة، وقالوا مقدّماً لقوّاد وأمراء جیش النجاشی: إنّ جماعة من الشباب الحمقى قد لجؤوا إلى أرضکم، وقد ابتعد هؤلاء عن دینهم، ولم یعتنقوا دینکم أیضاً، وقد ابتدعوا دیناً جدیداً لا نعرفه، ولا أنتم تعرفونه، وقد أرسلنا أشراف قریش إلیکم حتى نقطع شرّهم عن هذه البلاد، ونعیدهم إلى قومهم، فأخذوا من حاشیة النجاشی عهداً بأنّهم متى ما استشارهم النجاشی فإنّهم سیؤیدّون هذه الفکرة ویقولون: إنّ قوم هؤلاء أعلم بحالهم. ثمّ أدخلوا على الملک وکرّروا ما تواطئوا علیه.

لقد کانت هذه الخطة تسیر خطواتها بدقة نحو الأمام، وقد أصبحت هذه الکلمات الخدّاعة، مع تلک الهدایا الکثیرة سبباً فی أن تصدّق حاشیة النجاشی هؤلاء.

وبعد أن سمع النجاشی أقوالهم غضب وقال: لا والله، لا أسلّم قوماً جاورونی ونزلوا بلادی واختارونی على من سوای حتى أدعوهم وأسألهم عمّا یقول هذان، فإن کانا صادقین سلّمتهم إلیهما، وإن کانوا على غیر ما یذکر هذان منعتهم وأحسنت جوارهم.

تقول أم سلمة: فبعث النجاشی إلى المسلمین، فتشاوروا فیما بینهم فیما یقولون، واستقر رأیهم على أن یقولوا الحقیقة، ویشرحوا تعلیمات النّبی (صلى الله علیه وآله) وبرنامج الإسلام، ولیکن ما یکون!

لقد کان ذلک الیوم الذی عُیّن لهذه الدعوة یوماً عصیباً، فإنّ کبار النصارى وعلماءهم کانوا قد دعوا إلى ذلک المجلس، وکانت الکتب المقدّسة فی أیدیهم، فاستقبل النجاشی المسلمین وسألهم: ما هذا الدین الذی فارقتم فیه قومکم ولم تدخلوا فی دینی ولا دین أحد من الملل؟

فتصدّى جعفر بن أبی طالب (علیه السلام) للجواب وقال: «أیّها الملک کنّا أهل جاهلیة نعبد الأصنام ونأکل المیتة ونأتی الفواحش ونقطع الأرحام ونسیء الجوار ویأکل القوی منّا الضعیف حتى بعث الله إلینا رسولا منّا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا لتوحید الله وأن لا نشرک به شیئاً ونخلع ما کنّا نعبد من الأصنام وأمرنا بصدق الحدیث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والکف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأکل مال الیتیم وأمرنا بالصلاة والصیام».

وعدّد علیه اُمور الإسلام ثم قال: فآمنا به وصدقناه وحرّمنا ما حرّم علینا وحللنا ما

أحل لنا فتعدّى علینا قومنا فعذبونا وفتنونا عن دیننا لیردونا إلى عبادة الأوثان فلمّا قهرونا وظلمونا وحالوا بیننا وبین دیننا خرجنا إلى بلادک واخترناک على من سواک ورجونا أن لا نُظلم عندک أیّها الملک.

فقال النجاشی: هل معک ممّا جاء به عن الله شیء؟ قال: نعم، فقرأ علیه سطراً من «کهیعص».

فلمّا قرأ جعفر هذه الآیات بقراءته المؤثّرة النابعة من صفاء القلب، أثّرت فی روح النجاشی وعلماء النصارى الکبار إلى الحدّ الذی کانت تنهمر دموعهم على وجوههم بدون إرادة، فتوجّه إلیهم النجاشی وقال: «إن هذا والذی جاء به عیسى یخرج من مشکاة واحدة، انطلقا والله لا أسلمهم إلیکما أبداً».

ثمّ سعى رسولا قریش مساعی اُخرى لتغییر نظرة النجاشی تجاه المسلمین، إلاَّ أنّها لم تؤثّر فی روحه السامیة الواعیة، فرجعا یائسین من هناک، وأرجعوا إلیهم هدایاهم (1).


1. اُقتبس من سیرة ابن هشام، ج 1، ص 356 ـ 361.
نفی الولد یعنی نفی الإحتیاج عن الله: سورة مریم / الآیة 36 ـ 40
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma