مشهد القیامة المهول:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة طه / الآیة 105 ـ 112 1ـ الفرق بین الظلم والهضم

تتابع هذه الآیات الکلام فی الآیات السابقة عن الحوادث المرتبطة بانتهاء الدنیا وبدایة القیامة.

ویظهر من الآیة الاُولى أنّ الناس کانوا قد سألوا النّبی(صلى الله علیه وآله) عن مصیر الجبال عند انتهاء الدنیا، وربّما کان ذلک لأنّهم لم یکونوا یصدّقون إمکانیة تصدّع وزوال هذه الجبال العظیمة التی إمتدّت جذورها فی أعماق الأرض وشمخت رؤوسها إلى السّماء، وإذا کان بالإمکان قلعها من مکانها فأىّ هواء أو طوفان له مثل هذه القدرة؟ ولذلک یقول: (ویسألونک عن الجبال) والجواب: (فقل ینسفها ربّی نسفاً)(1).

یستفاد من مجموع آیات القرآن حول مصیر الجبال أنّها تمرّ عند حلول القیامة بمراحل مختلفة:

فهی ترجف وتهتزّ أوّلا: (یوم ترجف الأرض والجبال)(2).

ثمّ تتحرّک: (وتسیر الجبال سیراً)(3).

وفی المرحلة الثّالثة تتلاشى وتتحوّل إلى کثبان من الرمل: (وکانت الجبال کثیباً مهیلا).(4)

وفی المرحلة الأخیرة سیزحزحها الهواء والطوفان من مکانها ویبعثرها فی الهواء وتبدو کالصوف المنفوش: (وتکون الجبال کالعهن المنفوش).(5)

ثمّ تقول الآیة: إنّ الله سبحانه بعد تلاشی الجبال وتطایر ذرّاتها یأتی أمره إلى الأرض (فیذرها قاعاً صفصف(6) * لا ترى فیها عوجاً ولا أمتاً)(7) وفی ذلک الحین یدعو الداعی الإلهی جمیع البشر إلى الحیاة والاجتماع فی المحشر للحساب فیلبّی الجمیع دعوته ویتّبعونه (یومئذ یتّبعون الداعی لا عوج له).

هل إنّ هذا الداعی (إسرافیل) أم ملک آخر من ملائکة الله المقرّبین؟ القرآن لم یشخّص ویحدّد ذلک بدقة، وکائناً من کان فإنّ أمره نافذ لا یقدر أىّ أحد على التخلّف عنه.

وجملة «لا عوج» یمکن أن تکون وصفاً لدعوة هذا الداعی، أو وصفاً لاتّباع المدعوین، أو لکلیهما، وممّا یلفت النظر أنّه کما أنّ سطح الأرض یصبح صافیاً ومستویاً بحیث لا یبقى فیه أىّ إعوجاج، فإنّ أمر الله والداعی أیضاً کلّ منهما صاف ومستقیم جلی، واتّباعه واضح لا سبیل لأىّ إنحراف وإعوجاج إلیه.

عند ذلک: (وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلاّ همساً)(8). إنّ هدوء الأصوات أو خشوعها هذا إمّا هو لهیمنة العظمة الإلهیّة على عرصة المحشر حیث یخضع لها الجمیع، أو خوفاً من الحساب ونتیجة الأعمال، أو لکلیهما.

وبما أنّ بعض الغارقین فی الذنوب والمعاصی قد یحتمل أن تنالهم شفاعة الشافعین وتنجیهم، فإنّه یضیف مباشرةً: (یومئذ لا تنفع الشفاعة إلاّ من أذن له الرحمن ورضی له قولا)وهذا إشارة إلى أنّ الشفاعة هناک لیست إعتباطیة وعشوائیة، بل إنّ هناک تخطیطاً دقیقاً لها، سواء ما یتعلّق بالشافعین أو المشفوع لهم، وما دام الأفراد لا یملکون الأهلیة والاستحقاق للشفاعة، فلا معنى حینئذ لها.

