ممّا یلفت النظر أنّ هؤلاء إختاروا أکثر التعابیر منطقیّة إزاء فرعون وکلامه غیر المنطقی، فقالوا أوّلا: إنّنا قد رأینا أدلّة واضحة على أحقّیة موسى ودعوته الإلهیّة، وسوف لا نکترث بأی شیء ولا نقدّمه على هذه الدلالات البیّنة، وأکّدوا هذا الأمر فیما بعد بجملة (والذی فطرنا) وربّما کان هذا التعبیر بحدّ ذاته ـ مع ملاحظة کلمة (فطرنا) ـ إشارة إلى ما هم علیه من الفطرة التوحیدیّة، فکأنّهم قالوا: إنّنا نشاهد نور التوحید من أعماق وجودنا وأرواحنا، وکذلک بالدلیل العقلی، ومع هذه الآیات البیّنات کیف نستطیع أن نترک هذا الصراط المستقیم، ونسیر فی طریقک المنحرف؟
ویلزم الإلتفات إلى هذه النکتة أیضاً، وهی أنّ جمعاً من المفسّرین لم یعتبروا جملة (والذی فطرنا) قسماً، بل عدّوها عطفاً على (ما جاءنا من البیّنات) وبناءً على هذا سیصبح معنى الجملة: إنّنا سوف لن نؤثرک أبداً على هذه الأدلّة الجلیّة، وعلى الله الذی خلقنا.
غیر أنّ التّفسیر الأوّل یبدو أقرب للصحّة، لأنّ عطف هاتین الجملتین بعضهما على بعض غیر مناسب. «فلاحظوا بدقّة»!