والحقیقة هی أنّ جماعة ینظرون إلى الشفاعة بمنظار خاطىء، فهم یتصوّرون أنّها لا تختلف عن أسالیب الدنیا ومراوغاتها، فی حین أنّ الشفاعة فی منطق الإسلام مرحلة تربویة متقدّمة، وعامل مساعد لهؤلاء الذین یطوون طریق الحقّ بجدّ وسعی إلاّ أنّهم یبتلون أحیاناً بالنقائص والزلاّت، ولعلّ من الممکن أن یعلو غبار الیأس والقنوط قلوبهم نتیجة هذه الزلاّت والهفوات، هنا تأتی إلیهم الشفاعة کقوّة محرّکة وتقول: لا تیأسوا، واستمروا فی طریقکم، ولا تکّفوا أیدیکم عن السعی والاجتهاد فی هذا المسیر، وإذا ما بدر منکم زلل وهفوات فإنّ هناک شفعاء سیشفعون لکم عند الله الرحمن الذی وسعت رحمته کلّ شیء فیأذن لهم بالشفاعة.

إنّ الشفاعة لیست دعوة للتقاعس، أو الفرار من تحمّل المسؤولیة، أو أنّها ضوء أخضر لإرتکاب المعاصی، بل هی دعوة إلى الاستقامة فی طریق الحقّ، وإجتناب الذنوب قدر الإمکان.

ومع أنّنا قد أوردنا بحث الشفاعة بصورة مفصّلة فی ذیل الآیة 47 ـ 48 من سورة البقرة، وفی ذیل الآیة 255 من سورة البقرة، لکن لا بأس من أن نضیف هنا قصّة جمیلة:

فقد روى العالم الربّانی المرحوم «یاسری» ـ أحد علماء طهران المحترمین ـ أنّ شاعراً یسمّى «حاجباً» کان قد اُبتلی بأفکار العوام فی مسألة الشفاعة، فنظّم شعراً قال فیه:

یاحاجب إن کانت معاملتک مع علی فی المحشر، فأنا ضامن لک النجاة واعمل ما شئت من الذنوب.

فرأى أمیر المؤمنین علی(علیه السلام) فی المنام، وکان مغضباً، وقال له: لم تحسن قول الشعر، فقال: فماذا أقول؟ فقال: أصلح شعرک وقل: یاحاجب: إن کانت معاملتک مع علی فی المحشر فاستح منه وقلّل من ذنوبک ومعاصیک.

ولمّا کان حضور الناس فی عرصات القیامة للحساب والجزاء لابدّ معه من علم الله سبحانه بأعمالهم وسلوکهم ومعاملاتهم، فإنّ الآیة التالیة تضیف: (یعلم ما بین أیدیهم وما

خلفهم ولا یحیطون به علماً)(9) فهو یعلم ما قدّم المجرمون وما فعلوه فی الدنیا، وهو مطّلع على کلّ أفعالهم وأقوالهم ونیّاتهم فی الماضی وما سیلاقونه من الجزاء فی المستقبل، إلاّ أنّهم لا یحیطون بعلم الله، وبهذا فإنّ إحاطة علم الله سبحانه تشمل العلم بأعمال هؤلاء وبجزائهم، وهذان الرکنان فی الحقیقة هما دعامة القضاء التامّ العادل، وهو أن یکون القاضی عالماً ومطّلعاً تماماً على الحوادث التی وقعت، وکذلک یعلم بحکمها وجزائها.

فی ذلک الیوم: (وعنت الوجوه للحی القیّوم).

«العنت» من مادة العنوة، وقد وردت بمعنى الخضوع والذلّة، ولذلک یقال للأسیر: «عانی»، لأنّه خاضع وذلیل فی ید الآسر، وإذا رأینا الخضوع قد نسب إلى الوجوه هنا، فلأنّ کلّ الإحساسات النفسیة، ومن جملتها الخضوع، تظهر آثارها أوّلا على وجه الإنسان.

واحتمل بعض المفسّرین أنّ الوجوه هنا تعنی الرؤساء والزعماء وأولیاء الاُمور الذین یقفون فی ذلک الیوم أذلاّء خاضعین لله، إلاّ أنّ التّفسیر الأوّل أقرب وأنسب.

إنّ إنتخاب صفتی «الحی والقیّوم» هنا من بین صفات الله سبحانه، لأنّهما یناسبان النشور أو الحیاة وقیام الناس جمیعاً من قبورهم «یوم القیامة».

وتختتم الآیة بالقول: (وقد خاب من حمل ظلماً) فالظلم والجور کالحمل العظیم الذی یثقل کاهل الإنسان، ویمنعه من السیر والرقی إلى نعم الله الخالدة، وإنّ الظالمین ـ سواء منهم من ظلم نفسه أو ظلم الآخرین ـ لمّا یرون بأعینهم فی ذلک الیوم خفیفی الأحمال یهرعون إلى الجنّة، وهم قد جثوا حول جهنّم ینظرون إلى أهل الجنّة یتملّکهم الیأس والخیبة والحسرة.

ولمّا کانت طریقة القرآن غالباً هی بیان تطبیقی للمسائل، فإنّه بعد أن بیّن مصیر الظالمین فی ذلک الیوم، تطرّق إلى بیان حال المؤمنین فقال: (ومن یعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا یخاف ظلماً ولا هضماً)(10).

التعبیر ب(من الصالحات) إشارة إلى أنّهم إن لم یستطیعوا أن یعملوا کلّ الصالحات فلیقوموا ببعضها، لأنّ الإیمان بدون العمل الصالح کالشجرة بلا ثمرة، کما أنّ العمل الصالح بدون إیمان کالشجرة من دون جذر، إذ قد تبقى عدّة أیّام لکنّها تجفّ آخر الأمر، ولذلک ورد قید (وهو مؤمن) بعد ذکر العمل الصالح فی الآیة.

قاعدة: لا یمکن أن یوجد العمل الصالح بدون إیمان، ولو قام بعض الأفراد غیر المؤمنین ـ أحیاناً ـ بأعمال صالحة، فلا شکّ أنّها ستکون ضئیلة ومحدودة واستثنائیة، وبتعبیر آخر: فإنّ العمل الصالح من أجل أن یستمر ویتأصّل ویتعمّق یجب أن یروى من عقیدة سالمة واعتقاد صحیح.


1. «نسف» فی اللغة تعنی وضع الحبوب الغذائیة فی الغربال وغربلتها، أو ذرها فی الهواء لینفصل الحبّ عن القشر، وهنا إشارة إلى تلاشی الجبال وتهشّمها، ثمّ تناثرها فی الهواء.
2. المزمل، 14.
3. الطور، 10.
4. المزمل، 14.
5. القارعة، 5.
6. «القاع»الأرض المستویة، وفسّره البعض بأنّه المکان الذی یجتمع فیه الماء. وأمّا «الصفصف» فقد فسّرت أحیاناً بأنّها الأرض الخالیة من کلّ أنواع النباتات، وأحیاناً بمعنى الأرض المستویة. ویستفاد من مجموع هذین الوصفین أنّ کلّ الجبال والنباتات ستمحى من على وجه الأرض فی ذلک الیوم وستبقى الأرض مستویة خالیة.
7. «العوج» بمعنى الإعوجاج، و«الأمت» أی الأرض المرتفعة والربیة، وبناءً على هذا فإنّ معنى الآیة هو أنّه لا یرى فی ذلک الیوم أىّ إرتفاع وإنخفاض على وجه الأرض.
8. «الهمس» ـ کما یقول الراغب فی مفرداته ـ یعنی الصوت الخفی والمنخفض، وفسّره بعضهم بأنّه الصوت الخفی للقدم الحافیة، والبعض بحرکة الشفاه من دون أن یسمع معها صوت، ولا یوجد تفاوت کبیر بین هذه المعانی.
9. احتمل بعض المفسّرین أنّ ضمائر الجمع فی الجملة الاُولى تعود إلى الشافعین، واحتمل البعض أیضاً أنّ الضمیر فی «به» یعود إلى أعمال المجرمین ونتائجها، ولکن ما ذکرناه أعلاه هو الأصحّ کما یبدو. دقّقوا ذلک.
10. «الهضم» فی اللغة بمعنى النقص، وإذا قیل لجذب الغذاء إلى البدن: هضم، فلأنّ الغذاء یقلّ ظاهراً وتبقى فضلاته.
سورة طه / الآیة 105 ـ 112 1ـ الفرق بین الظلم والهضم
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma